أصدر مبارك المهدي القيادي السابق في حزب الأمة القومي، بياناً ساخناً هاجم فيه ابن عمه الصادق المهدي قال فيه «دخل أخيراً على الخط ابن عمي الإمام الصادق مروجاً لهذه الأكاذيب في شريط فيديو نشرته صحف الخرطوم، قائلاً إن الرئيس سلفا كير شخصياً شكا من أن مبارك يرشو وزراءه ليسمحوا له بتوريد سلع دون سداد الجمارك ويقاسمهم الأرباح، وهذا طبعاً اتهام كبير من زعيم سياسي وديني كبير، يسيء للرئيس سلفا كير ويسيء لوزرائه قبل أن يسيء لشخصي، كما أنه يسيء أكثر للإمام ابن عمي، إذ لم يستطع أن يعزز كلامه ببينات أو مستندات. فهو بذلك يصطف مع الإنقاذ الخصم في محاولة اغتيال شخصية ابن عمه، ويستعمل في ذلك وسيلة غير شريفة لإقصائه من منافسته على زعامة الحزب، وهو لا شك المتدين العاكف على تفسير القرآن يعلم بما جاء في كتاب الله عن الأرحام وعن ترويج أحاديث الإفك». وهذا بالطبع لم يكن الهجوم الوحيد أو السجال اليتميم بين الطرفين، فقد سبقته بوابل من النبال أطلقتها منصة الطرفين منذ انشقاق مبارك المهدي من الحزب الأم وتكوين حزبه الخاص باسم «حزب الأمة والإصلاح»، ولم يتوقف السجال حتى حينما عاد مجدداً مبارك المهدي إلى صفوف الحزب ليغادره لاحقاً متفرغاً لأعماله التجارية في دولة الجنوب، لكن رغم ذلك يبدو أن هناك بين زعيم حزب الأمة وابن عمه مبارك المهدي تلاقياً وتقاطعات، فكلاهما لديهما طموحات سياسية مبكرة وقوية دفعتهما في سن مبكرة لحرق المراحل وامتطاء قطار السياسة حتى دون التفكير في حمل الزوادة الكافية والتفكير في طبيعة المحطات التي يمكن أن يمر بها القطار، فالصادق المهدي عندما ولج على التو عامه الثلاثين خطا بطموح جامح نحو سدة رئاسة الوزراء، حيث مر بفترات محمومة من التنافس والصراع السياسي تبلور بكسب في بعض المرات وإقصاء من الحكم تارة بواسطة الائتلافات والتكتلات الحزبية أو بفعل الانقلابات العسكرية، ولم يكن طموح المهدي قاصراً على رئاسة الحكومة وإنما كان يتطلع إلى الجمع بينها وبين زعامة الأنصار، وهو ما قاده إلى خلافات بين الإمام الراحل الهادي والإمام أحمد المهدي، تلك الطموحات الجامحة حين اصدمت بجدار الحكم المايوي في عام 1969م ربما هي التي دفعته لقبول التفاوض مع الرئيس نميري لاحقاً والرضاء بالمشاركة السياسية في التنظيم الآحادي للنظام المعروف بالاتحاد الاشتراكي عبر ما يعرف بالمصالحة الوطنية في عام 1977م، ثم تولى رئاسة الوزراء في عام 1986م، وربما يدخل مرحلة جديدة مع الإنقاذ في مرحلة ما بعد الانتخابات، في حين أن ابن عمه مبارك المهدي منذ أن أتم دراسته الجامعية في بيروت ثم جامعة شيلر الأمريكية لم يمض وقت قصير عندما ولج السياسية من بوابة حزب الأمة، حيث لم يبارح في ذلك الوقت العقد الثاني من عمره، مما يكشف الطموح السياسي المبكر، وانضم مع حزبه لمعارضة نظام نميري تحت عباءة الجبهة الوطنية المعارضة التي فشلت مساعيها للقيام بعمل مسلح في عام 1976م، وكان عمره آنذاك خمسة وعشرين عاماً، وعقب انتفاضة أبريل 1985م التي أطاحت النظام المايوي برئاسة جعفر نميري تفتحت شهية الشاب مبارك للعمل السياسي، وانداح وتمدد سقف طموحاته السياسية، بينما عاونه ابن عمه الصادق المهدي زعيم الحزب بإعطائه سلم الصعود، حيث ترشح باسم الحزب في البرلمان ونجح في دخوله، وعندما حاز الحزب على الأغلبية البرلمانية وشكل حكومة ائتلافية تقلد مبارك المهدي منصب وزارة الصناعة ثم الاقتصاد والتجارة الخارجية، ثم الطاقة والتعدين، وأخيراً وزارة الداخلية، وعند قيام الإنقاذ عاد مبارك المهدي إلى البلاد في إطار مصالحة قادها الصادق المهدي مع نظام الإنقاذ سماها «تفلحون»، وربما كان مبارك المهدي في قرارة نفسه أكثر تحرقاً لاتمام هذه المصالحة باعتبار أن أشواق وتطلعات إسقاط النظام والعودة على ظهر سيارات عسكرية أو حتى عبر انتفاضة شعبية بدت صعبة المنال، الأمر الذي من شأنه أن يفرمل طموحاته الكبيرة التي سرعان ما ضاق بها حتى حزبه «الأمة القومي»، فانشق عنه في عام 2002م وأنشأ حزباً رديفاً ولج من خلاله في القصر الحاكم مساعداً لرئيس الجمهورية قبل أن يخرج لاحقاً من سدة الحكم. إذن بالرغم من التلاقي والخلافات بين ابني العمومة وصعوبة المصالحة بينهما من جهة ومصالحة مبارك للإنقاذ من جهة ثانية، فليس من المستبعد أن يحدث التصالح والتلاقي في ظل براجماتية كل الأطراف التي تجيد اللعب السياسي بأطراف أصابعها، وإن كانت تقف على أرضية ملساء.