من أقدار الشعوب أن يسوسها منافقون تمرسوا على النفاق، وكذّابون يتحرون الكذب دون أن يطرف لهم جفن، وطغاة جبابرة جبلوا على الظلم... إذا أردنا عالماً مثالياً فلا شك أننا نقصد عالماً بلا سياسة، لأن السياسة عالم مزدحم بالشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، ومن بؤس حال الشعوب وشقائهم أن القيادة والسلطة والحكم لا يتطلع إليها رجال الدين، ولا العلماء ولا الصادقون ولا العدول، ولا ذوو الاستقامة ممن يخافون الله في عباده، ولكنها ساحة عراك «حصري» على الساسة وبعض «الأبالسة»، معركة تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة وكل أساليب الخداع وتصفية الحسابات والضرب تحت الحزام والمؤامرات وإحاكة الدسائس، وفي ساحة المعركة «الجبانة» تلك تُحمى المصالح ب «أي شيء»، لأن الحكمة «الحصرية» في ميادين السبق هي «الغاية تبرر الوسيلة وحسب»... وفي ساحتها أيضا تُستخدم فنون القتل الجماعي للشعوب، والتجويع والترهيب والحرمان من كل شيء... فيها «الثعلب» المحتال يلبس ثياب الواعظين ويدعو زوراً وبهتاناً إلى «الحق» المبين ويسعى ليأخذ كل شيء ب «الباطل»، ويتحدث عن إعلاء قيم «الحرية» وإشاعتها بين الناس، ويفعل ما يجعلهم «مستعبدين» لا يملكون من أمرهم «قطميراً».. فيها أخو الصدق منزوٍ على رف «التهميش» وبعيد عن دائرة الفعل ومراكز صناعة القرار، والمنافق الكذوب هو صاحب الكسب الأكبر من عرضها الزائل، يُقرَّب فيها الفاشلون ويُبعد أهل الصلاح والنجاح... للأسف هو ذا الطريق القصير للإمساك ب «خطام» الشعوب... فكم من جماعة أو مجموعة ولجت ذلك العالم الغامض بأعلى مراتب القيم والمبادئ فأكلتها ذئاب ذلك العالم الساحر ولم تترك لهم منها سوى «مؤهلات» السياسي من فهلوة ومراوغة وانتهازية وبعض من آيات المنافق.. تذكرت قصة طريفة وأنا أكتب كلمات هذه الزاوية.. تقول القصة إن أحد أباطرة السياسة وكان وقتها مسؤولاً عن مؤسسة تعاونية ضخمة جداً وانتهى إليه أمر اختيار مدير لهذه المؤسسة الاقتصادية العملاقة، فرشَّح له بعض الحاضرين شخصاً ذا خلق ودين واستقامة وذمة مالية لا يتطرق إليها الشك بين من يعرفونه، وقيل له إن فلاناً هذا متدين وأمين وصادق، فقاطعهم: «بس بس بس، إنتو قالوا ليكم أنا داير أسويهو إمام مسجد»!! الحكاية وما فيها يا أحباب، أنه يريد مسؤولاً خائناً وحرامياً ولصاً.. «يعني زول بلع عشان يقدر يمسكو من يدّو البتوجعو»، هذه واحدة من الأساليب القذرة التي يتعامل بها بعض شخوص ذلك العالم الغامض، فكلما كثرة نقاط ضعفك، واتسخت «فوائلك» فأنت القوي الأمين، ورجل المهام الصعبة الذي يستطيع أن يفعل ما يعجز عنه الآخرون، كيف لا، وأنت بتلك المواصفات تتحول لأداة طيعة في يد من يستخدمك مكرهاً أخاك لا بطل.. عالم السياسة في بعض جوانبه أشبه بعالم البلطجية والجريمة المنظَّمة وشبكات ومافيا الإجرام.