العبد لله لم يكن يهتم كثيرا بأمور ترخيص عربته فهناك (شئون إدارية) في مكان عمله تقوم له بالواجب بالتمام والكمال، ولكنه في هذه المرة دخل في (حيص بيص) عندما فشلت كل محاولاته لتكليف أحدهم بهذه المهمة المرهقة والشاقة، فعمد بنفسه إلي إكمال ذلك الأمر تجنبا للوصولات التي يقطعها رجل المرور له قبل أن يناقشه في مشكلته، حتي إذا علم بالمشكلة يقول له (معليش يا باشا .. ما كنت عارف .. لكن الوصل اتقطع خلاص .. ولازم تدفع) توكل العبد لله علي ربه وذهب صباحا لمكان الترخيص فوجد (كوما) من العربات (الح - كومية) مرصوصة في الصف في انتظار اول خطوة وهي الفحص الألي (أو بالأحري الرنين الآلي) حيث تخضع العربة لاختبارات مختلفة (علي آلة حدباء محمولة) تخرج بعدها وقد تنفست الصعداء من عدم وجود (ملاحيظ) تضطرها للعودة مرة أخري لاصلاح التلف. وعموما دخل العبد لله في (كمية تجارية) من الصفوف الطويلة والدفعيات المستمرة .. والتي جعلته يقطع مشوار الترخيص للحظات ويتجه لأقرب صراف آلي ليجلب المزيد من المال لاكمال العملية) وما عارف حكاية الآلي المدورة فينا دي شنو؟. قابلته أولا رسوم الاستمارة .. استمارة ماها ساهلة .. بي اتنين وتمانين جنيه (وأول الغيث قطرة كبييييرة) حتي يكتبوا له فيها الحالة العامة للعربة، الانوار والمنشات تمام التمام والشاسي ما معووج وغيرو. وثانيا لازم يشتري طفاية حريق - عشان يطفي بيها نار غيظو من الاجراءات لأنو لو العربية حرقت ما حيفكر في الطفاية القاعدة في الضهرية لكن بيفكر في الخروج سالما آسفا - وما دام قد اشتري طفاية لازم يدفع رسوم السلامة والدفاع المدني ( الذي هو شقيق الدفاع الايطالي الكروي الأكبر والأقوي منه) ثم اتجه ليدفع رسوم العلاقات البينية ( والتي هي في هذه الحالة علاقات بين شرطة المرور وقائدي المركبات) .. ومن ثم دفع رسوم تذاكر مختلفة الفئات، عشان يخش بيها الفلم الهندي الكبير بعنوان (الزول المتعالي علي الفحص الآلي ) هذا بالإضافة إلي دفع رسوم عدد من الدمغات، حتي يثبت بالدليل – الدامغ – انه دفع كل هذه الرسوم. لاحظ أنه حتي هذه اللحظة لم يدفع مما يخص الترخيص إلا القيمة الأولي ( الاستمارة) مع أنه وصل إلي الرقم ثلاثمائة جنيه فقط لا غير. ثم تأتي الخطوة الأخيرة ليدفع رسوم الايصال المالي (وهو الوثيقة الوحيدة التي تشبه ايصال وزارة المالية) وهي رسوم مسكوت عن الغرض منها لانه يجب ان يعرف (بالبديهة) انها الرسوم الحقيقية للرخصة وشهادة البحث (عن الحقيقة). وبذلك تجاوز رقم الترخيص الخمسمائة جنيه نصفها لا تمت للترخيص بصلة قرابة ولا جوار!! وقد تحسب العبد لله لكل شئ فعرف الاجراءات المطلوبة من تصوير مستندات واحضار اوراق هامة كالتأمين وخطاب التفويض من المؤسسة التي يعمل بها وغيرها من الاجراءات مما جعله يقف في الصف الأخير (صف اللوحات الجديدة) مطمئن القلب هادئ البال، بل وأصبح يبتسم كلما علم ان احدهم قد نسي بعض الأوراق فانسحب من الصف لاحضارها وضيع علي نفسه موقعه المميز في الصف، وازدادت ابتسامة العبد لله وهو يتقدم بثقة نحو الشباك والناس ينسحبون واحدا تلو الآخر لاكمال مستنداتهم التي تعتبر مكتملة مية المية عند العبد لله والذي فوجئ عند وصوله للشباك بسؤال الضابط له (وين خطاب التفويض بتاع جياد يا باشمهندس؟) وكان السؤال مفاجأة للعبد لله بحيث لم يستطع استيعابه منذ البداية ولكنه علم بعد ذلك أن اوراقه ناقصة أهم ورقة وهي الخطاب الذي يثبت تفويض شركة جياد له لترخيص عربتهم (حلوة عربتهم دي) التي يركبها هو - مجرد سواق - لحدي ما تنتهي اقساطها. وهكذا اصبح سؤال الضابط (قاصمة ظهر) حقيقية للعبد لله الذي اصبح بعد ذلك يتصرف بتهور وانفعال ( زي جمهور المريخ بعد خروجه من ابطال افريقيا خالي الوفاض) حتي انزلقت رجله في أحد الممرات مما أعاد له الانزلاق الغضروفي مرة أخري وانتقل مباشرة إلي أقرب مستشفي لاجراء (الرنين المغنطيسي) علي ظهره بعد ان اكمل عملية الرنين الآلي - أعني الفحص الآلي - علي عربته واستلم اللوحة الجديدة .. مبروووك. وقد اتضح من الرنين المغنطيسي لظهره أن (كوناته) - إي الركب- بتطقطق و(مساعد الياي) بتاع السلسلة الفقرية مختسك و(بلي العجل الورا) - أي المخروقة - يحتاج لتغيير !!!!! ومما اغضب العبد لله واقض مضجعه أنه في مساء نفس اليوم التقي أحد اصدقائه من شركة جياد للسيارات وقص عليه معاناته منذ الصباح الباكر حتي ساعة متأخرة من عصر ذلك اليوم الذي انتهي بالرنين المغنطيسي، فقال له الصديق بكل بساطة: ( هسة بدل تعبك ده كلو .. لو كان جيتنا في البرج تقعد خالف كراع في كراع وتشرب ليك عصير كركدي وكباية شاي معانا وتمرق تلقي عربيتك مرخصة جااااهزة .. ما كان احسن من الملطشة بتاعتك دي؟) .. بالله شوف!!!