في قصتهما مع آلة الكمان كتاب لم يكتب بعد، وذلك للإصرار على بلوغ مرحلة من التميز والفرادة في عالم الموسيقا المنبعثة من هذه الآلة. تشابه الاثنان كثيرًا في البدايات والمسيرة الموسيقية، فظلا اثنين من الذين لا يذكرا إلا وتذكر عوالم سحر الكمان وحالات التواجد المستمر خلف كل عمل غنائي جميل. فعبد الله عربي بدأ عزف الكمان وهو طالب صغير بالمرحلة الوسطى. وذلك حين كانت الإذاعة تقبع ببيت الأمانة. فكان أن أعجب كثيراً برواد هذه الآلة من الذين هم وجودا داخل الإذاعة خلف فناني الجيل الوتري الأول في عالم الغناء. تعددت زياراته للإذاعة بغرض البقاء بها حتى انتهاء والده من عمله بها كمادح ومؤدي للأناشيد الدينية. فرأى الموسيقيين الأوائل عز الدين علي حامد والسر عبد الله وعلاء الدين حمزة وسعدابي عمر وحسن خواض. أما محمدية فهو أصغر سناً من عبد الله عربي بسنوات ست فعبد الله عربي من مواليد العام 1935م بينما محمدية من مواليد العام 1941م عرف محمدية بالكمان في سن السابعة عشر من عمره. فكان واحدًا من الذين مروا على آلة أخرى قبل أن يكون ذي علاقة بالة الكمان. ببورتسودان وبديم جابر كانت بداياته مع هذه الآلة التي لم تفارقه حتى الآن، فكان أن صاحب أولاً الفنانين المعروفين ببورتسودان في ذلك الوقت وأشهرهم صالح الضي الذي كان مُقيماً ببورتسودان وقتها. يشترك الاثنان في الظهور في عالم الفن في سن الثامنة عشر من عمريهما. فعبد الله عربي ومنذ العام 1953م ظل ممسكاً بالكمان خلف تراث الغناء السوداني الخالد. فكان أن جلس أولاً خلف الفنان عثمان الشفيع بدار الإذاعة القديمة. ومن ثم ولجوار سكنه بالفنانين حسن سليمان الهادي وعبد الحميد يوسف ظل مرتبطاً بهما. في جانب الموسيقار محمدية فقد ارتبط أولاً بالفنانين صالح الضي والتاج مصطفى، ومن ثم أصبح واحداً من أكثر الموجودين في عالم الأوركسترا الغنائية مع جميع الفنانين. بحلول العام 1968م أصبح محمدية واحدًا من الذين يشار اليهم بالتميز في عالم الكمان. وذلك لدأبه وإصراره على بلوغ العلا الشاهقة فيه. ساعده على ذلك قربه من أساطير العزف عليه من الذين سبقوه. وهم العملاق حسن خواض وبدر التهامي وحسين جاد السيد، وبالطبع كان من ضمنهم عبد الله عربي. الاثنان لم يكتفيا بالعمل خلف التراث الغنائي مع عمالقة المغنيين، فكانا من الملحنين وأصحاب المشروعات الموسيقية الناجحة. فعبد الله عربي قام بتلحين تلك الغنائية الوطنية الخالدة (هبت الخرطوم في ليل الدجى) التي كتبها الشاعر عبد المجيد حاج الأمين وتغنى بها الفنان عبد الكريم الكابلي. زائداً عمله على وضع العديد من المقدمات الموسيقية للأغاني ومنها (مرحباً يا شوق) كلمات الجيلي عبد المنعم عباس وألحان وغناء محمد وردي. أما العملاق عثمان حسين فقد وضع المقدمات الموسيقية لأغنيتي (لا تسلني) و(عاهدتني) والاثنان من كلمات بازرعة. أما محمدية فقد كان لوجوده الدائم مع عمالقة الفن الغنائي السبب في وصوله لرقم قياسي لم يحدث حتى الآن لموسيقار وعازف كمتواجد رئيسي معهم عزفاً على آلة الكمان. الاثنان نهلا من معين الدراسة النظرية والعملية للموسيقا. فعبد الله عربي التحق بمعهد الموسيقا العالمية بغينيا في العام 1959م وعاد يحمل علماً موسيقياً قام بنثره على السامعين. أما محمدية فقد التحق بمعهد الموسيقا الشرقية في العام 1975م بالقاهرة فعاد أكثر دراية وفهما للموسيقا. ختاماً لا يذكر الغناء والدوزنان وآلة الكمان في السودان خلال الخمسين عاماً الماضية إلا ويذكر الاثنان مع رواد هذه الآلة الساحرة الأنغام.