العملية الجراحية التي أفرزت الحكومة الجديدة كانت معقدة، فأنتجت واقعاً جديداً أوضح تصميم البعض على ضرورة أن يكون التغيير شاملاً وبلا استثناء؛ وهو ما أكده إعلان المشير عمر البشير عن تغييرات ستطول حتى ولاة الولايات خلال الفترة المقبلة. الحال المتردي الذي يستوطن بعض الولايات من تدني الأداء في حكوماتها دون النسبة المئوية المطلوبة، وتراجع الخدمات خاصة في التعليم والصحة والمياه والكهرباء، وتراجع الأمن في بعضها، تجعل الخطوة التي يعتزم المؤتمر الوطني القيام بها بتغيير الولاة يضع مصير البرامج الانتخابية التي دفع بها الولاة في ركن قصي في ظل التحولات السياسية التي تملأ الساحة السودانية. تشديد البشير على أن التغيير سيطول المركز والولايات جعل عضو حزب الإصلاح الآن أسامة توفيق يؤكد ان التغيير المطلوب هو تغيير سياسات وليس الوجوه، مشيراً الى ان الأزمة الحادة التي يعاني منها السودان تفترض وجود التقاء جامع للاتفاق حول الحد الادنى للثوابت محافظة على الارض التي يُتحاور حولها عبر النظرة الكلية بتغيير السياسات والبرامج واطلاق الحريات، وهو إسقاطاته قوية على الولايات والتي لا اعتقد والحديث لاسامة انها ستؤثر او تغير من مفهوم تعيين الولاة الجدد او سياسات الولايات. بالعودة للانتخابات الماضية التي جرت في شهر أبريل من العام 2010م أفرزت ولاة منتخبين وجلهم ينتمون لحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي دفع بهم للترشح لتلك المناصب التنفيذية، وحسب سياق المادة 28 من قانون الانتخابات انه يجوز للمجلس التشريعي للولايات وفق أحكام دستور الولاية حجب الثقة عن الوالي بموافقة ثلاثة أرباع الأعضاء، وفور حجب الثقة عن الوالي يدعو رئيس الجمهورية الناخبين في الولاية لانتخابات مبكرة لاختيار الوالي تجري خلال ستين يوماً. الفشل الذي لازم بعض الولايات (الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وسنار ونهر النيل والبحر الأحمر وكسلا) والتي سيغادر بموجبها ولاتها المنتخبون من جماهير تلك الولايات ستواجه ببعض الجوانب القانونية، وفي واقع الأمر ربما تجد مغادرة بعضهم ترحيباً بسبب الفشل الذي لازمهم طوال فترة إدارتهم لدفة تلك الولايات. أما المعضلة القانونية والدستورية التي تواجه ولايتي شرق ووسط دارفور أنه ليست بهما مجالس تشريعية منتخبة وإنما تم تعيينها بقرارات ولائية الأمر الذي اعتبره البعض مخالفاً للدستور وقانون الانتخابات السودانية. الوضع القانوني لانتخاب ولاة الولايات، والذي أرجعه القيادي بالمؤتمر الشعبي ابو بكر عبد الرازق المحامي، بقوله ان دستور العام 2005م الانتقالي لا يعطي رئيس الجمهورية الحق في انتخابهم، بل هو حق مكفول للارادة الشعبية وليس لرئيس الجمهورية. في حال المضي في خطوة تغيير الولاة وإلى أن تجرى الانتخابات المنصوص عليها بحسب قانون الانتخابات، يرى بعض المراقبين أن عملية اختيار الوالي من أكثر العمليات تعقيدًا في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها حزب المؤتمر الوطني في الولايات، وأن الواقع ينبئ بأن الأمور تتجه نحو التغيير الشامل الذي ينشده الوطني ومنسوبوه لكن في المقابل هناك متطلبات قانونية يجب أن تواكب عملية تغيير الولاة باعتبار أن قانون الانتخابات السودانية ينص على أنه لأي حزب سياسي أو ناخب مؤهل الحق وفقاً للقانون بترشيح من يراه مناسباً لمنصب الوالي وفقاً لأحكام الدستور والقانون الأمر الذي يحتم على مفوضية الانتخابات ترتيب الأوضاع للخطوة القادمة في مقبل الأيام. البعد عن تكرار وجوه الولاة أمر تقتضيه كل الظروف، والمصلحة العامة التي يقدرها رئيس المؤتمر أو قيادته في عدد من الولايات، وان خطوة التغيير لا بد ان تخضع لمراجعات عميقة. في ظل الأجواء الآن، هل مبررات تأخير انتخاب الولاة هو تردد القصر ازاء التراخي الذي يصاحب المشروعات في الولايات وتأثر دولاب العمل بها أم خطوة تمهيدية لتفويض المجالس التشريعية بالبحث عن بدائل أخرى وفقاً لأحكام الدستور وقانون الانتخابات.