ما يدور من حراك داخل حزب المؤتمر الوطني بين التنظيم وتيار الإصلاحيين بقيادة د.غازي صلاح الدين، والذي لم تكن القواعد بعيدة من هذا الحراك الكثيف بما شهدته المجالس من نقاشات ما بين مؤيدة ومعارضة لما تم طرحه من قبل الإصلاحيين، والتطور الأخير بانسلاخ بعض قيادات المؤتمر الوطني وانضمامهم لحزب الإصلاح الآن، والتوقعات أن تجد دعوته مزيدًا من المؤيدين خاصة في وسط النافذين الذين يسعون للإصلاح والتغيير الشامل، تطورات متلاحقة تحمل في طياتها العديد من القراءات لمآلات الأحداث. سيل الأهداف المنهمر الذي يحمله حزب الإصلاح الآن خلال طوافه بولايات السودان المختلفة، تبشيرًا بها في محاولة خالصة لجذب المزيد من المؤيدين للحزب الجديد، رؤية فندها القيادي الإصلاحي الفريق محمد بشير سليمان بقوله أنهم لم يسعوا لاستقطاب أي عنصر من داخل المؤتمر الوطني، مؤكدًا أن الذي يجري من تمدد في الولايات الآن يعود لاتصال مواطنيها المستمر لمعرفة الأهداف وكيفية الدخول في الحزب من خلال الجلوس لسماع رؤيته، وهي خطوة والحديث لبشير أوضحت لنا معدن أهل السودان الإصلاحيين بعيدًا عن الماديات. تبدو حركة التمدد الواسعة هي بداية الفيضان الذي أطلقته قيادات الإصلاح الآن بوضع الرئيس البشير أمام أحد خيارين، إما الوفاق الوطني أو الطوفان الذي بحدوثه لن يستثني أحد. وهي ليست ببعيدة أن الجزرة التي يلوح بها المؤتمر الوطني والمتمثلة في كروت الضغوط التي يمارسها ضد منسوبيه، والتي يفسرها المراقبون، أن بعضهم يخاف على معاشه أو وظيفته، وأما من تهفو نفسه للانضمام للحزب ينتظر أن يسمع خيرًا باكتساح حزب الإصلاح للقواعد الجماهيرية العريضة، وهي مرحلة خطيرة تلك التي يخاف فيها منسوبو الوطني على مصدر رزقهم فيه. تختلف الرؤى والتفاسير لما سيحدث مقبل الأيام حول مقدرة حزب الإصلاح الآن في كسب رضا كل المعارضين للنظام الحاكم، وغير المستوعبين فيه أو اولئك الذين تركوا مناصبهم فيه أو المغضوب عليهم، والتي يرى القيادي بحزب الأمة القومي عبد الرسول النور، أن قيادات الإصلاح الآن شخصيات واضحة وتمتاز بالفكر والحوار، وهي قيادات أصيلة في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وتمثل رأس جبل الجليد له، مشيرًا إلى أن كثيراً من قيادات الوطني قلبها مع الإصلاح الآن وسيفها مع المؤتمر الوطني. الثورة التصحيحية التي نادى بها الرئيس البشير، يعتقد النور أن شرارتها انطلقت من انسلاخ حزب الإصلاح الآن ودعوته للتغيير، التي لفتت نظر الحزب الحاكم أن ما يدور فيه غير صحيح من جانب، وباتجاه آخر فتحت الباب أمام من يئس من الإصلاح داخل الوطني للدخول في الحزب الجديد الذي يحمل نفس ملامح المؤتمر الوطني ولم يبتعد عن التيار الأساسي له. الوضع الراهن يقر أن التمدد الذي يقوم به حزب الإصلاح الآن تطوراً طبيعياً لنشأة الحزب، خاصة في حالة سيولة الأوضاع السياسية داخل المؤتمر الوطني من ظلم وفساد وعجز عن اتخاذ القرارات السياسية وغيرها من الاتهامات التي توجه له، مما يعطي الحزب الحصانة من مثل هذه الاتهامات التي يتعرض لها الآخرون، وبذلك أحدث انفراجاً واضحاً داخل القوى السياسية باستشارته لكل القوى السياسية الأخرى، واسلوب تعجيلي ليتبنى الوطني الأفكار التي طرحها الإصلاح الآن، مما يجعل الحزب الحاكم في مزايدة بين قواعد الجماهير المختلفة المؤيدة والمعارضة له. حرية الرأي، والفكر، والتعبير، والديمقراطية، ومعالجة القضايا بشفافية، أبرز الأهداف التي ينادي بها الإصلاح الآن، وأن الإصلاح والإنصلاح داخل الحزب الحاكم مصدر قوة للدولة إذا خرج من دائرة «أن يحكم السودان» الى «كيف يحكم السودان» عبر مؤسسات الدولة وليس الحزب. توطين القواعد، سياسة يجب الارتكاز عليها في الوضع الراهن، ومتطلبات كثيرة للوقوف بحيادية ما بين المعارضة ومؤسسات الحكم لمقابلة استراتيجية تفكيك وذوبان السودان، التي اقتنع الحزب الحاكم أخيرًا أنها تركة من الصعب أن يحملها وحده بعد أربعة وعشرون عاماً، مورس خلالها تزييف الوعي والعقل، مرحلة توجب خروج المؤتمر الوطني من مؤسسات الحزب والدخول في دائرة الأحزاب القومية الوطنية توطيناً لدولة المؤسسات، وليس حكومة الحزب الواحد.