نهى حسن رحمة الله: المطبخ السوداني من أكثر مطابخ العالم خصوصية وتفرداً ليس في شكل أو طعم الأكل فقط وإنما في مكوناته الأساسية من أدوات الطهي، وقد شكل هذا التفرد الطبيعة الاجتماعية لأهل السودان مما أضفى عليه الخصوصية نسبة للترابط القوي بين مكوناته الاجتماعية المختلفة ومكانة الضيف في مكونهم الثقافي الشيء الذي أثر بشكل كبير على هذا المطبخ العريق ما ان يذكر المطبخ إلا ويأتي ارتباطه بالمرأة ومن المعروف في الاوساط السودانية عشق النساء وولعهن «بالعدة» وهي أواني الطبخ وتقديم الطعام حيث يعاملنها كالجواهر تماما.. قديما كانت تحفظ داخل صندوق يطلق عليه «السحارة» وهي صندوق خشبي كبير يقوم على أرجل ويقول باحثو التراث انه يطلق عليه هذا الاسم كي يخاف الأطفال ولا يعبثون بمحتوياته هذا يوضح لنا مدى اهتمام المرأة في السودان وعبر الحقب المختلفة بهذه الآنية ومكانتها المادية والاجتماعية وتفاخرها بين قريناتها بما تملكه من عدد ونوع منها، ومن الأشياء العجيبة في هذا الارتباط الكبير الذي يصل الى ان تتعرف الى مقتنياتها من هذه الآنية ان كانت لا توجد عليها علامات تميزها من غيرها وإن وجدت مع أخرى مطابقة لها في الشكل والحجم وذلك نتيجة للارتباط النفسي والعاطفي الكبير بها لذلك نتجول اليوم وعبر الزمن لنقف على تدرج تغير وتطور أواني المطبخ في السودان من الفخار الى آخر ما توصلت اليه صناعة الأواني المنزلية. أينما وجد الفخار وجدت الحضارة الفخار من المواد والأدوات الاولية التي استخدمها انسان السودان القديم في السودان وقد وجدت آثاره التي ترجع الى العام 5000عام قبل الميلاد ولا يزال يحتل مكانة في حياتنا وان اختلفت استخداماته، حيث كان الفخار يشكل جميع أدوات المطبخ والطبخ في السودان وحتى عصر دولة الفونج ولا يزال، حيث يستخدم والى وقت قريب وقبل انتشار الثلاجات في تبريد الماء وغيرها أما اليوم تحول الى استخدامات الزينة من اصيص للزهور وأزيار ديكورية، وتراجع استخدام الفخار بحسب الخبراء في التاريخ مع دخول المحتل التركي حيث جلبوا معهم الآنية المعدنية بمختلف أشكالها وأنواعها. «الكنتوش، الدوكة والمرحاكة» أسماء سادت ثم بادت هناك الكثير من المسميات التي ارتبطت بالمطبخ القديم ونسمع بها في بعض المناسبات المرتبطة بالتراث ولكن الكثيرين لا يعلمون عنها شيئاً وهي ادوات كانت تشكل اسلوب حياة الأسلاف في المعيشة اليومية وإعداد الطعام وقد جاء اختفاؤها كردة فعل طبيعية لحلول اشياء غيرها اكثر راحة وسرعة وتطوراً منها. ومن هذه المقتنيات التراثية المندثرة «الكنتوش» وهو إناء فخاري من ايام الثورة الفخارية التي اعقبتها ثورة الحديد والبلاستك، ايضا هو نوع من القدور الفخارية ومنه اشكال كثيرة على شكل قدور ويكون أوسع على شكل صحن «قدح» أو صاج للحم وايضا يكون في شكل قدر صغير لغلي اللبن وايضاً كان يستخدم لحفظ السمن واللبن الرايب، ويقال إن للطعام المعد عليه مذاقا خاصا وتحديدا اللحم والبليلة وايضا اللبن الحليب «المقنن»وهو حرق قليل من الحليب قبل اضافة باقي الكمية. «الدوكة» إحدى ادوات طهي الطعام في السودان عبر زمان ليس بالبعيد الى ان جاء«صاج الكسرة» المعدني وأخذ مكانه والدوكة تصنع من حجر الهمر الموجود بكثرة في شمال السودان ويتميز بالهشاشة حيث يتم طحنة ويصير مثل الدقيق الناعم ويضاف اليه الماء حتى يصير عجينا ويشكل علي هيئة قرص كبير ويترك حتى يجف ثم يدهن بالدهن الحيواني ويوضع على النار نحو ساعة حتي يحترق ويتشرب كمية الدهن ويتركونه حتي يبرد ثم يعاد للنار مرة اخرى وهكذا ثلاث مرات حتي يصقل وتسمي هذه العملية بال«التعتيق»، وبعدها يصبح جاهزا للاستخدام في صناعة الطعام خاصة القراصة والكسرة ويستعمل بكثرة في مناطق حلفا، والآن يصنع لقاعدة الافران البلدية عند النوبيين بشمال السوان. «المرحاكة» المرحاكة كانت من ضمن أهم أدوات المطبخ في السودان وتستخدم في طحن الذرة والبقوليات وتتكون الرحايا من حجر بيضاوي الشكل يبلغ طوله نصف المتر تقريبا ومن ملحقاتها أيضا حجر صغير يكون في حجم قبضتي راحتي اليدين ويتميز سطحها بانه أملس واختفت مع ظهور الطواحين الكهربائية وتحتفظ بها بعض البيوت كتراث قديم يوضح عظمة قدرات الإنسان السوداني. أشهر أسماء ارتبطت بالمطبخ السوداني من آنية الطعام المشهورة في السوان قديما قدح البادراب وهو منسوب الى الشيخ العبيد ود بدر مصنوع من خشب السنط، وايضا من الأواني هذه والمستخدمة في بيوت تحفيظ القرآن الكريم «الخلاوي» صحن الدبكر وهو مصنوع من خشب الحراز وهناك نوعان من هذا القدح الأصل في استخدامه لتناول الطعام وآخر مزين بالألوان ويستخدم في الحناء والجرتق السوداني وطقوس الجرتق في الزواج، ومن اشهر القداحة السودانية التي ارتبطت بالكرم قدح ود زايد زعيم قبيلة الضباينة نواحي القضارف وشرق البطانة وهو إناء ضخم من«اللقمة» مصنوعة من الذرة وملاح التقلية صباحا واثناء النهار ويملأ لبن ليلا، ايضا يقدم عليه كرامة اللحم او الذرة وفي مواسم الأعياد يملأ بلحم الابل، ايضا من اشهر الآنية المشهورة التي ارتبطت بالكرم والتميز في عصر سلطنة الفور ظهر ما يعرف بالميارم وهن نساء السلطان واحدثن ثورة في فنون طهي وتقديم وتزيين آنية الطعام في ذلك الوقت بأبعاد جمالية وشكلية فريدة. ومن هذه الآنية ما يعرف «بالمدنولة»، وهي أشبه بالعمود ومن خصائصها أنها تحفظ الطعام طازجاً لفترات طويلة دون أن يتلف. ثورة المعدن في الأواني المنزلية ومصادر دخولها للسودان يقال إن ثورة الأواني المعدنية كانت في بداية اربعينيات القرن المنصرم وهذا غير دقيق وكانت تسيطر أواني «الطلس» وهي من الحديد المطلي بطلاء ابيض اللون وكان واسع الاستخدام في المطبخ السوداني ومنه كوب للماء وصحون وأعمدة حمل الطعام لمسافات ابعد من المنزل ومنها النحاس، وكان عند الاسر الارستقراطية ومنها اجتاح الالمنيوم وسيطر حتى الآن وايضا يزاحمه الإستيل، واخيرا التيفال الذي لديه ميزات كثيرة في المظهر والجودة والصحة وكانت مصادر الأواني المستخدمة تركيا وغرب افريقيا والصين وإثيوبيا ومصر الريف وغيرها من المصادر، وأيضا يرجع الفضل للأقباط في استجلاب أواني المطبخ كما ايضا لهم الفضل في استجلاب انواع جديدة في نوعية الطعام منها الأسماك المحفوظة والمخللات وغيرها.