فى هذه الحلقة العاشرة والأخيرة أناقش على وجه الاجمال لا التفصيل بعض ما جاء فى الحلقة الثانية للكاتب بابكر فيصل عن الديمقراطية والعلمانية فقد جاء فى اخر الحلقة الاولى «قول الشيخ عبد الحي أنَّ هناك نظاماً إسلامياً هو «أعدل الأنظمة وأوسطها» قولاً مُجافياً لحقائق التاريخ ووقائعه فهذا النظام الذي يتحدث عنهُ غير موجود الآن ولم يوجد طيلة التاريخ الإسلامي. ثمَّ إنَّ الشيخ يقعُ في خطأ منهجىٍ حين لا يُفرِّق بين وسيلة اختيار الحاكم وبين نظام الحُكم. فمثلما أثبتنا أنهُ لا يوجد أسلوبٌ إسلاميٌ معينٌ لاختيار الحاكم فإنهُ لا يُوجد كذلك نظامٌ إسلاميٌ يُحِّدد سلطات الحاكم وصلاحياته وآلية اتخاذ القرار في الدولة والفترة الزمنيِّة التي يبقى فيها الحاكم على سُدَّة الحكم وغير ذلك من الأمور التي يجب توافرها في أنظمة الحكم». فى هذه العبارات تخليط عظيم وبيانه على النحو التالي: 1/ قوله ان نظام الحكم فى الإسلام لم يقم من قبل ولم يوجد فى التاريخ مخالف لقوله عليه الصلاة والسلام الذى ذكرته فى الحلقة التاسعة «تكون خلافة على منهاج النبوة ثلاثون عامًا» لكننى اوافق الكاتب فى انه انقطع بعد ذلك ولحقت به تشوهات وهو ما نص عليه الحديث نفسه «ثم يكون ملكًا عضوضًا ثم يكون ملكًا جبريًا» فإن اول ما نقضته الامة من عرى الاسلام هو عروة الحكم، إلا ان نظام الحكم فى الاسلام قام من قبل وسيقوم من بعد عندما تعالج الامة التشوهات الفكرية التى لحقت بها وعلى رأسها العلمانية، وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن ذلك كائن لا محالة فى آخر الحديث المذكور اذ يختمه بقوله «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة». 2/ ان نظام الشورى هو اعدل الانظمة لانه يجعل وظيفة الحاكم التنفيذ فقط لا التشريع ولذلك هو اكثر نظام يتميز بالاستقرار الدستورى لا يخشى الناس من أغلبية تسيطر على البرلمان فتقوم بتعديل القوانين والنظم على النحو الذى يحقق مصالحها. 3/ ما زالت المغالطات مستمرة حين نقول ليس هنالك آلية لاتخاذ القرار وليس هنالك اجراءات محددة والامر كما حدث مرة معي فى حوار مع جمال البنا إذ قال ليس هنالك دولة فى الاسلام قلت لماذا؟! قال لأن ما يعرف بدولة المدينة لم يكن لديها جيش نظامى!! قلت وكذلك اليابان الى وقت قريب لم يكن لديها جيش!! ، هذا تسطيح مثير للاشمئزاز واخشى ان يأتى علينا زمان يقال ليس فى الاسلام دولة لأن دولة المدينة ليس لديها اقمار صناعية وطاقة نووية والدولة يشترط لها ذلك.. الدولة ايها العلمانيون ارض وشعب ونظام على حسب تعريف كتب السياسة المعاصرة سواء كان هذا النظام كهنوتيًا او ملكيًا او بوليسيًا او ثيوغراطيًا او ديمقراطيًا او شوريًا فلا يمكننا ان ننفى ان هذه دول وانظمة فالافضل ان نقول هذا نظام لكنه نظام لا نقبله اما ان ننفى انه نظام فهذه مغالطة لحقائق الواقع فاللانظام نفسه نظام!! وكنت قد ذكرت فى الحلقة الثانية انه لا يوجد احد من الخلق بلا دين وبلا نظام وان الاسلام لا يعرف قومًا اسمهم اللادينيين اذ الهوى نفسه إله واتباعه يعتبر ديناً ونحن كنا موضوعيين عندما قلنا الديمقراطية والعلمانية انظمة واديان لكنها اديان وانظمة باطلة ولم ننف كونها انظمة!!. 4/ ذكر الكاتب ان الاسلام لم يحدد صلاحيات الحاكم وسلطاته وهذا من اعظم الفرى فان الاسلام حين يجعل العلاقة بين الحاكم والامة مرتبطة ببيعة هو يحدد ثلاثة امور مهمة جدًا وهي: اولاً: البيعة تعنى ان يكون ذلك باختيار الامة ورضائها فلا تصح بيعة من مكره والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا والرجل حين يبايع امامًا قبل ان يؤتيه صفقة يمينه هو يعطيه ثمرة فؤاده هذه المعاني كلها تتضمنها كلمة بيعة لغة واصطلاحًا فانظر الى عظم المصطلحات السياسية الشرعية، لا تقل لكنها تاريخيًا لم تكن كذلك!!، ان لم تكن كذلك فهذا انحراف من الأمة وخطأ نصوبه ولا ندافع عنه. ثانيًا: البيعة تعنى وجوب طاعة الامة للإمام وحرمة الخروج عليه ووجوب النصح له ومناصرته وعونه والقتال معه إن هو اقام فيها الدين والكتاب والسنة «أي الدستور» ولم يحد عنه ولم ينكص «عليكم بالسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد حبشي يقودكم بكتاب الله» فانظر الى قيد «يقودكم بكتاب الله». ثالثًا: «لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق» انه نص دستورى فى تقييد صلاحيات الحاكم لا تجد افضل ولا اعظم ولا اضبط ولا اشمل منه فإن الدساتير الوضعية ان راحت تذكر قيدًا على صلاحيات الحاكم ذكرت اربعة او خمسة قيود يلعب عليها الحاكم ويذهب كهنته في تفسيرها مذاهب عدة حتى يفرغوا الدستور من محتواه أما المعصية فإن قدرًا كبيرًا منها يعلمه راعي الضأن فى الخلاء قبل ان يعرفه العلماء ويدركه صغار المسلمين من اطفال المدارس قبل ان يعلمها فقهاء الدستور، فإن هذا القدر فقط الذى يعلمه عامة الناس يجعل على الحاكم قيودًا هى أوضح بكثير من تلك القيود التى تضعها دساتير الارض ولا يفقهها الا الدستوريون واما الشعب الذى يحكمون باسمه لا فقه له بها!! ثم ذكر الكاتب تعريفًا خاصًا به للعلمانية «إنَّ الزعم بأنَّ العلمانيَّة تعني الفصل بين الدين والحياة هو كما يقول الدكتور عبد الله النعيم قول ضال ومُضلِّل وغير عملي. فحقيقة الأمر أنَّ الأخلاق المُستمَّدة من مصادر دينية هى أساس الحكم والقضاء والاقتصاد وباقي الأمور المتعلقة بالصالح العام. ولهذا فإنَّ الدين يتخلل جميع جوانب الحياة العامة للمجتمع.. ففي مختلف القضايا التي تواجه المجتمع من ضبط الإجهاض وحضانة الأطفال بعد الطلاق، إلى تنظيم التأمينات الصحية أو العقوبات والسياسات العقابية كلها أمور تحتاج للنظر الأخلاقي العميق الذي يمارسهُ أغلب المواطنين من خلال معتقداتهم الدينية، وهكذا فلا يُمكن للعلمانية إقصاء الدين عن الحياة العامة. «واعلق على هذا النقل بالقول: 1/ هذا الحديث يصلح قاعدة للحوار مع الكاتب الى ان يصبح اسلاميًا كامل الدسم اذ العلمانية عنده بمعنى فصل الدين عن الحياة تعتبر ضلالاً رائع جدًا والدين لا بد ان يدخل فى جميع جوانب الحياة وهذه اروع وضرب لتلك الجوانب امثلة ولم يقتصر على الاحوال الشخصية فحسب بل ذكر الحكم والاقتصاد والعقوبات كل ذلك يجب ان يدخل فيه الدين !! 2/ وفى هروب علماني خبرناه تأمل قوله «فحقيقة الأمر أنَّ الأخلاق المُستمَّدة من مصادر دينية هى أساس الحكم والقضاء والإقتصاد وباقي الأمور المتعلقة بالصالح العام» لنقصر الدين فى الأخلاق فقط ونهرب من الشريعة !! ما الفرق بين الأخلاق؟ والشرائع وهل قوله بأن الأخلاق المستمدة من مصادر دينية تدخل فى الحكم والاقتصاد قصر للأخلاق فقط ام كذلك تدخل الشرائع والقوانين والنظم المستمدة من مصادر دينية؟! وهنا ينقض الكاتب غزله على عادة العلمانيين الذين يحاولون استنساخ علمانية تتوافق مع واقعهم ولا يتبنون خطابًا معاديًا للدين لكنه متصالح مع اخلاقه فقط! فالدين عقائد وشرائع وشعائر واخلاق، والنبي عليه الصلاة والسلام عندما قال «انما بعثت لاتمم صالح الاخلاق» انما تممها بما شرعه من شرائع وبينه من شعائر وارشد اليه اتباعه من قوانين ومن لم يتبع تلك الشريعة فإنما يتبع هواه، واتباع الهوى هو اشد صور الفساد الأخلاقي انحرافًا قال رب العزة: «فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» «50» . [سورة القصص] وقال تعالى «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الجاثية: 18] . هذا آخر ما أردت تسجيله والحديث عن تشوهات العلمانية يطول ترقبوه بصورة تفصيلية فى كتاب بذات العنوان بإذن الله تعالى.