أوردت صحيفة «الإنتباهة» أمس خبراً عن مداولات المجلس التشريعي بولاية الخرطوم حول تقرير لجنة الصحة والتعليم المتعلق بأداء وزارة الصحة، والذي أوضح نقصاً في الكوادر الطبية وعدم التوزيع العادل للخدمات الصحية، فيما أكد النواب عدم وجود نقص في الكوادر وأن ما يحدث «كلام ناس دايرين يعملوا شغل سياسي». هكذا جاءت العبارة بالنص كما نقلتها المحررة هبة عبيد. ومن الواضح أن التعليق الأخير من بعض النواب أو أحدهم على الأقل يبدو مثيراً للدهشة، لأن اللجنة الصحية تتبع للبرلمان وهي لجنة متخصصة تعتمد على البيانات والأرقام والزيارات الميدانية، ولا تتبع للمعارضة ولا تنشر تقارير سياسية ولا تنقل شائعات الشارع أو أحاديث المنتديات الألكترونية، إذن كان على الذين انتقدوا التقرير أن يثبتوا أن معلوماتهم تحصلواعليها كفاحاً من المرافق الصحية وليس فقط من بيانات وزارة الصحة حتى يبدو انتقادهم لتقرير لجنة برلمانهم علمياً ومنهجياً بعيداً عن شبهة العاطفة السياسية، ولأن لجنة الصحة واثقة من تقريرها فقد دافعت عنه رئيسة اللجنة مثابة حاج حسن، حيث أكدت أن معلوماتها صحيحة وتحصلت عليها من وزارة الصحة التي ظلت اللجنة تصحبها في زيارتها المتعددة من أجل استكمال النقص، وقالت «نحن مسؤولون أمام الله»، وردت على استنكار النواب على عدد وفيات الأمهات التي أوردتها في التقرير وقالت «ما جبتها من رأسي»، وإذا كان بعض النواب انتقدوا التقرير وصنفه بعضهم في خانة السياسي، فإن بعضهم طالب بتكريم السيد وزير الصحة، إلا أن العضو د. عبد الملك البرير عضَّد تقرير اللجنة، وانتقد مطالبة النواب تكريم الوزير. فيما دافع الوزير عن إنجازاته ووصف كل الوقفات الاحتجاجية بأنها من «ناس زهجانين». ولا شك أن فكرة تكريم النواب للوزراء والدفاع المستميت عن أدائهم إلى حد نقدهم لتقارير لجان البرلمان يعتبر سابقة ربما تكون الأولى في العمل البرلماني. ففي الدول القابضة سيما في عهد الرئيس الأسد الأب وصدام حسين وجمال عبد الناصر وحسني مبارك فإن التصفيق للوزراء واعتبار كل خطابات الحكومة وثيقة تستحق أن يهتم بها البرلمان ويثني عليها ولا ينبغي له أن يعترض عليها، بل عليه أن يهتف ويصفق في النهاية، وهو سلوك يتواءم مع تلك الأنظمة التي تعتبر البرلمان مجرد ديكور للبصم على القرارات المعدة مسبقاً، وبما أن حالنا أفضل من تلك الدول فإننا نربأ ببرلماناتنا أن تتحول إلى تكريس السياسات الحكومية وإن جانبها الصواب. وإذا كان عدد من نواب البرلمان الأب «المجلس التشريعي القومي» قد صفقوا ذات يوم لزيادات رفع الدعم، فإن البرلمان الابن ممثل في عدد من نوابه ربما رأى أن تأييد الجهاز التنفيذي لا يكفي، بل عليه أن يُشكك حتى في تقارير لجانه البرلمانية إذا مست تلك السياسة، كما أن التصفيق لا يكفي بل من الأفضل أن يوصي البرلمان رئاسة الجمهورية بتكريم الوزراء بعد أن يشيد بتقاريرهم. ومن يدري فإذا نفذت التوصية لعله يحتفل حينئذ داخل البرلمان باعتبار أن اقتراحهم قد نفذته الدولة وهو ما يعتبر إنجازاً لهم، ونحن بدورنا عندئذ سنقترح تكوين لجان دائمة لتكريم الوزراء داخل البرلمانات بعد الإدلاء ببياناتهم وسنقترح ضم خبراء تكريم متخصصين في الوزارات والمؤسسات والمحليات، كما سنقترح التعاقد مع أصحاب حلاقيم كبيرة لزوم الهتاف الحار .