بالعودة لما أشرنا إليه أمس بشأن ما ورد في الكتاب الذي صدر عن هيئة الأعمال الفكرية في الخرطوم بمناسبة انعقاد المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية السودانية في أواخر العام 2012، وهو الكتاب الذي اشتمل على خلاصات بحوث شتى كتبها الباحث الأكاديمي السوداني المتميز البروفيسور محمد الحسن بريمة تحت عنوان «رؤية القرآن للعالم ودلالتها على أولويات المشروع الإسلامي في السودان». فقد ذكر مؤلف الكتاب المشار إليه بشأن «الدين والواقع الاجتماعي» أن حقيقة الدين في الواقع حيث الزمان والمكان هي التفاعل بين المتغيرات السبعة المتمثلة في الإيمان، المتاع الدنيوي، النفس، العلم، الهوى، المال والبنون، وهي المتغيرات المنتجة للظاهرة الاجتماعية ومآلاتها من حيث حفظ ميزان التفاعل على الصراط المستقيم، أو الانحراف بها نحو سبل أخرى. ولذلك يضيف المؤلف، فإن حفظ الدين على الدوام كأولوية في مقاصد الشريعة ما هو إلاّ حفظ لهذا التفاعل على مستوى الفرد والمجتمع ليكون على صراط الله المستقيم، أما الميزان الذي أنزله الله تعالى ليحفظ به الناس هذا التفاعل على صراط الله المستقيم على الدوام، فيتلخص في قوله تعالى في سورة النحل: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون». ويضيف المؤلف أنه من المهم أن نعلم أن هذا التفاعل الاجتماعي هو التفاعل الأعظم خطراً والأجل أثراً على الأرض، ولا يدانيه في ذلك أي تفاعل فيزيائي أو كيميائي أو حيوي، لأنه يمكن أن ينتج هو جميع هذه التفاعلات بينما لا تنتجه أي منها، وكذلك يمكنه أن يعمر الأرض بالصلاح، كما يمكنه أن يهلك الحرث والنسل. وقد أشار القرآن إلى عظيم خطر التفاعل الاجتماعي في عدد من الآيات ومنها قوله سبحانه وتعالى في سورة فاطر: «ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة». وقوله تعالى في سورة الأعراف «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون». وقوله في سورة المؤمنون«ولو اتبع الحق أهواهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن». ويشير المؤلف إلى أنه يترتب على ذلك أن يعطى المشروع الإسلامي في السودان أولوية قصوى لتحكيم ميزان الله أعلاه في هذا التفاعل الاجتماعي الخطير كما يتجلى في الزمان والمكان. فلا بد في الواقع السوداني الحالي من دراسة علمية تطبيقية دقيقة ومستفيضة لتجليات هذا التفاعل ولمتغيراته، ومدى قربه أو بعده عن صراط الله المستقيم. وتتكامل في مثل هذه الدراسة جميع التخصصات العلمية المتاحة في إطار موجهات منهجية توحيدية للبحث تستلهم فقه الأولويات المقاصدي، ثم تضع الإستراتيجيات والخطط والسياسات التي تنتقل بهذا التفاعل تدرجاً في الزمان والمكان نحو توازنها الرشيد المستقر والمستدام. ويضيف المؤلف أن الواقع الاجتماعي السوداني الذي يمور بالصراعات من كل نوع لأكثر من نصف قرن يدل على أن هناك اختلالاً مزمناً في الميزان الاجتماعي الذي أمرنا الله تعالى أنه نقيمه بالقسط ولا نخسره. وبناء على هذا فلا بد من طرح أسئلة من قبيل: كيف تقيم الدولة والمجتمع السوداني الوزن بالقسط في المجال المالي بحيث يتحقق ميزان الله تعالى كما جاء في سورة النحل على النحو المشار إليه أعلاه. وتشمل الإجابة هنا جميع القضايا المتعلقة بالموارد الطبيعية والبيئة الداعمة لها من حيث الإصلاح والفساد في الاستخدام، وأيضاً تشمل الإجابة جميع القضايا التي يثيرها علم الاقتصاد فيما يتعلق بالإنتاج وتخصيص الموارد وقضايا توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع بالعدل والإحسان في ذلك وقضايا الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق والاستثمار والإنفاق الخيري في إقامة الوزن بالقسط فيها ليتحقق من جميع تلك الإجابات معنى الإنفاق في سبيل الله باعتباره حقيقة الشكر لله في مجال المال. ويتكرر نفس السؤال لنصل إلى نفس الإجابات في القضايا الحيوية في باقي المجالات الإستراتيجية التربوية والمعرفية والاجتماعية والسياسية.. ألخ.