ربما ينشغل الكثيرون بما يطفو على صفحات الصحف السودانية، من مهددات للأمن الاجتماعي مثل انتشار المخدرات والفساد المالي والأخلاقي، وفي غمرة هذه المشاغل يتغافل المجتمع عن التطرف والإرهاب الفكري الذي بدأ يتمدد في جسم هذه الأمة، كتمدد النار في الهشيم والذي بدأت ظواهره خلال العقدين الماضيين مثل التعدي بالسلاح على مسجد الجرافة، وقتل المصلين وحادثة الخليفي ثم قتل الدبلوماسي الأمريكي ثم حرق المعارض، بل وصل الأمر إلى مصادرة كتب علماء السنة التي تهاجم تطرف وسذاجة وجهل التيار السلفي الوهابي، الذي خرجت من عباءته كل هذه الحركات التفجيرية الإرهابية المتطرفة. أذكر هنا مظهراً من مظاهر الإرهاب الفكري الذي فرضه التيار الوهابي في السودان حتى على شخصيات جليلة وراسخة في العلم في الساحة السودانية مثل رئيس هيئة علماء السودان البروفسير محمد عثمان صالح، الذي يعتبر من الناشطين في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الذي مقر رئاسته طهران، وهذا المجمع التقريبي يضم خيرة علماء السنة «عدا السرطان الوهابي» فكان من قادة التقريب بين المذاهب الإسلامية الإمام يوسف القرضاوي الذي لم يفتِ في يوم من الأيام بتكفير الشيعة، وإنما اختلف معهم بحجة أنهم يتمددون في الفضاء السني وهذا ما يرفضه.. أما قصة الإرهاب الذي يمارسه جهلاء الوهابية الذين تغلغلوا في المساجد ومؤسسات المجتمع بصورة تدعو للمراجعة، فشاهدنا هو هذه الواقعة - وأنا شاهد عليها -.. أنه قد تم الاتفاق بين رابطة الثقافة الإسلامية والعلاقات الدولية بطهران، والتي تمثلها المستشارية الثقافية الإيرانية بالسودان على قيام ندوة فكرية بالخرطوم، بين هيئة علماء السودان والمستشارية الثقافية الإيرانية بالسودان تحت عنوان: « منهج الفقهاء في ترسيخ وحدة الأمة الإسلامية»، المكان: فندق قراند هوليداي فيلا بتاريخ السبت 11 /مايو/ 2013م. وقد قامت تلك الندوة بالفعل، وشارك من الجمهورية الإيرانية رئيس بعثة الحج الإيرانية آية الله السيد قاضي عسكر، وعضو البرلمان الإيراني الدكتور ناصر سوداني والشيخ الشهيد إبراهيم الأنصاري مسؤول العالم العربي وأفريقيا، برابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية والدكتور زمان حسيني أمين العلاقات الخارجية بالرابطة علاوة على سفير الجمهورية الإيرانية، والأستاذ محمد هادي التسخيري المستشار الثقافي الإيرانيبالخرطوم، بينما ترأس وفد السودان في تلك الندوة العلامة البروفسير محمد عثمان صالح وكوكبة من هيئة علماء السودان البارزين، من بينهم الدكتور محمد البشير عبد الهادي.. بالطبع لم يكن من بين هيئة علماء السودان الجهل النشط سعد أحمد سعد، لأنه لا مكان له بين العلماء والمفكرين فهو لا يعدو أن يكون مهرجاً من الدرجة الأولى.. كما مثّل الحركة الإسلامية في تلك الندوة المهندس خالد حسن إبراهيم والمهندس عماد الدين حسين، كما شارك وفد من هيئة شؤون الأنصار بقيادة إمام مسجد السيد عبد الرحمن ورئيس منتدى الوسطية الشيخ عبدالمحمود أبو، ومن أساتذة الجامعات والعلماء شارك الدكتور النعمان محمد صالح والشيخ جلال الدين المراد والأستاذ الفاتح مختار، ومن الطرق الصوفية شارك الشيخ علي هاشم السراج، كما شارك شخصي الضعيف، ولفيف من العلماء والمفكرين. هذا الخبر ربما يقع موقع الصاعقة على مهووسي الوهابية وسعد واحد منهم إذ كيف ينعقد هذا المؤتمر دون علمهم؟؟ وأقول لهم: ودون علم أجهزة الإعلام المحلية والعالمية من صحافة وفضائيات رغم كثرتها في الخرطوم«!!»، والسبب في ذلك هو حالة الإرهاب الفكري وأجواء التشنج والتوتر والتكفيرالتي أشاعها الهوس الوهابي ضد كل من يخالفهم الرأي، وما مقالات المهووس سعد عن القارئ ببعيدة.. لم يجرؤ السيد رئيس هيئة علماء السودان، وهو عالم مجاهد شهده الجميع في مناطق العمليات وقدم الشهداء من أسرته، لم يجرؤ على الإعلان عن هذه الندوة في الصحافة وأن يدعو الفضائيات والصحافة ووكالات الأنباء لبث هذه الندوة المهمة والتعليق عليها.. بالطبع هذا ليس جبناً منه ولكنه آثر وهو العالم أن يبتعد عن الخوض في طواحين الهواء مع جهلة الوهابية والساقطين على موائدهم، الذين لن يترددوا في تكفيره واتهامه بكل قبيح وفق المخطط الأمريكي في قتل شخصيات الدعاة كما يفعلون معي.. فكل من يدعو للوحدة والتقريب فهو شيعي رافضي يسب الصحابة وأمهات المؤمنين ولا يؤمن بالقرآن، وإنما مصحف فاطمة وأن هاديه هو الكليني والمجلسي وهذه الأسطوانة المشروخة التي أضحت تضرسنا.. كانت ندوة هيئة علماء السودان رغم أهميتها لكنها ولدت يتيمة وكأنها في دار الأرقم بن الأرقم حيث الدعوة السرية في مكة .. أو كأنها اجتماع للجبهة الثورية في كاودا!! رغم حضور ومشاركة كل هؤلاء .. رئيس هيئة علماء السودان.. هيئة شؤون الأنصار..الحركة الإسلامية..أساتذة الجامعة يتم تغييب الإعلام خوفاً من ردة فعل الهوس الوهابي الجاهل.ألا يدعو ذلك لمراجعة سلوك هذه الجماعة التي أضحت مهدداً خطيراً لأمن المجتمع. أما قصة مصادرة كتب الخصوم فقد وصل الأمر بمهووسي الوهابية أن يقوموا بمصادرة كتاب الشيخ محمد الغزالي «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» الذي ينتقد فيه السلوك الساذج لجهلة الوهابية ويبين جهلهم الفظيع، حيث أفاد أحد العاملين في كبرى دور بيع الكتب السودانية التي تنتشر في أرففها كل كتب الغزالي عدا هذا الكتاب، بأن مجموعات الوهابية يقومون بشراء كل الكمية الموجودة في الأرفف من هذا الكتاب بالذات حتى لا تصل إلى القراء.. ثم أضاف ليس كتاب محمد الغزالي وحده بل حتى كتاب الشيخ رمضان البوطي بعنوان: « السلفية مرحلة زمنية مباركة وليست مذهب» قامت مجموعة من السلفيين بشراء كل المعروض من هذا الكتاب. وكذلك فعلت دور نشرهم في القاهرة حيث قامت بإعادة طبع كتاب حجة الإسلام الغزالي «إحياء علوم الدين» بعد أن حذفت منه فقرات مهمة لا تتسق مع المنهج الوهابي، الذي يسعى لتجريد كتب التراث من كل الجوانب الوجدانية العرفانية ولك أن تراجع طبعات «الصفا». أما الوجه الآخر من وجوه الإرهاب الفكري هو ما يتم بتمويل أجنبي سخي بهدف ضرب أي مسعى للوحدة الإسلامية، والتقارب بين السنة والشيعة بحجج واهية حيث يصرون على محاكمة الحاضر بمكتوبات الماضي، ويكفرون مئات الملايين من الشيعة لأن واحداً من علمائهم اسمه الكليني قام بجمع الكثير من الأخبار كشأن الإخباريين بعضها صحيح ومعظمها باطل، كما أشار علماء الشيعة أنفسهم ومنهم الشيخ التسخيري والشيخ محمد جواد مغنية وغيرهم لكنهم لا يلتفتون لهذه الآراء النيرة التقريبية. فجهلة الوهابية منذ أن وضع أساس دعوتهم الجاسوس البريطاني جفري هنفر، همهم الوحيد ضرب الوحدة الإسلامية ليس بين السنة والشيعة بل الرقص على جثث الأخوان المسلمين في مصر، كما يفعل حزب النور الوهابي السلفي.. هم لا يحسنون الظن بالآخر رغم أن حسن الظن من الدين فإذا دافعت عن الوحدة والتقريب فأنت رافضي بغيض، وإذا سافرت إلى إيران أو حضرت أي منشط تقيمه المستشارية الثقافية فأنت شيعي وإذا وضعت صورة الخميني في منزلك فأنت شيعي، ولا أدري ماذا يقولون إذا قمت بوضع صور مانديلا وكاسترو وجيفارا ونيكروما وباتريس لوممبا على حائط منزلك، أكيد سوقة الوهابية لم يسمعوا بمعظم هذه الأسماء وعندما يعرفونها ستكون الفتوى التكفيرية جاهزة يصدرها معهد الهوس الديني بجبرة. نقطة نظام: أخيراً ظهر الطيب مصطفى على الخط.. وحزنت لذلك ليس لأني أكن له كل احترام وتقدير ولكن بسبب أن مثله لا يحتطب ليلاً ولا يأخذ معلوماته من اليوتيوب.. ثم إن مثله لا يحكم على مائة مليون بالإعدام لأن أحد أفراد الحرس قال له: « إنني أكره العرب!!».. فمثلك لا يركب موجة الهوس الوهابي وينزل لمستوى سعد أحمد سعد.. وأما تهجمك الظالم عليَّ فأنا يا أخي الحبيب قرأت تاريخ كل الفرق الإسلامية والتاريخ الإسلامي خاصة في القرن الأول، وألفت فيه كتاباً بعنوان: «الدولة الإسلامية الأولى: العوامل الاجتماعية والدينية وراء الصراع المسلح» درست فيه نشأة الفرق وتاريخها والحروب وأسبابها، وكذلك أصدرت كتابي « تطور الفكر الإسلامي منذ عهد الأشعري» الذي أدعوك لقراءته فأنت خير من سعد لأن سعد مضطرب نفسياً إذا قرأ لا يفهم.. ثم أدعوك للتعليق عليه، وقد دافعت فيه عن الصحابة دفاعاً لم يفعله الكثير من العلماء وقد قدمت فيه نقداً قوياً لكتاب الكافي للكليني وبحار الأنوار للمجلسي وغيرها من الكتب التي تسيئ لصحابة الرسول أو تفسر مواقفهم تفسيراً خاطئاً، فادعوك لقراءته ثانياً ثم التعليق عليه ولا أدعوك للاعتذار لأن مثلك لا يعتذر. ثم أدعوك لقراءة كتابي «على خطى التقريب والوحدة الإسلامية» وكلها موجودة بالدار السودانية.. أما قصة أبولؤلؤة الفارسي وقصة ضريحه الذي يطوفون حوله فهذا كان في الماضي، وبفضل مجهودات التقريبيين أمثالنا تم إغلاق هذا الضريح منذ أكثر من عشر سنوات، بل تم تحويله لمركز شرطة أمن المجتمع ويشهد الله أنني كنت مثلك ولم أصدق رواية إغلاقه حتى قمت أثناء تحضيري لكتابي «تطور الفكر الإسلامي» بزيارة مدينة كاشان السياحية، حيث يوجد هذا الضريح وقد رأيت بعيني أنه قد أغلق ورفعت فيه لافتة شرطة أمن المجتمع ولم يعد ضمن الدليل السياحي.. فهذه واحدة من بركات التقريب ومساعي الوحدة الإسلامية وتنقية التراث مما لحق به من روايات الفتنة الموضوعة.. أما فضائية «فدك» والتي يظهر فيها ياسر الحبيب وتسب الصحابة هذه تبث من الريف البريطاني وترعاها المخابرات البريطانية ومثلك لا تفوته مثل هذه المؤامرات وفضائية «المهدي» ترعاها المخابرات الأمريكية. في حلقة الخميس إن مد الله في الآجال أتحدث عن مجهودات علماء الإسلام أمثال الشيخ الشهيد حسن البنا وشيخ الأزهر محمود شلتوت في التقريب بين المذاهب الإسلامية.