أثناء الحرب العالمية الثانية كانت أمريكا تفكر في وراثة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، لذلك كانت تتباطأ في المشاركة في الحرب، كما أنها كانت ترمي فيما وراء ذلك إلى إضعاف الاتحاد السوفيتي الذي ظهر كقوة جديدة على العالم آنذاك!! تم احتلال فرنسا بالكامل وأمريكا تنظر، وتم دك مدن بأكملها في إنجلتراوأمريكا لم تحرك ساكناً، وكانت ترسل المواد الغذائية والأسلحة والمعدات وتتقاضى من أوربا الثمن ذهباً، وكانت السفن تفرغ شحناتها وترجع إلى أمريكا محملة بالذهب، وحين نفذ الذهب تقاضت أمريكا الثمن مقابل اللوحات الفنية التي لا تقدر بثمن لعظام الرسامين الأوروبيين والمجوهرات النفيسة التي غصت بها المتاحف الأوروبية!! انتصارات الاتحاد السوفيتي هي التي دفعت أمريكا بالإسراع في المشاركة في الحرب خوفاً من سيطرة الاتحاد السوفيتي على الأمور في أوروبا. وقد استغلت أمريكا أوضاع أوربا الاقتصادية السيئة بعد الحرب فانفقت جزءاً يسيراً من الأموال التي أخذتها من أوروبا تحت مسمى مشروع مارشال لإعادة بناء أوروبا الغربية! وبعد الحرب تحقق لأمريكا ما كانت تخطط له فورثت الإمبراطوريتين اللتين كانتا تسيطران على العالم قبل الحرب وأصبحتا بريطانياوفرنسا تحت سيطرة الولاياتالمتحدة الكاملة!! بعد سقوط الاتحاد السوفيتي كانت أمريكا تخطط لوراثته أيضاً، وقد نجحت لحد ما في استقطاب بعض دول المعسكر الشرقي، ولكنها لم تضع في ذهنها مبدأ مساندتها كما فعلت مع أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، فدول المعسكر الشرقي في غالبيتها دول فقيرة ليست لها من الثروات ما كان لدى دول أوروبا أثناء الحرب لتأخذها أمريكا وتعيد الكرة من جديد بمشروع مارشال جديد خاص بالمعسكر الشرقي لأوروبا!! هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مجموعة الدول الأوروبية تمانع في إشراك كثير من دول المعسكر الشرقي ضمن المجموعة بما في ذلك أكرانيا وجورجيا، ففي أوروبا الغربية ما يكفيها من مشكلات اقتصادية كاليونان وقبرص والبرتغال وأسبانيا وإيطاليا وغيرها، فأوروبا فيها ما يكفيها!! ومخطط أمريكا اليوم بعد نجاحها المحدود في وراثة المعسكر الشرقي تخطط الآن لوراثة ذات الاتحاد السوفيتي ورأس الرمح في هذا المخطط هو أكرانيا وجورجيا، ولماذا أكرانيا وجورجيا بالذات؟! فالأحداث في أكرانيا تهم روسيا بالدرجة الأولى حيث يشكل الناطقون باللغة الروسية نسبة عالية من السكان في جنوب وشرق أكرانيا، وهؤلاء لا يمكن لروسيا التخلي عنهم، لأن تخليها عنهم سوف يحدث اضطراباً داخل روسيا ذاتها، والموقف الروسي تجاه الأزمة الأكرانية كان موقفاً سليماً وعاقلاً وقوياً وضع الرئيس بوتن موضع احترام الشعب الروسي الذي التف حول رئيسه حتى المعارضين له كان موضع تأييدهم واحترامهم! ولماذا جورجيا..؟ جورجيا من أهم المناطق التي يمكن أن تشعل منطقة القوقاز التي يمكن أن تحدث ضرراً كبيراً بروسيا حيث أن المنطقة بطبيعتها الجبلية تمثل مسرحاً صالحاً لعمليات المنظمات الإرهابية خاصة وأن المنطقة غير بعيدة عن مناطق النزاع في آسيا كمناطق الأكراد في تركيا والعراق وإيران، وكذلك أفغانستان ففي تلك المناطق من السهولة بمكان الحصول على السلاح والمخدرات التي سمحت أمريكا بزراعتها في أفغانستان بعد أن منعتها طالبان، وزراعة المخدرات التي يمكن بسهولة أن تتسرب إلى روسيا لتدمير الشباب الروسي!! وكما ذكرت فإن أمريكا لن تستطيع فعل ما فعلته في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية من إعمار جزء يسير مما سلبته من أوروبا بمشروع مارشال، فهي تخفي مخططها التخريبي في أكرانيا، وكما ذكر الرئيس بوتن أن أمريكا تبحث عن المذنب في أكرانيا ولا تبحث عن حل للأزمة فيها!! وهذا هو مبدأ إدارة الأزمة الذي تحدثت عنه في مقال سابق بعد زيارات متعددة لمسؤولين أمريكان وأروربيين أخذت الأوضاع تتأزم في كييف وكل أكرانيا، نائب الرئيس الأمريكي قدم للانقلابيين في كييف خمسين مليون دولار في حين أن أكرانيا تحتاج في الوقت الحالي إلى ما يزيد عن 17 مليار دولار وعد بها صندوق النقد الدولي، وبعد اشتعال الأوضاع في جنوب وشرق أكرانيا اشترط صندوق النقد بسط كييف نفوذها على تلك المناطق وهي المناطق المنتجة للفحم الحجري والحديد والمعادن الأخرى، وهذه الموارد تمثل ضمانة للقروض! هذا يعني فيما يعني ضوءاً أخضر للانقلابيين في كييف لاستخدام القوة ضد المواطنين في تلك المناطق وهذا يعني أن صندوق النقد الدولي الذي يأتمر بأمر أمريكا يحرص على نشوب حرب أهلية في أكرانيا، ورغم كل هذا تبحث أمريكا عن المذنب في الأزمة الأكرانية!! والمذنب في الأزمة يتهم روسيا ويفرض عليها العقوبات، على الرغم من أن آخر ما تتمناه روسيا هو توتر الأوضاع في أكرانيا، لأن أكبر المتضررين بعد أكرانيا هو روسيا، وكما ذكرت في بداية المقال أن مخطط أمريكا هو وراثة الاتحاد السوفيتي بعد أن ورثت الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية، بالرغم من أن وضع أوروبا تغيَّر كثيراً منذ ذلك الوقت، واليوم المانيا بدأت تشق عصا الطاعة حفاظاً على مصالحها، وأوربا الشرقية والجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي دول فقيرة وأمريكا تعيش أزمة مالية معقدة لا تستطيع سداد ديونها الحكومية التي بلغت أكثر من ضعف ناتجها القومي، وتظن أنها ببضع دولارات تضعها في جيوب المتعصبين والنازيين الجدد تستطيع أن تخضع روسيا التي اجتازت أخطر مراحل الوجود بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهضت من جديد قوة عالمية تنادي بالسلام والأمن العالمي في كل أرجاء المعمورة!! وحتى الآن فشلت كل المخططات الأمريكية تجاه روسيا فبعد أزمة القرم التي كانت ترمي إلى شلل الأسطول الروسي بحرمانه من البحر الدافئ الوحيد الذي يربض فيه أجرى سكان القرم استفتاءً حضارياً وديمقراطياً شهد العالم بنزاهته وانضمت القرم إلى روسيا وحقيقة عاد القرم إلى أصحابه!! إن الذي يدور في أكرانيا المتضرر الأول منه هو ذات أكرانيا ومن بعدها غرب أوروبا التي تعتمد على طاقتها القادمة من روسيا عبر أكرانيا!! والأحداث التاريخية والمعاصرة أثبتت وتثبت أن روسيا قادرة على تجاوز الأزمات مهما كانت معقدة وخطيرة، فالنازي بلغ مشارف موسكو ولينجراد ولكنه دُحر وواصل الجيش الأحمر الزحف حتى مبنى الرايخ في برلين، ومن قبل نال نابليون ذات الهزيمة، وبعد تسعينيات القرن الماضي مرت روسيا بأخطر مرحلة في تاريخها لو مرت بها أقوى الدول لتمزقت ولكن روسيا عادت من جديد لتعيد التوازن وتضع حداً للقطبية الأحادية التي عانى منها العالم في أمنه واستقراره!!