منذ الثالثة بعد ظهر اليوم من المنتظر أن يتجه السباكون والخضرجية والنقلتية والسماسرة أصحاب العمم والطواقي والحدادين والنجارين وناس التلاتة ورقات وبائعو الماء في حارة السقائين إلى استاد الخرطوم، بعضهم يحملون أعلاماً وشعارات كل من الفريقين، بينما يكتفي البعض بالتسالي أو شراء قصب السكر إذا كان موجوداً الذي يحول الاستاد إلى زريبة خرفان ينقصها الروث «وباع.. باع». ومن المتوقع أن يلج الأستاد قليل من الصفوة المتعلمة والمثقفة كالأطباء والمحامين والمهندسين والصحافيين، لكنهم جميعاً سيهتفون مع الفارق بالطبع في طبيعة الهتاف واتساقه واختلافه مع لغة برندات الأسواق الشعبية والأحياء الجوانية التي ترفع شعار «كان راجل تعال الساعة إتناشر»، لكن مع ذلك سيلتقون جميعاً في الصراخ، والفاصل فقط سيكون لأصحاب الحلاقيم المعتبرة، وهو ما قد تتفوق فيه النخبة المتعلمة بحكم الترطيبة. وستختفي ثمة أحزان بعد النتيجة أو دموع كانت قريبة من الانحدار، وسيزداد الإحباط لدى جمهور الفريق المهزوم، وسينعكس كل ذلك على باحة المنزل والأولاد وأم العيال التي ربما تكون ضحية إحباط السيد بعلها أو سعيدة بفرحه المؤقت. وفي الصباح سيسعد باعة الصحف، لكن قبلهم سيفرح أصحاب الصحف أنفسهم، بينما سيقاطعها جمهور الفريق المهزوم. وعند الهزيمة ستعلق عدة شماعات ستشمل المدرب المهزوم ومجلس الإدراة واللاعبين والحكم والاتحاد العام، وسيكون الإعلام أول من يرفع أعمدة الشماعات، وسيشارك الجمهور في رفعها منذ خروجه من الملعب وهو داخل حافلات أمبدة والكلاكلة وكرور والثورات ومايو ومانديلا بشقيها الأم درماني والخرطومي. وأبو سفة المشهور بنقاشه الحاد سيحتاج إذا كان مهزوماً إلى كيسين من أبو عماري سعة جلكوز، وإلى كيس من الحجم العادي في حالة الانتصار، وعند انفعاله سيصرخ فيه حاج عثمان «يا أبو سفة كدي براحة ما تبلع سفتك الكبيرة دي» كما ستكون هناك شماعة أخرى طريفة وهي شماعة الأناطين، فقد تكون حقيقة فعلاً من عدة أطراف، وليس بالضرورة أن يكون طرفها مجلس الإدراة، فمنذ الستينيات ظل الأناطين يحتلون مكاناً مقدراً سواء أكان لدى بعض الأقطاب في الأندية أو إداريين أحياناً أو حتى من قبل جمهور متطرف ومتعطش للنصر بأي ثمن، وفي الغالب يطلب الأنطون اللعب في يوم محدد يكون مخالفاً ليوم المسلمين كالسبت أو الأحد اللذين يرتبطان باليهود والنصارى. وعرفت مناطق معينة في السودان بأنها الأكثر رواجاً لسوق الأناطين، أما طلباً للنصر أو «لتكجير» لاعب مؤثر حتى تتحول تهديفاته من المرمى إلى الكشافة مباشرة، وقد يتحول إلى الكنبة ومن ثم تطوله مقصلة الشطب أو الإعارة إذا كان محظوظاً. والأنطون أنواع منها أبو لمبة وأبو كديستين سود وأبو كسيح، والأخير يراهن على الشلل النصفي ثم الرباعي، وأخطرهم أبو سحلية فهو يطلب من الزبون المضطر أن يقلي في الطوة سحلية، بينما يفترض أن تصاب الضحية بالحمى الملتهبة التي تسري في كل أنحاء جسمها حتى الموت إذا قدر الله. وفي ظل هذه الحمى الكهنوتية الكافرة يلجأ بعض اللاعبين إلى بعض الشيوخ الدجالين أو السحرة المتمسحين بالدين، ثم يعطونهم تميمة لدفع الضرر عنهم، فيقوم اللاعب بوضعها في شنكار اليد أو القدم، ولكنها تعجز دائماً عن أداء دورها أو تنجح لفترة مؤقتة، وهو ما يغري اللاعب باللجوء مرة أخرى للأنطون الذي عادة ما يضاعف هذه المرة أتعابه. أخيراً نريدها مباراة خالية من الأناطين، ويدخل اللاعبون الملعب وهم يسمون الله ويستعيذون من الشيطان الرجيم ومن شر النفاثات في العقد، بينما يطرحون كل ما في داخل «شنكاراتهم» من حصى وودع وطلاسم شيطانية على الأرض، ثم يصلى الفريقان صلاة العشاء جماعة، فالصلاة لا تعرف الألوان السياسية والرياضية، وعلى اللاعبين أيضاً أن يقرأوا آية الكرسي قبل دخولهم الملعب وعند الدخول في الشوط الثاني، «وبعد داك شفوا الفرق». ويا ناس الأقطاب والإداريين واللاعبين في كل الفرق هل تستحق كرة القدم أن نشرك بالله ونكفر به من أجلها؟ ويا أيها الأناطين امتنعوا عن الملعب ووقتها ستبدو الأقدام خفيفة بعد البسملة وترك الأفعال الشركية، وسيختفي التهديف نحو الكشافات وستقل الإصابات بإذن الله، وستأتي القنوات العربية التي امتنعت عن شراء دورينا، ومن ناحية أخرى سيصبح الأنطون حزيناً لأنه فقد حزمة محترمة من البنكنوت.