ظلت معدلات التضخم تسجل ارتفاعاً مستمراً في البلاد، وذلك للزيادة الكبيرة التي تشهدها اسعار السلع بالاسواق المحلية، وحسب التقارير الصادرة فإن السودان يجيء على رأس الدول النامية التي سجلت اعلى معدلات تضخم خلال السنوات الاخيرة، ومن خلال تقرير الجهاز المركزي للاحصاء فإن معدلات التضخم في نشرته الشهرية، أمس الأربعاء، أوضح أن المعدل السنوي للتضخم في السودان ارتفع إلى 37.7% وفي أبريل من 35.6% في الشهر السابق، وقفزت الأسعار في السودان منذ أن انفصل جنوب البلاد في 2011، آخذاً معه ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط الذي كان يشكل المصدر الأساسي لإيرادات السودان من العملة الأجنبية التي يحتاجها لدعم الجنيه ودفع فاتورة الواردات، وقال تقرير الجهاز المركزي للإحصاء إن ارتفاع التضخم الشهر الماضي يرجع إلى زيادة في أسعار جميع السلع والخدمات، فيما ارجع بعض الخبراء الاسباب إلى تذبذب العرض بسبب الاضطرابات السياسية في بعضها وعدم التوازن في الاقتصاد الكلي للبعض الآخر، وظلت الدولة في وضع سياسات لمعالجة الوضع الاقتصادي الذي أصبح في تدهور مستمر، حيث بدأت الجهات المختصة بوضع عدد من الاصلاحات الاقتصادية وبرامج اسعافية، ووصف عدد من الخبراء الاقتصاديين البرنامج بالفاشل، ودعوا وزارة المالية إلى استصحاب جملة من الحقائق الاقتصادية الماثلة والتعاطي معها بشفافية وعدم إتباع سياسة غض الطرف عن مواضع الخلل، الاّ ان عرض ارتفاع معدل التضخم بالبلاد مازال مستمراً في ظل محدودية الدخل الذي يخيم على المواطنين والانفاق في حجم الاستطاعة والذي تقابله زيادة مستمرة في الاسعار، والناظر للوضع الاقتصادي اليوم يجده لا يشير إلى إمكانات لوجود معالجات جذرية خلال الوضع الراهن الذي تشهده البلاد خاصة مع انعدام الأمن في بعض مناطق الانتاج وتدهور سعر الصرف مقابل الجنيه السوداني وارتفاع الواردات وانخفاض حجم الصادرات حسب بيان الاداء السنوي لوزارة التجارة، حيث طرأت زيادة على الواردات من «592» مليون دولار إلى «715» مليون دولار، مما تسبب في خفض الميزان التجاري من «315» مليون دولار إلى «579» مليون دولار، إلا أن صندوق النقد الدولي بعث تطمينات بانخفاض معدلات التضخم خلال الفترة القادمة نتيجة للسياسات الاقتصادية الحالية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لزيادة تدريجية في معدل النمو وانخفاض التضخم، مشيرا إلى أهمية انسجام وتلاؤم السياسات المالية النقدية وسياسات سعر الصرف. ومن جهته انتقد عدد كبير من خبراء الاقتصاد سياسة الدولة الاقتصادية وحملوها مشكلة تدهور الوضع الاقتصادي بالدولة وارتفاع معدلات التضخم، حيث أرجع الخبير الاقتصادي أحمد مالك مشكلة التضخم لوجود أيادٍ خفية، لافتاً إلى أن استخدام الدولة سياسات البنك الدولي ادت بدورها إلى خفض الجنيه السوداني، مبيناً أن حجم التضخم ظل لمدة «10» سنوات آحادي لاتباع الدولة سياسات سليمة، مضيفاً أنه خلال عام 2010 تم تطبيق سياسات البنك الدولي، حيث اتجهت لرفع اسعار المحروقات التي ادت لرفع اسعار كل السلع وبالتالي ارتفاع التضخم، خاصة ان معظم الغذاء يأتي من الخارج. واشار مالك خلال حديثه ل «الإنتباهة» إلى أن الآونة الاخيرة شهدت اتجاه البنوك حتى بنك السودان وبعض المؤسسات للتعامل بالدولار بدلاً من توجيهه للانتاج، ولفت إلى ضرورة وضع معالجات من قبل الجهات المختصة تشمل تحجيم السياسات المالية للدولة التي وصفها بالخرقاء، منوهاً بخطورة التعامل بالدولار، وقال انه لا بد من وجود احتياطي للذهب يتم التعامل معه كاحتياطي نقدي لاستيراد مدخلات الانتاج، مضيفاً أنه لا بد من توجيه البنوك لضخ الاموال بالقطاع الانتاجي، مشيراً لوضع اجراءات حمائية للجنيه السوداني، بجانب رفع حجم الصادرات وتقليل الواردات، وطالب بضرورة دعم القطاع الصناعي وتطوير القطاع الزراعي خاصة الصمغ العربي لسد الفجوة، مشيراً لتقليل الصرف البذخي بالحكومة بجانب توفير العدالة الاجتماعية بالدولة، فيما دعا بعض الخبراء لوضع الدولة حزمة من الاجراءات بالاسواق عبر وزارة المالية بالسيطرة على جموح الأسعار التي تشهد ارتفاعاً مستمراً عبر وضع قوانين رادعة للتجار للحد من الزيادة وتنظيم الأسواق.