جاء في المثل السائر الجاهل عدو نفسه.. ولم يأت أن العالم عدو نفسه.. ولا أن أستاذ الجامعة عدو نفسه ولكن هذه المرة يفتح لنا أستاذ الجامعة المتباهي والمدل علينا بدكتوراه التي أرجو أن تسلم من كيد الكائدين وتربص المتربصين.. واعتذر للإخوة أساتذة الجامعات الآخرين ولي بينهم إخوة وأصدقاء وشركاء درب يجمعني معهم الكثير ولم أسمع من أحدهم يوماً أنه يعرف نفسه أو ينوه قائلاً وبما أنني أستاذ جامعي أدرس علوم كذا وكذا في الجامعة. لأن العالم دائماً متواضع وباحث عن العلم بلا توانٍ ولا تباطؤ. وقالوا إن الرجل إذا رزق منصباً وتكبر فيه وتطاول على الناس فتلك شهادة منه بأن المنصب أعلى مقاماً منه، فهو يتطاول ويتعالى ليصل إليه وإذا أعطي الرجل منصباً أو وظيفة وتواضع فيها فذلك لأنه يشعر بأنها لا تزيده شيئاً فهي دونه لذلك يتواضع ليكون في مقامها. الأخ الدكتور المتباهي أهدى إلينا بالأمس هدية وذلك عندما تباهى علينا بأمرين: الأمر الأول هو ذكره فتوى الشيخ محمود شلتوت شيخ المعهد الأزهر حتى عام 1963م. وهو يظن أن هذه الفتوى هي قاصمة الظهر التي ستجعلنا نضع رقابنا على الأرض معتذرين كما فعل أبو ذر رضي الله عنه، ونقول لأكبر دعاة الشيعة الرافضة في بلادنا: تعال وضع قدمك على رقابنا لأننا سلمنا لك بجواز التعبد على مذهب الأمامية الرافضة ونحن نقول له لو كنت منصفاً حقاً وباحثاً حقاً عن الحقيقة لوجب عليك أن تضع رقبتك على الأرض تواضعاً.. وتطلب منا ضارعاً أن نضع أحذيتنا على رقبتك لعل الله يغفر لك زلتك بإيراد فتوى الإمام الشيخ شلتوت إمام الأزهر التي صدرت منه عام 1959م. نقول لك أولاً إنه في أصح الروايات التي بين أيدينا أن الفتوى قد صدرت فعلاً.. وهي كانت عبارة عن إجابة عن سؤال لأحد الصحافيين عن جواز التعبد بمذهب غير الذي يعتنقه المسلم وبالذات مذهب الرافضة والزيدية. والفتوى نشرت في مجلة «رسالة الإسلام» التي كانت تصدر عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة، لذلك سمتها المجلة «فتوى تاريخية» وكانت الفتوى اجابة عن هذا السؤال. إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لكي تقع عبادته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه فتمعنون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مثلاً؟ فأجاب فضيلته 1/ إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه مذهباً معيناً، بل نقول إن لكل مسلم أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره أي مذهب كان ولا حرج عليه في ذلك. 2/ إن مذهب الجعفرية المعروفة بمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه من فقههم ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات». قالت المصادر التي نقلت هذه الفتوى إنها جاءت بعد أن صرح الشيخ شلتوت في بداية عام 1959 بعزمه على التقريب بين المذاهب والمباشرة بتدريس الفقه الشيعي بكلية الشريعة.. وبالرغم من أن هناك نصوصاً في الفتوى تجاوز فيها شلتوت خاصة العلمية وقد خالفه فيها كثير من علماء الأزهر بل الغالبية العظمى من علماء الأزهر.. إلا أنه رغم ذلك نجد في الفتوى بعض الضوابط مثل قوله «أن يقلد أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاًً» وجاء في موضع آخر من الفتوى: ينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذهب من المذاهب. وهذان ينطبقان حتى على مذاهب أهل السنة وقد أخذنا عليه في الفتوى أمرين: 1/ قوله إن مذهب الجعفرية المعروفة بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة. هذا قول بلا تحفظ ولا ضابط وهو خطأ. وهو يخالف ضبطه فتواه بالنقل الصحيح وبعدم التعصب. 2/ ونأخذ عليه قوله: «فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم»، وهذا قول مخالف لما قبله وإلا فما الحاجة إلى الضبط والتحفظ يقول الأستاذ عصام تليمه سكرتير ومدير مكتب القرضاوي وهو الذي خالف القرضاوي وأثبت حقيقة وجود الفتوى دون التعرض لصحتها وخطئها: «على أن هذه الفتوى لم تنل إجماعاً من الأزهريين كما ذكرت، بل لم تنل أغلبية كذلك إنما نالت موافقة أعضاء جماعة التقريب باستثناء من كان في الجماعة وخرج كالشيخ عبد اللطيف السبكي رئيس لجنة الفتوى وشيخ الحنابلة بالأزهر الذي كتب مقالاً شديد اللهجة في التقريب بين السنة والشيعة وبأنه وهم لا حقيقة له وأنه من طرف واحد.. السنة فقط!! ولقد أثبتت الأحداث أن كلام الإمام السبكي كله حق.. فقد ظهر أن الفتوى جاءت بعد التقارب الشديد بين مصر وسوريا والعراق في العامين «58-59» وخشي الشيعة في إيران في عهد الشاه أن يعزلوا تماماً فاتصل أحد علمائهم وهو الخميني بعبد الناصر وأوحى له وترجاه في تحريك جهود التقريب في مصر في ذلك الوقت. ورغم سعي الشيخ شلتوت للتقريب بين السنة والشيعة إلا أن له آراء حاكمة تبطل دعوى التقريب على إطلاقه، فلما سئل عن مسألة تدريس المذهب الجعفري في الأزهر قال كلاماً طويلاً ثم ختم: «نحن إنما نرجع إلى الكتاب والسنة فمتى لم يخالف الرأي أصلاً من الأصول الإسلامية الصحيحة ولم يتعارض مع نص شرعي فلا بأس من تطبيقه والأخذ به وذلك هو التقريب المنشود والتيسير المرجو» ولقد تبين أن هذه الفتوى جاءت نتيجة تفاهم واتفاق بين مراجع شيعية وعلماء سنة، وأنها تحوي بنوداً أخرى غير فتوى الشيخ شلتوت وسوف نقف عندها ونبطل صحة هذه الفتوى عقلاً و نقلاً.. رغم اعترافنا بوجودها تاريخياً.