فيصل محمد صالح يكتب: مؤتمر «تقدم»… آمال وتحديات    هل تنعش التحرّكات الأخيرة عملية السلام في السودان؟    "إهانة لبلد وشعبه".. تغريدة موجهة للجزائر تفجّر الجدل في فرنسا    الفارق كبير    مدير شرطة ولاية الجزيرة يتفقد شرطة محلية المناقل    السعودية "تختبر" اهتمام العالم باقتصادها بطرح أسهم في أرامكو    العمل الخاص بالأبيض تحقق إنتصاراً كبيراً على المليشيا المتمردة    ميتروفيتش والحظ يهزمان رونالدو مجددا    تصريحات عقار .. هذا الضفدع من ذاك الورل    طموح خليجي لزيادة مداخيل السياحة عبر «التأشيرة الموحدة»    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    مذكرة تفاهم بين النيل الازرق والشركة السودانية للمناطق والاسواق الحرة    عقار يلتقي وفد المحليات الشرقية بولاية جنوب كردفان    سنار.. إبادة كريمات وحبوب زيادة الوزن وشباك صيد الأسماك وكميات من الصمغ العربي    (شن جاب لي جاب وشن بلم القمري مع السنبر)    شائعة وفاة كسلا انطلقت من اسمرا    اكتمال الترتيبات لبدء امتحانات الشهادة الابتدائية بنهر النيل بالسبت    كيف جمع محمد صلاح ثروته؟    اختيار سبعة لاعبين من الدوريات الخارجية لمنتخب الشباب – من هم؟    حكم بالسجن وحرمان من النشاط الكروي بحق لاعب الأهلي المصري حسين الشحات    المريخ السوداني يوافق على المشاركة في الدوري الموريتاني    شاهد بالفيديو.. مستشار حميدتي يبكي ويذرف الدموع على الهواء مباشرة: (يجب أن ندعم ونساند قواتنا المسلحة والمؤتمرات دي كلها كلام فارغ ولن تجلب لنا السلام) وساخرون: (تبكي بس)    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني أبو رهف يلتقي بحسناء "دعامية" فائقة الجمال ويطلب منها الزواج والحسناء تتجاوب معه بالضحكات وتوافق على طلبه: (العرس بعد خالي حميدتي يجيب الديمقراطية)    شاهد بالفيديو.. بصوت جميل وطروب وفي استراحة محارب.. أفراد من القوات المشتركة بمدينة الفاشر يغنون رائعة الفنان الكبير أبو عركي البخيت (بوعدك يا ذاتي يا أقرب قريبة) مستخدمين آلة الربابة    مصر ترفع سعر الخبز المدعوم لأول مرة منذ 30 عاما    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي ليوم الأربعاء    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    الموساد هدد المدعية السابقة للجنائية الدولية لتتخلى عن التحقيق في جرائم حرب    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    السعودية: وفاة الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    والي ولاية البحر الأحمر يشهد حملة النظافة الكبرى لسوق مدينة بورتسودان بمشاركة القوات المشتركة    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يترأس اجتماع هيئة قيادة شرطة الولاية    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    بيومي فؤاد يخسر الرهان    نجل نتانياهو ينشر فيديو تهديد بانقلاب عسكري    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    بالنسبة ل (الفتى المدهش) جعفر فالأمر يختلف لانه ما زال يتلمس خطواته في درب العمالة    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوريا الجنوبية..أمة العجائب والمعجزات
نشر في الانتباهة يوم 12 - 05 - 2014

«مستر كماااال.. مستر كماااال» هكذا كان الأستاذ بارك وونغ ممثل وزارة المساواة بين الجنسين يصرخ ويلوِّح بكلتا يديه ليلفت انتباهي.. أبعدت عيني المرهقتين عن لوحات المنتظرين المتكدسة بالأسماء في مطار أنشتون الدولي مساء ذلك اليوم من شهر أبريل الماضي، وقطعت المسافة نحوه بخطوات واسعة أعلنت بها نهاية رحلة شاقة انطلقت من قلب إفريقيا النابض، وانتهت في بلاد العجائب والمعجزات.
كوريا في سطور
تقع جمهورية كوريا الجنوبية في أقصى شرق القارة الآسيوية وهي مركز الثقافة في شمال شرق آسيا جنباً إلى جنب مع الصين واليابان. وكوريا شبه جزيرة تبلغ مساحتها «22» ألف كلم مربع، ويبلغ تعداد سكانها أكثر من «50» مليون نسمة يعيش منهم «10» ملايين في العاصمة سيول التي تعد من أكثر عواصم العالم اكتظاظاً بالسكان. وكوريا الجنوبية قوة اقتصادية كبيرة اشتهرت بصناعة السيارات والإلكترونيات، وصارت رقماً في الاقتصاد العالمي بالرغم من شح مواردها وصغر مساحتها. واستطاعت كوريا أن تتغلب على الأزمة المالية الآسيوية في العام «1997»، وهي من أوائل الدول التي تعافت من الأزمة المالية العالمية في العام «2008م» وفي «2010م» صارت كوريا أول دولة ناشئة تستضيف قمة العشرين.
استضافت كوريا دورة الألعاب الأولمبية في العام «1988 أولمبياد سيول»، وشاركت في استضافة كأس العالم مناصفة مع اليابان في العام «2002م» ونظمت بطولة العالم لألعاب القوى في «دايجو 2011» وتترقب دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في العام 2018م بمدينة بيونغ تشانغ. ودولة كوريا تتحدث اللغة الكورية «الهانغول» ويجد الزائر صعوبة كبيرة في التخاطب مع سكانها لأن غالبيتهم لا يجيدون الإنجليزية. والكوريون شعب طيب دائم الابتسام ينثر الورود على الطرقات ويتبادلون الاحترام فيما بينهم بانحناءة تذيب كل التوترات. قدمت كوريا نفسها للعالم من خلال المسلسل التلفزيوني «جوهرة في القصر» وعبره تعرف الناس على المطبخ الكوري والنمط الحياتي لتلك البقعة البعيدة من العالم. وعبر قنواتها المتعددة وإذاعاتها المتكاثرة يوماً بعد يوم وصحفها ذات المصداقية والمهنية العالية، رسمت كوريا خريطة حياة جديدة قدمت خلالها عدداً كبيراً من المشاهير في مختلف المجالات، أشهرهم بان كي مون الأمين العام الحالي للأمم المتحدة وبارك جي سونغ لاعب مانشيستر يونايتد الإنجليزي وكيم يونا ملكة كوريا في الرقص على الجليد.
ذهبنا إلى كوريا ضمن وفد رفيع المستوى ضم كلاً من الأستاذة وفاء الطيب جعفر ممثلة وزارة الشباب والرياضة - رئيسة الوفد - والأستاذ مبشر محمد كرشوم أمين أمانة الرياضة بالاتحاد الوطني للشباب السوداني والأستاذة إيمان محمد سنهوري مساعد رئيس الاتحاد الوطني للشباب السوداني والأستاذ مصعب محمود الإعلامي السوداني المعروف والأستاذة نفيسة خضر المبارك طالبة الماجستير من جامعة الرباط الوطني تنفيذاً لبروتكول تعاون شبابي تم توقيعه بين جمهورية السودان وجمهورية كوريا الجنوبية يهدف لتبادل الثقافات والرؤى والأفكار في شتى المجالات بين الشعبين الشقيقين. وكانت زيارة تاريخية نحاول عبر المساحة التالية رواية بعض تفاصيلها.
وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة
أولى الخطوات والبرامج داخل العاصمة سيول كانت زيارة تعريفية للجهة الراعية للزيارة، وهي وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، وفيها كان اللقاء بمدير قسم تطوير الأنشطة السيد «كيم بونغ هو» الذي أكد أن الوزارة تُعنى بوضع السياسات للمحافظة على تكوين الأسر عبر خطط وبرامج دقيقة تمنع انتشار العنف المنزلي وترعى الشباب وتحميهم من الأخطار والمهددات، إلى جانب إقامة الشراكات مع المنظمات المدنية والدولية. وخلال اللقاء تم التأكيد على ضرورة استمرار برامج التبادل الشبابي بين السودان وكوريا في مختلف المجالات.
مركز تنظيف المياه
بالرغم من أن جمهورية كوريا الجنوبية عبارة عن شبه جزيرة إلا أنها تعاني من شح كبير في المياه العذبة، وبذلت الحكومة جهوداً خارقة لتجاوز هذه الأزمة عبر إنشاء محطات ضخمة لتنقية مياه نهر الهان بلغت «4» محطات توفر حوالي «1.6» مليون طن. والغريب أنه وبعد كل هذه الجهود لا يلجأ المواطن الكوري لاستخدام المياه مباشرة من الحنفيات داخل المنازل، وإنما يستهلك كميات كبيرة من المياه المعدنية التي توفرها المصانع في مختلف المدن.
المنطقة منزوعة السلاح
ما زالت جمهورية كوريا تعاني من الحرب الأهلية الشرسة التي خاضتها مع نصفها الآخر كوريا الشمالية في العام 1950م واستمرت حتى العام 1953 بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ولكن لا تزال الكوريتان تعيشان في حالة حرب نظراً لعدم توقيع معاهدة سلام بينهما. هذه الحرب أثرت كثيراً على نهضة وتطور الكوريتين حتى أن الشعب الكوري كان قبل خمسين عاماً أفقر شعوب العالم. ولكنهم تجاوزوا آلامهم وأحزانهم بعزم وإصرار وصارت تلك الحقبة جزءاً من تاريخهم الذي كلما تذكروه ازدادوا اجتهاداً وحيوية. عند مدخل مدينة فازو أو المنطقة منزوعة السلاح «دي إم زي» كانت تنتظرنا العديد من المفاجآت، حيث رأينا لأول مرة الجنود وهم في حالة استعداد قصوى وكأنما الحرب مستمرة حتى الآن.. ووسط إجراءات أمنية مشددة استطعنا العبور من نقاط التفتيش المكتظة بالجنود الكوريين والأمريكان «الحلفاء» كما يسمونهم هناك. وأمام بوابة زجاجية ضخمة أوقفنا جندي مستفسراً عن هوية الوفد وصار يسأل كثيراً عن السودان وإفريقيا وسرعان ما صار صديقاً ودليلاً جيداً عبر بنا من مراحل الحذر المفرط إلى بر الابتسامات والدعابات والثقة. قال لنا الجندي إننا سندخل إلى نفق يبلغ عمقه «75» متراً تحت الأرض حفره جواسيس كوريا الشمالية للتسلل إلى كوريا الجنوبية في العام 1978م، وحذر بشدة أي شخص يعاني من أمراض في القلب أو ضيق في التنفس ألا يغامر بالدخول إلى النفق... حينها سرت قشعريرة باردة في أجسادنا وتيقنا أننا أمام تجربة تحتاج لجهد وجلد وصبر.
داخل النفق
أجمعنا على رؤية النفق فبدا الارتياح على وجه الجندي وقام بإكمال إجراءات التفتيش والدخول حيث منعنا من التصوير وألزمونا بارتداء خوذات ضخمة في رؤوسنا احتججنا عليها في البدء وحمدنا الله كثيراً على ارتدائها عند أول ارتطام لنا بالصخور... في بداية النفق الذي يبلغ طوله «1635» متراً يجبرك انحداره على الهرولة وتشعر بجسدك يقفز تلقائياً إلى أن تصل إلى المنطقة الخطرة منه حيث تخفت الإضاءة وتتسلل المياه من بين الصخور لتضفي على المكان رهبة مع تزايد درجة الرطوبة وانخفاض كبير في ارتفاع النفق لدرجة الانحناء وشح الأكسجين عندها تذكرنا تحذيرات الجندي ولكن لا مفر من الاستمرار حتى النهاية.. ظللنا على هذه الحال قرابة الساعة حتى لاحت نهاية النفق وهناك وجدنا العديد من الأشخاص في انتظارنا وهم يغمغمون بأن هذه نقطة النهاية ولكنهم سمحوا لنا بالنظر عبر نافذة صغيرة لبقية النفق في كوريا الشمالية.
مسجد سيول العتيق
يشكل عدد المسلمين في جمهورية كوريا نسبة «0.1%» من تعداد السكان لذلك اجتهدنا كثيراً في البحث عن مسجد لأداء صلاة الجمعة وعثرنا على المسجد الوحيد في المدينة وهو مسجد سيول المركزي. وهناك التقينا بمسلمين من مختلف الجنسيات قضينا معهم وقتاً ممتعاً وتحدثنا عن التحديات التي تواجه الإسلام والمسلمين في مختلف بقاع العالم، كما طالبناهم بالاجتهاد لنشر الدين الإسلامي في كوريا. حول المسجد تنتشر المحال التجارية الإسلامية ويعلق أصحابها صور الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف كما تنتشر المطاعم الحلال التي يدير معظمها الأتراك إلى جانب أماكن بيع الزي الإسلامي.
أنشطة التبادل الثقافي
داخل قاعة فخمة بأحد فنادق سيول كانت تنتظرنا مجموعة كبيرة من الشباب الكوري للتعرف على عادات وتقاليد وثقافات السودانيين.. والشعب الكوري لا يعلم الكثير عن السودان وبقية دول العالم بعد أن عاشوا في عزلة لسنوات طويلة لذلك تجدهم أشد حرصاً على تفعيل بروتكول التبادل الشبابي مع العديد من دول العالم، وقاموا بتأسيس المركز الكوري لتبادل الشباب في العام 2007م، ونظموا عبره برامج لأكثر من «500» شاب وشابة شملت زيارات لأكثر من «24» دولة. وخلال البرنامج عرضنا السودان في أبهى حلة.. طفنا بهم في ربوع الوطن الحبيب على أنغام «حلاة بلدي.. حلاة نيلها» و«أحب مكان وطني السودان»... شاهدوا مقرن النيلين وحظيرة الدندر وإهرامات البجراوية وسهول كردفان الغرة وجبل مرة ونيرتتي وشلال قلول... شاهدوا جبال التاكا والشُّعب المرجانية في سواحل البحر الأحمر.. شاهدوا مشروع الجزيرة ومحالج القطن ومصانع النسيج في بركات ومارنجان والحاج عبد الله... شاهدوا برج الفاتح وجامعة الخرطوم وسد مروي.. انطلقت صيحات الدهشة والإبهار من أفواه الكوريين ودوى التصفيق في القاعة بلا انقطاع.... كان الوفد يرتدي الزي السوداني الجلابية ناصعة البياض والعمة والطاقية وارتدت الزميلات الثوب السوداني... تذوق الكوريون طعم «اللالوب والقنقليز والكركدي والفول والتسالي والدوم» ونال مشروب العرديب استحسان الجميع. وبالمقابل قدم الكوريون بلادهم في حلة زاهية كشفت عن شعب طيب يحب العالم ويعشق العمل والعلم ويسعى لتطوير ورقي كوريا «أرض الصباح الهادئ» كما يسمونها.
أيام في بيونغ تشانغ وغانغ رنغ وسوك تشو
في هذه المدن الثلاث قدمت كوريا نفسها بوجه آخر، وكشفت عن عراقة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ... هنا حيث المساكن القديمة «الهانوك» والأزياء التقليدية والمراعي والمروج الخضراء والجبال الشاهقة في منطقة «دي غون ريونغ» .. كانت أيام لا تنسى ... ذهبنا للمسكن القديم « سون كيو جانغ» في محافظة «كانغ ون» وهو مسكن الطبقة العليا لعصر مملكة «جوسون 1392 1910م» وتبلغ مساحته «2000» متر مربع وتعرض فيه آلاف الكتب والرسوم والكتابات القديمة. وكانت زيارة جبل «سراك» قمة في الروعة حيث الطبيعة والمناظر الخلابة البديعة .. وجبل «سراك» هو أعلى وأجمل القمم ويقع في مدينة سوك تشو شرق كوريا الجنوبية .. صعدنا إليه عبر عربات معلقة تمنح الرحلة مزيداً من الإثارة وهي تحلق بك ببطء شديد لتمنحك الفرصة لمشاهدة الجبال من حولك وإذا نظرت تحت أقدامك سيصيبك الدوار، لأن الأرض بعيدة عنك بعداً سحيقاً. وفي بيونغ تشانغ ذهبنا لمركز التقليد الكوري لارتداء الملابس الكورية المعروفة باسم «الهانبوك» وهي ملابس تمزج بين جمال الألوان والخطوط الآسيوية ويجري إدخالها سنوياً في مسرح الموضة العالمي.
ليلة داخل الغابة
يقع مركز الشباب الوطني الكوري في مدينة بيونغ تشانغ، ويحتل مساحة كبيرة وسط غابة تحيط بها الجبال، وهي منطقة أشبه بمحمية طبيعية، تحتوي في داخلها على قاعات مجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية إلى جانب ميادين لكرة القدم والسلة والطائرة ومضمار للسباق. وفوق ذلك مساكن خشبية أشبه بالمساكن الكورية القديمة ومجهزة بأحدث ما أنتجه العالم من أثاث وإلكترونيات وأجهزة تكييف. داخل هذه المساكن قضينا ليلة كاملة غالبنا فيها النعاس حتى لا تفوتنا روعة المشاهد .. تجولنا داخل الغابة وسط أجواء باردة بلغت فيها درجة الحرارة «10» درجات مئوية وبرغم ذلك تجولنا وسط الصخور والأشجار حتى ساعات الصباح الأولى.
حادثة غرق العبارة
ليلة أخرى قضيناها في مدينة ساحلية تطل على بحر اليابان .. ومن خلال نافذة الفندق تخال أنك في سفينة تهدهدها أمواج البحر .. ولكن منظر المياه الممتدة وحركة السفن يعيد إلى مخيلتك أيضاً ذكرى غرق العبارة وتعابير الحزن الظاهرة على وجوه الكوريين وكانما الغرقى هم أقرباء وأبناء الشعب الكوري كله. من جانبنا أرسلنا برقية عزاء باسم الشعب السوداني للشعب الكوري وأسر الضحايا.
العودة إلى سيول
في سيول قمنا أيضاً بزيارة لمعرض شركة سامسونج وهو معرض ضخم تعرض فيه الشركة أحدث منتجاتها وتوفر فرصة للتسوق وشراء جميع منتجاتها بأسعار مخفضة، كما زرنا الكشافة الجوية والبرلمان الكوري, ثم مركز وسائل الإعلام الشبابي وفيه قمنا بإنتاج فيلم تعريفي عن أهداف الزيارة، نال استحسان قيادة المركز. ثم طاف بنا نائب سفير السودان بسيول السفير الريح حيدوب، في جولة تعريفية لأهم المعالم السياحية وأهم الطرق والأسواق وجاء نهر «تشيونج» الذي يمر وسط مدينة سيول في مقدمة المعالم المدهشة فهو مجرى مائي تنتشر بين جنباته أماكن التسوق ويرتاده السياح بعة ان تحول من مكب للنفايات الى ابرز المعالم السياحية في المدينة. وبالطبع اذا زرت كوريا يوما ما فلن يفوتك التسوق في شارع ايتاوان وهو يقع في حي العرب حيث المسجد الوحيد في سيول وتقع في نهايته القاعدة الأمريكية. السفير حيدوب قال ان معظم الوزارات السيادية مقرها خارج سيول ولذلك تجد التنمية في بقية المدن والولايات تسير على خطى واحدة. وتمنى حيدوب ان تنتقل تجربة الحكومة الكورية الى السودان وتقوم بنقل المرافق الحكومية وبعض الوزارات الى بقية الولايات، كما ناشد معتمد أم درمان للاستفادة من تجربة نهر تشيونج وتنفيذها في (خور أبوعنجة).
لقاء السفارة
عندما استقبلنا نائب سفير السودان بسيول، السفير الريح حيدوب في البوابة الخارجية لمبنى السفارة علت الابتسامة وجوهنا وداعبنا السفير بعبارات حبابكم عشرة واتفضلوا على الديوان وتبدلت الأجواء إلى سودانية خالصة في قلب سيول دون حواجز أو بروتكولات .. وداخل السفارة وجدنا الكل في انتظارنا، ابتداءً من سفير السودان بسيول تاج الدين الهادي الطاهر، مروراً بمهند عجبنا، وعادل محمد الحسن عبد الحميد، وعبد المنعم هلالي، وهشام محمود خالد، ومدثر محمد خير، وبقية الطاقم .. رحب بنا السفير تاج الدين وتبادل الوفد الهدايا مع أعضاء السفارة على وعد بلقاء آخر في القريب العاجل بإذن الله.
سودانيون في سيول
ما أن تسامع أبناء السودان في كوريا بمقدمنا، إلا وتسابقوا لتكريمنا، وانهالت الدعوات على الوفد مع الاصرار الشديد على تلبيتها ونشكر كل من استطعنا تلبية دعوتهم الكريمة ونعتذر لكل من وقف الزمن حاجزاً في الوصول إليه...
كل الذين التقيناهم في دعوة الغداء واليوم المفتوح الذي نظمه أبناء الجالية السودانية بحدائق نهر الهان، كانوا يتحدثون عن السودان بلهفة وشوق شديدين، ووجدناهم يتابعون أخبار السودان عبر الفضائيات السودانية والعالمية إلى جانب مطالعتهم للصحف السودانية على الشبكة العنكبوتية .. وتحظى «الإنتباهة» والأستاذ إسحق أحمد فضل الله بمتابعة دقيقة وإشادات متكررة. ولكل السودانيين هناك بعث الزميل مصعب محمود برسالة رقيقة هذا نصها : «أيام في كوريا لا تنسى .. شكراً لوجودكم الجميل في حياتنا .. أدام الله محبتكم وحفظكم لبعضكم البعض ولنا سفراء للوطن ولأهل السودان جميعاً. سعادة السفير تاج الدين، وسعادة السفير الريح حيدوب، وحرمه المصون حنان سحنون، وأبنائه ساجدة وعبد الباقي، والإخوة بالسفارة جميعاً مهند عجبنا، وزوجته ريان، وأبنائهما، والبقية الرائعين عادل ومدثر وهلالي وهشام .. والتحية للأشقاء أبناء بلدي في كوريا جميعاً ومنهم الرائع عثمان فتحي، وزوجته عبير وأطفالهما وطارق سيد أحمد وزوجته آمنة وأطفالهما، ومعتز وزوجته وأطفالهما والعريس كمال وعروسه سيدة ود. عماد جوهر وزوجته عائشة وأبنائهما والسيد كمال وزوجته فدوى وأبنائهما، والسيد فضل الله خاطر والشباب الرائعين سفرائنا بقيم الخير في انتشون وما جاورها، محمد الجاك وعبد المنعم وعامر وآخرين لا يسع المجال لذكرهم .. والشكر يمتد لرئيس الجالية د. أنور وأعضاء مكتبه التنفيذي شكراً جميلاً لكم ولكل من التقينا به في كوريا. مصعب محمود».
بارك وونغ وسو را ولميس
هم ثلاثي الوفد الكوري الذي رافقنا في حلنا وترحالنا طيلة الأيام التي قضيناها معهم وكانوا خير سفراء لبلادهم، بابتسامة دائمة وصبر كبير ومعالجات حاضرة لكل الطوارئ التي حدثت بسرعة فائقة، ولم تخل الرحلات من الطرائف والقفشات، حيث تجدهم يدخلون في موجة من الضحك عندما يغالبنا النعاس لأن سيول تسبقنا في التوقيت بست ساعات كاملة، وتداخلت علينا أوقات النوم واليقظة، ما أربك حركة الوفد في التقيّد بالزمن بعض الشيء .. بارك وونغ وسو را ولميس مجموعة متجانسة جعلتنا نحس كأننا في وطننا ... انصهروا مع السودانيين الذين زرناهم وتذوقوا طعامنا بتلذذ .. تحدثوا اللغة العربية في أيام معدودة واجتهدوا لنتعلم الكورية .. التحية لهم من وطنهم الثاني، الذي نتمنى أن يزوروه لنرد لهم بعض الجميل. ونردد مقولتهم الأشهر التي استقبلونا بها «تعال لتكون جزءاً منا .. تعال لتكون صديقاً».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.