عرفت الدكتورة سمية أبو كشوة عن قرب بعد التحاقي بجامعة الخرطوم مديراً للإعلام، حيث كانت الدكتورة سمية أستاذة بكلية العلوم ومن ثم عميدة لكلية العلوم، وقد أشعلت الكلية نشاطاً ومعها العلماء معاوية شداد وآخرون، وكانت الكلية تزخر بالنشاطات المتعددة، حيث كان أسبوع العلوم وندوة الأربعاء التي تخرج فيها الكلية للمجتمع بصياغات وعناوين تربط بين العلوم البحتة والآداب والفنون. وأذكر من بين الندوات التي شهدتها كلية العلوم على أيام العميدة سمية أبو كشوة ندوة بعنوان «الماء في الشعر العربي» تحدث فيها علماء الجيولوجيا وخبراء المياه وأدباء منهم الدكتور الصديق عمر الصديق مدير معهد البروفيسور عبد الله الطيب للغة العربية، وكان الشعر حاضراً والماء يجري من تحت الأقدام وفي الأوصال، وقد أخذ الماء موقعاً متقدماً في الشعر العربي وصفاً وتشبيهاً ومدحاً لدوره في الحياة، وهذا الدور يماثل دور الحبيب بالنسبة لحبيبه، كما أن الماء قد ارتبط بالمغامرات عند الشعراء كما جاء في قول أحدهم وهو يصف مكاناً صعب الورود وماؤه قليل لا ترده إلا السباع: وماء قد وردت أمية طامي على أرجائه زجل القطاطي قليل ورده إلا سباعاً يخطن المشئ كالنبل المراط فبت أنهه السرحان عنه كلانا وارد حران ساطي كأن وغي الخموش بجانبيه وغي رهط أمية ذو هياط كأن مسارب الحيات فيه قبيل الصبح آثار السياط والماء من ضرورات الحياة وأهم عناصر وجود الإنسان علي ظهر الأرض وهكذا قال العلماء، والله يقول في كتابه العزيز: «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، وقد هزني وأرعبتني مشاهد السودانيين الذين عبروا إلى ليبيا وتقطعت بهم السبل في الصحراء وأوشكوا على الهلاك جميعاً من شدة العطش، وكانوا يتوسلون لأحد الجنود الليبيين بأن يتفضل عليهم بجرعة ماء، وعندما أعطاهم الجندي قارورة صغيرة من الماء كانوا يتصارعون عليها أيهم يفوز بجرعة من الماء، وقد قلت في نفسي أمام هذا المنظر البشع كيف لعاقل أن يترك النيل وماءه العذب الفرات إلى صحراء ممتدة وخلفها بحر ماؤه ملح اجاج .. ومما ذكرفي الندوة «عن الماء» قول عمر ابن أبي ربيعة ونشرب إن وردنا الماء صفواً ٭٭ ويشرب غيرنا كدراً وطيناً واهتدت كلية العلوم في ذلك الوقت إلى تعقب كويكب أو جرم سماوي سقط في الصحاري السودانية إلى الشمال من أبو حمد.. وعندما أعد العالم شداد عدة السفر إلى هناك اتصلت بصفتي مديراً للإعلام بمكتب قناة الجزيرة بالخرطوم، وتمكن فريق كلية العلوم من الأساتذة والطلاب وباحث من وكالة ناسا للفضاء من الوصول إلى الكوكيب، وقد استعان الفريق بشهود العيان من أهالي المنطقة الذين قالوا إنهم رأوا الكويكب وهو يهوي إلى الأرض في الساعات الأولى من الصباح، كما سمعوا دوي الكويكب بعد ارتطامه بالأرض، وأبلغوا جامعة الخرطوم ممثلة في كلية العلوم، وكان المشروع قد تم تنفيذه بين وكالة الفضاء الأمريكية المعروفة بناسا وكلية العلوم جامعة الخرطوم قسم الفيزياء، وكان حدثاً علمياً فريداً بثته قناة الجزيرة الفضائية في تقرير متكامل عن السودان، كما بثته كثير من القنوات الفضائية، وقامت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا ببثه على موقعها على شبكة الإنترنت. وقد كتبت لي الدكتورة سمية أبو كشوة عميدة كلية العلوم خطاباً تشكرني فيه على دوري في دعم البحث العلمي، وأنا شديد الاعتداد بتلك الرسالة، رغم أن كثيراً من اساتذة وعمداء الكليات بجامعة الخرطوم قد أرسلوا لي رسائل رسمية تعبر عن شكرهم لي علي عمل من الأعمال بما فيهم السيد مدير الجامعة، وكل هذه الرسائل احتفظ بها ما عدا رسالة الدكتورة سمية التي ضاعت مني للأسف الشديد. وكان أحب مكان عند الدكتورة سمية هو كلية العلوم والبحث العلمي وأبناؤها وبناتها الطلاب والطالبات. وعند تعيينها نائباً لمدير جامعة الخرطوم لم تكن راضية ولا راغبة عن كليتها، وكانت هي أول امرأة يتم تعيينها نائباً لمدير الجامعة، وقد تم تكريم الدكتورة سمية أبو كشوة من قبل رابطة المرأة العاملة بجامعة الخرطوم في حفل محضور بقاعة الشارقة، وبذلت فيه الرائعة كلثوم بركات جهداً كبيراً، وأم كلثوم بركات إنسانة عظيمة وتستحق التقدير، وكانت تعمل مساعداً لعميد الطلاب للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي موقعها نائباً لمدير جامعة الخرطوم أنجزت الدكتورة سمية أبو كشوة كثيراً من الأعمال، وعملت جنباً إلى جنب مع مدير الجامعة البروفيسور الصديق احمد المصطفى حياتي، وحياتي هو زينة جامعة الخرطوم ومفخرة السودان بعلمه وأدبه وقدراته الإدارية وسمته سمت المتصوفة الكبار والعلماء العاملين بعلمهم. وعندما صدر القرار الرئاسي بتعيين الدكتورة سمية أبو كشوة وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي ذهبت لتهنئتها، وقالت لي نرجو منك أن تدعو لنا بالتوفيق، وأجابت على بعض أسئلتي حول القرارات السياسية والمرحلة القادمة من تاريخ السودان، وما قامت به من عمل بعد تسلمها مهام الوزارة كثير نذكر منه القرار الوزاري الذي اتخذته لحل مشكلة بعض طلاب الشهادة العربية بكلية الطب جامعة الخرطوم التي مثلت أزمة كبيرة تناولتها الصحافة لمدة طويلة من الزمن، وقد اكد هذا القرار وغيره من القرارات أن الدكتورة سمية أبو كشوة بلسم يداوي جراح الوطن ويكف دمعة المحرومين من أبنائه وبناته. ورغم أن وقتاً قليلاً قد مضى منذ تعيينها في وزارة التعليم العالي، إلا أنها قد انتبهت إلى أمر مهم وهو تقديم مقترح برفع راتب الأستاذ الجامعي والشروع في تنفيذ هذا المقترح بالتدريج وهذا المقترح من جانب وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي هو بناءً على ما يشهده السودان من هجرة واسعة وسط أساتذة الجامعات بحثاً عن تحسين أحوالهم المادية والمعيشية، كما أوفت الوزارة بالتعاون مع وزارة المالية بما عرف بمتأخرات التعليم العالي للعاملين بجامعة الخرطوم التي مضى عليها وقت طويل، ودخل العاملون بالجامعة في مسلسل من الإضرابات والمطالبات، وقد انتهى الأمر بتسوية المشكلة: أي صوت زار بالأمس خيالي