في ديار المناصير كانت زعامة نعمان ود قمر الذي تغنى بذكره المناصير.. وهم أهل فن الربابة ذات النغمات وهم الذين تغنو بي زينبو قائلين: الله منك يا زينبو حجك أبعشرين نقشوا وجابوا زائد المال تلقوا ويا هلال رمضان ترهو = وهم الذين تغنوا مع نغمات الربابة قائلين حليل موسى يا حليل موسى.. موسى يا جنا العسكر ما بشر الخمر يسكر وما بياكل الملاح أخضر، وهنا كانت الطرفة التي أوردها أحد الشايقية قائلاً: حليل موسى في شنو ما دام ما بياكل الملاح أخضر ولا بشرب المريسة عشان يسكر في شنو يا حليلو؟ واولئك المناصير الذين تغنوا بعمدتهم نعمان ود قمر ولما ضاق ببعضهم الحال من حكمه قالوا عنه يا الله تجيب لنا الخزان ٭ ونرتاح من حكم نعمان يسرح يرعى في الوديان ٭ ويتبع عمه ده الغلبان يبقى السكنة في أم درمان ٭ ونرتاح ناكل لحمة الضان يا الله تجيب لنا الخزان ٭ ونرتاح من حكم نعمان وهناك نعمان الكبير وهو غير نعمان ود قمر العمدة. وكان نعمان ذاك في عهد المهدية، وحينما كانت نهاية المهدية وجاء الجيش الانجليزي والمصري الفاتح ليتسلم الحكم بعد واقعة كرري الاخيرة 1898م التي كانت نهاية المهدية، تسلم فيها المستعمرون الحكم، وكان نعمان في بلده بالمناصير، ولما جاء الجيش بقوته وعتاده ماراً في طريقه للخرطوم للهجوم على جيش المهدي، ووقف نعمان وشد حصانه وحمل سيفه والدرقة وقالت له والدته: الى أين يا نعمان وأنت تحمل السيف كأنك في حرب، قال لها: انا ماشي اقابل الجيش الفاتح لأمنعه من الوصول لحرب جيش المهدية، قالت له والدته: يا ولدي تقابل الجيش وحدك وهو مؤلف من جيش كبير، قال لها: نعم اقابله بسيفي هذا وليكن ما يكون، وامتطى حصانه ووقف للجيش في الطريق، ولما وصله دفر بجواده ورفع سيفه من الجفير، واستغرب قائد الجيش لهذا الفارس الجسور كيف يهجم على هذا الجيش، ولما صار يضرب يمين وشمال قتلوه بالرصاص وربطوا جثمانه على سرج الجواد وطردوها الى حيث يسكن هذا الفارس، ووصل جثمانه الى حيث كان يسكن وبكته الباكيات ونعوه باصوات حزينة، وقال أحدهم أمانة يا نعمان ماك ولد.. يا الشايل المغضفي وهو السيف.. وهكذا كان نعمان فارساً لا يهاب الموت وشجاعته جعلته يقابل ذلك الجيش الكبير بمفرده، وظل الركبان منذ ذلك التاريخ يتغنون قائلين: أمانة يا نعمان ماك ولد.. ومنذ ذلك التاريخ ظلت ذكرى نعمان يتحدث بها الناس في مجالسهم قائلين عنه: أمانة يا نعمان ماك ولد.. تخيلوا سيداتي سادتي موقف هذا الذي يتصدى لهذا الجيش بمفرده.. أنها الشجاعة النادرة، وهكذا تغني بذكره الركبان: أمانا يا نعمان ماك ولد.. رحم الله نعمان ونعمان العمدة في ديار ود قمر، هذا الذي وضع اللبنات للشجاعة السودانية، فهو يقابل جيشاً بمفرده ويحمل السيف فقط ليقابل به سلاح الرصاص.. إنها الشجاعة السودانية النادرة.. وعبر هذه السطور أبعث تقديري والتحايا العطرة لتلك الدار الخالدة دار نعمان ود قمر والسلام.