تابع المجتمع السوداني كله قضية الطبيبة السودانية التي حكم عليها بالقتل حداً للردة وبالجلد مائة جلدة حداً للزنا. والحكم صدر تحت المادة «146» حد الزنا والمادة «126» حد الردة في القانون الجنائي السوداني. وتابعت الصحافة مجريات وإجراءات المحاكمة إلى حين صدور الحكم الإبتدائي بالإعدام وإمهال المحكوم عليها ثلاثة أيام للاستتابة وللتوبة.. وقد كلفت المحكمة جهة ذات اختصاص لتلقين الفتاة مفاهيم الردة وحكمها وعاقبتها في الدنيا والآخرة. وحتى آخر يوم في المهلة وفي ذات يوم المحاكمة جلس أحد العلماء مع الطبيبة داخل قفص الاتهام وحاول معها ودعاها لأن ترجع فيما أقدمت عليه.. ويبدو أنها أصرت ورأت المحكمة أنه لا بد من إقامة الحد عليها ولم تجد مبرراً أو شبهة تدرأ الحد عنها. ولست في مقام يسمح لي بالتعليق على إجراءات المحاكمة فالبينات والشهود ويومية التحري كلها موضوعة أمام القاضي ولا أجد مبرراً يسمح لي بالطعن في الإجراءات أو في الحكم الذي نطق به القاضي. بيد أني أريد أن أعرض لجوهر القضية وهو موضوع الردة وحكمها في الشريعة وطريقة تنفيذ ذلك الحكم بالنظر إلى اختلاف ظروف وأحوال المحكوم بالردة. ونبدأ بتعريف المرتد في الشريعة الإسلامية وأنه هو كل من أتى بفعل أو قول أو اعتقاد مما يعد من أمور الكفر بعد أن كان مسلماً معروفاً بالإسلام.. ولا يحكم عليه بحكم الردة إلا إذا أقيمت عليه الحجة واتضح له السبيل ثم أصر من بعد ذلك على كفره. ونصوص الردة في كتاب الله كثيرة.. وتخرج النصوص من حكم المرتد المكره لقوله تعالى «إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان». ذلك وأن أعظم أنواع الردة هي الإعلان والمجاهرة بالخروج عن الدين واعتناق ملة أخرى كالخروج إلى اليهودية أو النصرانية وفي ذلك يقول الحق عز وجل: «كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ». والذي نلاحظه في هذه القضية أن قاضي الموضوع أصدر حكماً بالإعدام على هذه المرأة لأنه ثبت له أنها خرجت من ملة الإسلام واعتنقت النصرانية، والشاكون في ذلك هم أسرتها إخوانها وذووها. وبعد أن كرر عليها السؤال أكثر من مرة ودفعت بأنها نصرانية وليست مسلمة أصلاً.. ولكن القاضي لم يأخذ بهذا الدفع لما توافرت عنده من البينات على أن الطبيبة هي أصلاً مسلمة وتربت في أسرة مسلمة والمولود تبع لوالده في الملة لا تبعاً لوالدته هذا هو الحكم الشرعي في هذا الأمر. وجاء حكم القاضي مستهدياً بالسوابق القضائية في العهد النبوي وفي عهد الخلفاء. فهو بعد أن حكم بالردة وأصدر العقوبة وهي القتل بعد الاستتابة نراه حكم بالجلد مائة جلدة وهو حكم الزاني البكر.. وهو اجتهاد منه له ما يبرره.. من الشواهد والأدلة.. ولا نريد الإطالة.. ثم حكم بالإعدام وأجل التنفيذ عامين يشملان ما تبقى من أشهر الحمل لأن الفتاة حامل في شهرها الخامس ويشملان كذلك مدة الإرضاع.. وهو ذات الحكم الذي أصدره المصطفى عليه الصلاة والسلام على الغامدية المعترفة بالزنا وكانت عقوبتها الرجم ولكنها أجلت إلى أن انتهت من وضع حملها وإرضاعه. وذلك عملاً بقوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» أما إذا ارتفعت بعض أصوات الجهلاء بالاعتراض على هذا الحكم اعتماداً على نقدهم للإنقاذ وأنها لا تطبق الشريعة إلا على المواطنين.. فنحن نوافقهم على أن أهل الإنقاذ لا يطبقون الشريعة لا على أنفسهم ولا على المواطنين، وهذا الحكم طبقه قاضٍ مستقل استقلالاً تاماً عن السلطة.. بل هو من حقه أن يحاكم أي مسؤول في السلطة إذا مثل أمامه ونذكر هؤلاء بقول الله سبحانه وتعالى: «لا يضركم من ضل إذا اهتديتم» فضلال الإنقاذ ليس مبرراً لهذا القاضي ولا لأحد من الناس أن يضل ولا يقوم حجة ولا شاهداً يوم يقوم الناس لرب العالمين. أما الذين يزايدون على الإسلام فهم أشد جهلاً من هؤلاء.. فلا الحضارة ولا حقوق الإنسان ولا الغرب الضال السادر في ضلاله يستطيع أن ينتج حكماً أو يقيم مجتمعاً له مقومات المجتمع المسلم.. وحكم الردة حكم إلهي نزلت به الشرائع السماوية كلها النصرانية واليهودية والإسلام. جاء في كتاب التثنية الإصحاح13 من 510 5/ وذلك النبي وذلك الحالم ذلك الحلم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب. 6/ وإذا أغواك سراً أخوك ابن أمك أو ابنك أو ابنتك أو امرأة حصنك أو صاحبك الذي مثل نفسك قائلاً نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفها أنت ولا آباؤك. 8/ فلا ترض عنه ولا تسمع منه ولا تشفق عينك عليه ولا ترق له ولا تستره. 9/ بل قتلاً تقتله يدك تكون عليه أولاً لقتله ثم أيدي جميع الشعب أخيراً. 10/ ترجمه بالحجارة حتى يموت لأنه التمس أن يطوحك عن الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر. ومعلوم أن شريعة النصارى هي شريعة اليهود وليس للنصرانية شريعة منفصلة، وقال عيسى عليه السلام لبني إسرائيل: ما جئت لأغير الناموس يعني الشريعة. أما ذلك الرجل الذي أظنه أصبح يقتات من وراء هذه المواقف وهذه الضلالات فإني والله أخشى عليه سوء الخاتمة. وجاء القرآن بحكم المرتد موضحاً لا يزيغ عن فهمه والرضا به إلا هالك قال تعالى: «لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا». جاء هذا الحكم في ما هو دون الردة كالزنا «الذين في قلوبهم مرض».. فمن باب أولى أن يكون هذا الحكم صالحاً في حق المرتد. وهذه طوائف من المرتدين المنافقين.. الذين في قلوبهم مرض.. والمرجفين.. أخشى والله لئن لم ينته هذا الرجل ليغرين الله به من ينكل به أينما ثقف.. ولو في جحر ضب ثم ليقيم عليه حكم الله!!