خطوة جريئة ان تعلن الحكومة انها تعتزم الخروج بمخطط لمحاسبة المفسدين واستمرار مكافحة الفساد لاجتثاث تلك الآفة من جذورها والتحقيق في كل قضايا الفساد التي تمس وتضر بالاقتصاد الوطني بالبلاد، بل ذهبت الى أكثر من ذلك من خلال التصريحات المدوية الذى يطلقها منسوبو المؤتمر الوطنى كل يوم عن مكافحة الفساد والمفسدين، فمساعد رئيس الجمهورية ابراهيم غندور قال من قبل: «اذا وجد اى مواطن وثيقة او مستنداً ضد المسؤولين فى الحكومة امسكوه من يده جيبوه لي». وسياسة محاربة الفساد بمنطق الحكومة اعتبرها مراقبون بداية لاغلاق حقيقي لكُلّ الأفواه التي عَلَت ومازالت تعلو لكشف الفساد والمُفسدين، لأن معايير تحديد النزاهة والإخلاص في قاموس الحكومة مُغاير تماماً لمفهومه عند الشعب والحال كذلك، أما عن مكافحة المُفسدين فسيشمل بالضرورة الأصوات النّشاز التي يُعرّفها قاموس المُصطلحات التي تُمثّل استمراراً لنهج الحكومة التى حطّمت الرقم القياسي في إنتاج الفساد، حيث جعلت مهمة مُحاربة الفساد محصورة في المؤسسات والهيئات التابعة لها فقط، أي بعبارة أخرى أن هذه الحكومة ابعدت القضاء عن مُعالجة قضايا الفساد الكبرى، وتُقيم بينه وبين إطاراتها المخلصين منطقة عازلة وآمنة تُشجعهم على تنفيذ ما تأمرهم به، ولا أعتقد أن عاقلاً في السودان يُصدّق ما تُروّج له هذه الحكومة من شعارات مكافحة الفساد، لأن مهمة كهذه منوطة في البلدان التي تحترم القانون بالسُّلطة القضائية أولاً، وهي السلطة التي تتحرك بعيداً عن ضغوطات الجهاز التنفيذي. خطيب مسجد الخرطوم الكبير الشيخ كمال رزق اتهم جهاتٍ ودوائر غربية بضرب الإسلام عبر أبنائه باستغلالهم في نشر الفساد المالي والأخلاقي، ودعا إلى ضرورة إنشاء قوات للتدخل السريع لضرب الفساد والمفسدين أسوة بقوات التدخل السريع في مناطق القتال، وقال رزق إن الفساد يهزم الحكومات، مبيناً أن الفساد الأخلاقي أخطر من المالي، منوهاً بأن الأخلاق إذا ذهبت لا تعود ولكن المال سيعود، وقال: «لذلك نحن في حاجة لقوات تدخل سريع ضاربة للفساد والمفسدين في أي مكان»، مشدداً على تطبيق الشريعة الإسلامية بغية تحقيق الانتصارات لا سيما على أعداء الدين المتآمرين على الإسلام والمسلمين، مبيناً أن إعداد الجيوش وإصلاح الاقتصاد وحدهما لا يحققان الاستقرار، مؤكداً أن الحل يكمن في تطبيق الشريعة الإسلامية وضرب الفساد بيد من حديد، معتبراً ذلك أخطر من الفساد المالي، ونوه رزق بأن أي شخص يقول لا يوجد فساد معناه أنه غير موجود في الأرض. وقال إن المشكلة الآن ليست في وجود الفساد وإنما في الطرق التي تؤدي إليه. الا ان مولانا مختار عيسى اشار الى اهم سبل مكافحة الفساد تتمثل فى تقوية أنظمة المساءلة والشفافية في المجتمع وداخل الجهات المختصة بتطوير الإجراءات والنظم الإدارية الخاصة بأداء الأعمال واختيار العاملين والمساواة أمام القانون ومحاسبة المفسدين الكبار قبل الصغار، وعدم منح حصانة لمثل هؤلاء على حساب المجتمع. وقال: فى حديث ل «الإنتباهة» إن تفعيل الجوانب الروحية والدينية التي تشجع على الاستقامة والسلوك الجيد أيضا جزء من الحد من تلك الظاهرة، ولا يتطلب هذا الامر تعديل القوانين لأن تصريح كبار المسؤولين بما لديهم من أموال وتطبيق قانون من أين لك هذا؟ توضح عمل أجهزة الدولة وبصورة شفافة أمام الجمهور، واشار مولانا مختار الى أن حرية الصحافة مهمة في هذا المجال والتعبير عن اداء الحكومة بالرقابة وفضح الفساد والمفسدين لكي يسقطوا من أعين المجتمع وينكشفوا على حقيقتهم، وفي ما يتعلق بمكافحة الفساد ابان مختار أن ذلك من أجل خلق قيم وسلوكيات تؤثر على أهمية العمل والكسب الشريف. كل ما سبق هى اشارات تدل على رصد الفساد عن طريق الجهات المنوط بها ذلك، كما قال القانونى د. اسماعيل الحاج موسى فى حديث ل «الإنتباهة»: «ليست هناك ثغرات فى القانون يتسلل منها المفسدون، لأن الجهات التى تختص بهذا الصدد هى وزارة العدل والهيئة القضائية، اضافة الى ديوان المظالم والحسبة العامة والقانون الجنائى واخيراً نيابة الثراء الحرام لسماع شكاوى المواطنين الذين يمتلكون الجرأة لكشف المفسدين، وأهم وسائل رصده نبض الشارع وشكوى المواطن كافية لكشف الفساد، إذا وجد المواطنون جهة تستمع لهم وتأخذ منهم ملاحظاتهم وشكاواهم على أداء الأجهزة التنفيذية وممتلكاتهم من خلال ابراء الذمم»، وأوضح د. الحاج موسى أن اهم نقطة هى الشفافية والمصداقية في أداء الأجهزة الحكومية، اضافة الى الرقابة حيث إنها تعني محاسبة المقصر والتشهير به والإعلان عن قصوره، وهذه القضية حساسة وفى منتهى الخطورة ومحرمة فى الاسلام. وذهب الحاج موسى الى ابعد من ذلك بقوله «لا كبير على القانون»، وذكر كل مسؤول كم لديه من المال وكم صرف، والإعلان عن كشف المشروعات الحكومية والكشف عن منصرفات المال العام أين صرف، وهذا من الشفافية، وألا تكون أسراراً، وبالتالي يملك المجتمع حق الرقابة على المال العام الذي هو ملكه ويعلم أين ذهب ماله، وكذلك تنمية الانتماء الوطني وحب الوطن لدى المواطنين، حيث إنه يقضي على القبلية والمناطقية بعدم وجود ثغرة فى القانون الجنائي.