انتهى المسلسل الطويل في مصر بتسلم زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي الرئاسة المصرية من سَلَفه المؤقت عدلي منصور، أمام حشد ثلاثة حكام عرب في مقابل حضور دولي خجول، بينما كانت لافتة برقية التهنئة من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى السيسي، ولم تعكّر صفو مراسم تنصيب السيسي أية مفاجأة، في ظل إجراءات أمنية مشددة حوّلت القاهرة لثكنة عسكرية، خاصة في المحكمة الدستورية وقصر الاتحادية، مما حال دون تمكّن التظاهرات المعارِضة من الوصول للتنصيب، كما خلت الساحة لأنصار السيسي للاحتفال في ميدان التحرير، وفي كلمته التي ألقاها غداة قسمه اليمين الدستورية، كان لافتاً أن السيسي خصّ بالذكر العاهل السعودي وحده، خاصة أن علاقة خاصة تربطه به منذ ان عمل كملحق عسكري بالرياض، كما تلقى السيسي مكالمات هاتفية مهنئة من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ورئيسها شمعون بيريس أكد فيها الجانبان على أهمية العلاقات المصرية الإسرائيلية، وفي حين تعهد السيسي بأن تعود مصر في عهده لتؤدي دوراً فاعلاً إقليمياً ودولياً كما فعل حسني مبارك، فقد شدد على أنه ممكن أن نختلف من أجل الوطن وليس على الوطن، وبتوقيع السيسي ومنصور وثيقة تسليم السلطة تكون الخطوة الثانية من خريطة الطريق التي وُضعَت منذ عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، قد أُنجزت، وكان لافتاً تلعثم السيسي لغوياً عند أدائه اليمين الدستورية المكوّنة من «4» جمل فقط، وبدلاً من قول مخلصاً قال «مخلساً»، وبدلاً من نصب لفظة التمييز في عبارة أن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، قام برفعها وتنوينها، وفي المقابل شهدت المدن المصرية تظاهرات مناهضة بالحدث. وفي ذات السياق شدد التحالف الوطني لدعم الشرعية، خلال مؤتمر صحفي عقده في اسطنبول، على عدم الاعتراف بالسيسي رئيساً للبلاد، مجددين دعوة كل دول العالم، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إلى الرهان على الشعب المصري الذي قاطع الانتخابات الرئاسية. وبدوره قال عضو الهيئة العليا لحزب الوسط والقيادي بتحالف دعم الشرعية، الدكتور عمرو عادل، إن تنصيب السيسي لن يؤثر في شرعية الدكتور محمد مرسي بوصفه رئيساً منتخباً وشرعياً تم الانقلاب عليه بواسطة من نصب نفسه رئيساً، وأشار عادل إلى أن السيسي يحكم مصر منذ «30» يونيو بانقلاب لم يفعله أحد، مؤكداً ان الجيش سيصبح الظهير الرئيس لمعاونته سياسياً وأمنياً، أما مؤسس حزب «غد الثورة» المعارض المصري أيمن نور فقد شنّ هجوماً لاذعاً على قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، معتبراً في مقالة كتبها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أنّ مراسم تنصيبه لم تشهدها البلاد منذ عهد الخديوي. وفي سياق الصحف قالت افتتاحية صحيفة «ليدرشيب» النيجيرية إن انتقال السلطة إلى قائد الانقلاب العسكري غير شرعي، حيث جاء عبر انتخابات صورية اتفق جميع الخبراء على أنه لا علاقة لها بالديمقراطية في ظل مقاطعة الإخوان المسلمين والحركات الشبابية الليبرالية والعلمانية لمسرحية الانتخابات، كما وصفت الصحيفة الانتخابات بالمهزلة، مشيرة إلى أن السيسي يتوسع بعد الانقلاب في الهيمنة الاقتصادية للجيش على كل المجالات الاستثمارية والصناعية مثل صناعة الأثاث والعقارات والطاقة والمياه المعبأة، كما ان صحيفة الغارديان البريطانية حذرت من عودة زعماء الاستبداد في مصر، مشيرة لمسرحية الانتخابات الرئاسية في مصر التي فاز بها السيسي، لافتة إلى تدني نسبة المشاركة الشعبية بهذه الانتخابات، وأضافت الصحيفة في تحليلها المنشور امس أن السيسي لم يأتِ عن طريق ديمقراطي، ومعظم الناخبين يدركون ذلك، فالرئيس المدني المنتخب د. محمد مرسي أصبح في السجن. أما إقليمياً فقد حاولت سلطة الانقلاب في مصر احراج السودان بالتقليل من زيارة النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق اول بكري حسن صالح عبر الآلة الاعلامية بأن اعتبرت ان وصول مدير مكتب الرئيس في زيارته الشخصية الى القاهرة مقدمة لزيارة المشير عمر البشير رغم تأكيدات الخرطوم للقاهرة بأن ممثل السودان سيكون النائب الاول، وبدوره اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بحري حمد عمر حاوي في تصريح لموقع «الجزيرة نت» ردة فعل الخرطوم على تنصيب السيسي رئيساً لمصر مجرد علاقات عامة وشكليات تفرضها الأعراف الدبلوماسية بين الدول، ورأى حاوي أنه لا توجد بارقة أمل في تحسن العلاقات بين الخرطوموالقاهرة لعوامل متعددة، أبرزها الاختلافات العميقة في التوجهات والاستقطاب العربي الكبير في المنطقة، وعدم التوافق في عدد من الملفات الإقليمية، متوقعاً أن تتخذ العلاقات بين الخرطوموالقاهرة في المرحلة المقبلة شكلاً جامداً لا يفرز أي نوع من التعاون، ولا يسمح أيضاً بالتصعيد لرغبة البلدين في عدم توسيع جبهات المواجهة بينهما. أما الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا جاد كريم عبد القادر، فقد أشار ل «الجزيرة نت» إلى أن الحكومة السودانية تجنبت مواجهة مصر بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، لكنها لم تمنع القوى الشعبية من التعبير عن رفضها لما يجري هناك، ويرى عبد القادر أن الحكومة السودانية تتعامل الآن مع تطورات مصر وانتخاب السيسي بدبلوماسية فقط. وبالتالي فإن القاهرة تعلم ان الخرطوم تريد السلام مع الشعب المصري، لذا تأمل ان تبدأ العلاقات بصورة واضحة عوضاً عن فترة العهود السابقة عندما كان ملف السودان عند دهاقنة المخابرات المصرية، كما تتوقع الخرطوم ان تبدأ رئاسة السيسي بدفع العلاقات للأمام وان يحل بالخرطوم على عكس الرئيس المعزول مرسي الذي ختم فترته بزيارة السودان.