أفلح الأخ رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير تماماً بالتزامه بتمويل الموسم الصيفي لمشروع الجزيرة «2014م 2015م» مما وقع برداً وسلاماً على المزارعين التعبانين المغلوب على أمرهم، بل تم تكوين لجنة عليا من إدارة مشروع الجزيرة ومجلس الإدارة الجديد للمشروع، وطلب الرئيس من هذا المجلس أن يوفيه بتقرير شهري عن سير المشروع وكل كبيرة وصغيرة تتعلق بمشروع الجزيرة في إشارة واضحة لاهتمام رئيس الجمهورية شخصياً بالمشروع، كما أن الأمر لم يتوقف عند ذلك بل سجل الأخ النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح زيارة ميدانية للمشروع للتأكيد التام على اهتمام الرئاسة بمشروع الجزيرة أخيراً قام نائب رئيس الجمهورية الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن بزيارة للمشروع وقف على التحضيرات الجارية للموسم الزراعي الجديد وكل ذلك يصب في خانة اهتمام الدولة لإنقاذ مشروع الجزيرة حمل جمل الشيل ومطمورة السودان عند الشدة ووقت الحوبة. ما دعاني لكتابة هذه السطور الزيارة التي قمت بها لأهلي في الجزيرة فتلاحظ لي حجم الخراب والدمار الذي حاق بالمشروع وعلى سبيل المثال لا الحصر ففي منطقة «24» القرشي ومصّوق القنوات والترع سُدت تماماً بالحشائش وأم صوفة، بل هنالك مساحات شاسعة وواسعة انتشرت فيها شجرة المسكيت كانتشار النار في الهشيم بل ضرب الاهمال أطنابه على هذه المنطقة كأن هذه المنطقة خارج حسابات مجلس إدارة مشروع الجزيرة الهمام الذي ركز على الاجتماعات في الصالات المغلقة والمكيفة داخل الخرطوم وفضل أن يرسل تقريره لرئاسة الجمهورية من داخل هذه الصالات التي اتسمت بالأكل الفاخر وتسليم ظروف الحوافز عقب كل اجتماع لكل عضو وكأن إنسان الجزيرة ومزارعها التعبان الغلبان لا يعنيهم. كما تلاحظ لنا أن قنوات الري والترع والمواجر بالمشروع تحتاج لوقفة متأنية وإعادة نظر وإن لم يكن هنالك تحرك سريع وعاجل فإن المشروع لا جدوى أن يضخ فيه مال يذهب هدراً وأدراج الرياح.. وحتى قنوات الري والترع التي تم تطهيرها لم يراع فيها الجانب العلمي والفني في مسألة التطهير فالقنوات تم حفرها إلى عمق بعيد مما أحدث خللاً كبيراً في انسياب المياه، (Over Diging) وحتى لو امتلأت الترعة بالمياه فإن المياه لا تدخل وتنساب إلى الحواشة انسياباً طبيعياً لأن الحواشة في حقيقة الأمر أصبحت أعلى من منسوب المياه في الترعة مما اضطر عدد من المزارعين استعمال الطلمبات والدربات لرفع المياه. فمجلس إدارة مشروع الجزيرة الجديد كان يفترض أن يكون معظمه من أبناء الجزيرة الشباب الملمين بكل كبيرة وصغيرة عن المشروع «مزارعين وأبناء مزارعين» وأكثر حركة بل يشكلون حضوراً ميدانياً في الحقل وباستمرار وليس بالاجتماعات المكثفة داخل القاعات المكيفة التي لا تثمن ولا تغني من جوع.. وأتحدى هذا المجلس أن يعطينا تقريراً عن كم عدد الزيارات التي سجلها للمشروع وكم عدد التفاتيش والأقسام التي زارها من جملة العدد الكلي موثقة بالصور؟ وكم عدد القنوات التي سُدت بالحشائش وأم صوفة وغيرها؟ وفي أي تفتيش وقسم؟ والمساحات التي غطيت تماماً بشجرة المسكيت؟ وكم عدد المُنظِمات والبانكيتات التي دُمرت تماماً؟ وكم عدد المُنظِمات المحتاجة لصيانة وفي أي تفتيش وقسم؟ وكم عدد السرايات التي ينعق فيها البوم وكم عدد القناطر التي نُهبت وسُرقت أثاثاتها وأصبحت أطلالاً وخراباً «موثقة بالصور»؟. وأنا أتحدث عن الدمار والخراب الذي حاق بمشروع الجزيرة باعتباري مزارعاً وابن مزارع مارست مهنة وحرفة الزراعة من الألف إلى الياء وتفتحت عيوني على التقنت وأبو حرين وأبو ستة والدوران والبانكيت والشلابي والترعة واللبقة والبُرقان والمقيل في الحواشة من الصباح حتى المطاح وأكل اللقمة والعصيدة بالموية والملح والشطة والطماطم والكسرة الناشفة بملاح أم تكشو وشرب الموص وموية الطملة وأكل اللوبة الفُك «بضم الفاء» بفقاشة البصلة ونصب الشرك للبحَّات «الطيور والعصافير» وقبض السمك باليد من الدوران والترعة والنوم على أنغام البعوض ونقيق الضفادع وكشكشة الثعابين ودبيب العقارب والمحاصرة من كل الجهات بالملاريا والبالهارسيا ومصائب الزمان.. فكنا نتعشم أن يضم مجلس إدارة مشروع الجزيرة الجديد عناصر من هذه الشاكلة لأنهم يعرفون الجزيرة تماماً أكثر من غيرهم وكما يقول أهلنا العرب «الجمرة بتحرق الواطيها». فمشروع الجزيرة في الوقت الراهن لا يحتاج للتنظير والمنظراتية إنما يحتاج للذين قلوبهم على وطنهم وليس على جيوبهم ويحتاج للذين يعرفون كيف يخرجون من وحل الطين إلى البر بل يحتاج إلى شباب متفتق الذهنية أكثر قوة ومنعة وحركة عكس العواجيز الذين يقعدهم تقدم العمر عن الحركة.. شباب يذهبون إلى مواقع الإنتاج يشخصون الداء ليجدوا له الدواء ولا يسألون عن كم من الحوافز سيجنون بعيداً عن اجتماعات الصالات المغلقة والمكيفة والأكل الفاخر والحوافز. فإصلاح مشروع الجزيرة بلغة البيان بالعمل يحتاج إلى تشخيص العلل ميدانياً ومن ثم رفع التقارير الصحيحة العلمية التي تنفع البلاد والعباد.. ولإدارة مجلس مشروع الجزيرة أقول الدين النصيحة أحزموا البطون وأذهبوا وتحسسوا علل مشروع الجزيرة في كل قسم وفي كل تفتيش لتعرفوا العجب العجاب ومن ثم أكتبوا تقريركم للرئاسة وليس بالطريقة المتبعة الآن.. وكما تعلمون الموسم الزراعي الجديد على الأبواب استووا يرحمكم اللَّه.