دائماً ما يُثار الجدل حول الاستثمار الوطني في الخارج، فحيناً يؤخذ على أنه هروب برؤوس الأموال، وحيناً آخر يؤخذ على انه استثمار جذبته بيئة مغرية، لأن الأنظمة والتشريعات توفر له ضمانات أكثر في علاقاته مع السوق وغيره أو لأنه يتطلب نوعاً من المهارات لا تتوافر إلا هناك، أيضا نوعية النشاط الاستثماري الذي لا تمنحه له بيئته المحلية تصبح مبرراً آخر. اتجاه بعض السودانيين لتفعيل أموالهم عبر قنوات استثمارية خارجية التي في غالبها نجدها استثمارات فردية بعدد من الدول الأوروبية والعربية تفرض سؤالاً منطقياً: ما هي الأسباب التي جعلت هؤلاء المستثمرين يهربون بأموالهم للخارج؟ وهل هنالك قصور من الدولة تجاه توفير البيئة المناسبة للاستثمار في السودان؟ إن الاقتصاد المهاجر أحد اقتصاديات الهجرة الذي يأتي نتيجة لتصدير الخبرات البشرية لتصبح أحد مصادر النقد الأجنبي من خلال التحويلات والاستثمارات وكل الخدمات التي يقدمها المغتربون لأهلهم وذويهم، مما يسهم في عملية التنمية في بلد المهجر، مما يتطلب ذلك ضرورة توظيف الاقتصاد المهاجر من زاوية التحويلات المالية والخبرات، فينعكس إيجاباً من خلال الآثار المتمثلة في انه يصبح مورداً للعملة الأجنبية التي لا تحتاج الى مدخلات إنتاج فقط تتطلب اتباع سياسات تشجيع الاستثمار للمساعدة في تدفق تحويلات المغتربين وذلك بتقديم حوافز لهم من قبل الدولة لحث المغتربين على دعم الاقتصاد الوطني والوقوف مع الوطن، والتحدي يكمن في كيفية استقطاب أموال السودانيين الموجودة بالخارج، ولا يمكن استقرار سعر الصرف إلا بتقديم حوافز استثمارية مشجعة لهم واعتماد نظام »سياحة المغتربين« التي تعني أن يخرج المغترب ويدخل دون المرور بأية عمليات تعقيدية لأنه يمكن ان يقتنع بالرجوع في حالة وجود سياسات واضحة تتخذها الدولة.. كثيرة هي السياسات القاسية التي تثقل كاهل المغترب السوداني، مما جعلته يشعر بالذل والظلم والهوان خاصة وأنهم كثيرا ما وُصفوه بالبقرة الحلوب من خلال الضرائب التي تسمى المساهمة الوطنية، بجانب الزكاة وضريبة الخدمات خاصة وفي المقابل لا يحصل على أية حقوق يجب أن يتضمنها الدستور لكل مواطن كتعليم الأبناء في الجامعات أسوة بغيرهم أو الحصول على قطعة أرض لائقة وفي مكان مناسب.. أو أن تتوافر لهم خدمات صحية متميزة تحت مظلة التأمين الصحي التي يستظل بها جميع المواطنين في خضم المعاناة التي يواجهونها اقتصادياً والتي تتشعب منها المعاناة الصحية والتعليمية. وارتفاع نسبة المهاجرين تجعل الوضع أقل ما يوصف به بالخطير والمخيف، حيث نجد أن مهن الطب والتعليم والهندسة تقف في أعلى سلم الهجرة، إذ بلغ عدد المهاجرين من الأطباء خلال الفترة الأخيرة نحو «5028»، بينما بلغ عدد المهاجرين من المهن التعليمية خلال العام الماضي نحو «1002» كادر، والتي أضحت تمثل هاجساً لكل المؤسسات الرسمية بالبلاد، والتي لا يمكن معالجتها إلا عبر رؤى تكاملية للاقتصاد السوداني. الدعوة إلى تطوير آلية العلاقة مع المغترب وتحويله الى شريك حقيقي وليس بقرة حلوباً وإلى مواطن كريم ينفع ويستنفع من خلال تأسيس الاستثمارات الخاصة الصغيرة وفق رؤية اقتصادية ترتبط بالإستراتيجية القومية، كما يحدث في دول الخليج والدول النامية، ايضاً قضايا التعليم وما يعانيه أبناء المغتربين من إقصاء اجتماعي واقتصادي يتمثل في الخصوصية المالية التي يتحفونهم بها من خلال الرسوم الباهظة وبالعملات الصعبة، هذه الأحوال جعلتهم في حالة استياء مما هم فيه خاصة وأن كل الأحلام والآمال بالاستقرار في أرض الوطن أصبحت هباءً تحت ظل السياسات التي لم ترحم سنين اغتراب آبائهم ومساهماتهم في الاقتصاد الوطني.