عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. : كنتُ منذ مراحل التعليم العام «إبتدائي متوسط وثانوي» مُغرماً ومولعاً بقراءة الشعر العراقي الرصين الذي منتحه وزارة التربية والتعليم في الثمانينيات، حيزاً كبيراً في مقررات الأدب «الأناشيد والمحفوظات»، وحبّبت إلينا تلكم العرائس المرصّعة بالبيان والبلاغة والمعاني النبيلة، عشق الدولة العربية الجسورة «العراق»، وكانت القصائد العراقية المقررة في المرحلة الابتدائية تتميّز برشاقة العبارة ووحدة الموضوع وجزالة الأسلوب مما سهل علينا حفظها. ويجيء في مقدمة الشعراء العراقيين الذين احتفينا بهم في تلكم الفترة الغضة الشاعرالإنسان معروف الرصافي«1877 1945م» الذي رافقنا منذ الصف الثالث أو الرابع في قصيدته «الشجرة» التي تدعو إلي معرفة عظمة الخالق والتأمل في مقدرته على تصريف شؤون الكون انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة كيف نمت من حبةٍ وكيف صارت شجرة وابحث وقُل من ذا الذي يخرج منها الثمرة وانظر إلى الشمس التي جذوتها مُستعرة انظر إلى الليل فمنْ أوجد فيه قمرة وزانهُ بأنجم كالدُرر المُنتشرة وانظر إلى الغيم فمنْ أنزل منه المَطرة فصيّر الأرض به بعد إغبرارٍ خضِرة وانظر إلى المرء وقُل منْ شقّ فيه بصره ذاك هو الله الذي أنعمهُ مُنهمِرة وكذلك حفظتُ للرصافي في الصف السادس قصيدته التي أبدعها في وصف كرة القدم، وكان معلم المحفوظات «وقتذاك» يقول لنا هذه القصيدة لا تحتاج إلى شرح في مدارس البنين فهي صورة ناطقة لِمَِا يدور داخل المستطيل الأخضر. قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم كرة تراض بلعبه الأجسام وقفوا لها متشمرين فأُلقيت فتعاورتها منهم الأقدام يتراكضون وراءها في ساحة للسوق معترك بها وصدام ولقد تحلق في الهواء وإن هوت شروعوا الرؤوس فناطحتها الهام تنحو الشمال بضربة فيردها نحو الجنوب ملاعب لطّام ومن قصائده الرومانسية الراسخة في أذهان طلاب ذاك الزمن الجميل قصيدة «ظبية البان» التي يقول في مطلعها يا ظبية البان ترعى في خمائله ليهنكِ اليوم أن القلب مرعاكِ الماء عندكِ مبذول لشاربه وليس يرويكِ إلا مدمعي الباكي هبت لنا من رياح الغور رائحة بعد الرقاد عرفناها برياكِ سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق لقد أبعدتِ مرماكِ وبالقرب من قصيدة الرصافي «في ملعب كرة القدم» كانت تنام بضفائرها الطويلة قصيدة الشاعر العراقي الفيلسوف صاحب العبارت الرقيقة والمشاعر الوريقة، جميل صدقي الزهاوي «إلى الأمام» التي دعا فيها الشعوب إلى التقدم، واقتحام المصائب، وحضّهم على العلم والمعرفة، فبالعلم صنع الإنسان الطائرات والصواريخ وحلّق فوق الغمام. ما في التوقف من سلام فإلى الأمام إلى الأمام إن التوقفُ سُبة تزري بأنسال الكرام تصل العروبة للسعادة باعتزام إنا لفي عصر به يُقصي القعود عن المرام عصرُ به الإنسان طار مُحلقاً فوق الغمام عصر التدرع بالمعارف للدفاع عن الذمام يا شعبُ لا تنكص عن العقبات من دون اقتحام في النكص من حذر العِدي ذام يُعيبكَ أيّ ذام أما الرجال فنجحُها في فِعلها لا في الكلام وأجمل من شِعر شُعراء العراق كان شِعر الذين كتبوا عن العراق من دول أُخرى، ويجيء في مقدمتهم علي الجارم «1881 1949م » وقصيدته ذائعة الصيت «بغداد يا بلد الرشيد» بغداد يا بلد الرشيد ٭٭ ومنارة المجد التليد يا بسمة لما تزل ٭٭ زهراء في ثغر الخلود يا موطن الحب المقيم ٭٭ ومضرب المثل الشرود يا سطر مجد للعروبة ٭٭ خُطّ في لوح الوجود يا راية الإسلام و ٭٭ الإسلام خفاق البنود يا مغرب الأمل القديم ٭٭ ومشرق الأمل الجديد يا بنت دجلة قد ظمئ ٭٭ تُ لرشف مَبسمكِ البرود يا زهرة الصحراء رُدّي ٭٭ بهجة الدنيا وزيدي يا جنة الأحلام طال ٭٭ بقومنا عهد الرقود يا بُهرة المُلك الفسيح ٭٭ وصخرة المُلك الوطيد يا زورة تحي المُنى ٭٭ إن كنتِ صادقة فعودي بغدادُ يا دار النُهى ٭٭ والفن يا بيت القصيد نبتَ القريض على ضفافكِ ٭٭ بين أفنان الورود سَرقَ التدلل من عنان٭٭ والتفنن من وحيد يشدو وكأن لهاته ٭٭ شُدتْ على أوتارِ عود ثم يسأل في حزن وأسى بغداد عن شعرائها وسوق شعرها ومربدها بغداد أين البُحتري ٭٭ وأين أين ابن الوليد؟ ومجالس الشُعراء في ٭٭ بيت ابن يحيى والرشيد هذه القصائد العراقية المُعتقة في ذاك الزمان الباكر، جعلتني أهتم بالشعر العراقي الأصيل، وبعد تفتق ذهني واتساع مداركي في الشعر والنقد، بحثتُ عن تلكم الدُرر النادرة من الأشعار العراقية، وغصتُ في نهر دجلة الإبداعي، فوجدتُ قوافي كالأحجار الثمينة، وتعرّفتُ على شعراء أفذاذ تنكفئ لهم الأجراس والأزوان الموسيقية، فوقفتُ على منتوج الشاعر العربي الكبير محمد المهدي الجواهري «1899 1997م» وجميل صدقي الزهاوي والشاعرة الناقدة ورائدة مدارس التجديد الموجة القلقة نازك الملائكة «1923 2007 م»، صاحبة قصيدة الكوليرا، وفي العصر الحديث تعرفت على بساتين وحدائق الشاعر الثائر بدر شاكرالسَّيَّاب «1926 1964م» وعبد الوهاب البياتي «1926 1999م» وشاذلي طاقة «1923 1949م» وغيرهم من أصحاب الكلم الجميل.