تعودت صباح كل جمعة ان اقوم بصيانة دورية لكل المعدات والتوصيلات الكهربائية بالمنزل، واحتفظت ب «شنطة» تحوى كثيراً مما احتاجه من مفكات ومفاتيح وكماشات وحتى الشواكيش والمفتاج البلدي!! ومن صغرى أسعد بمثل تلك الاعمال، واذكر اننى كنت اقوم بعمل توصيلات كهربائية من الخيال فى جدران القطعة الملاصقة لدارنا بشندى، وتجدنى استخدم حجارة البطارية والفريد «أغطية الببسي» والمسامير، واقوم بعمل شبكة كاملة، ولا ينافسنى فى ذلك مهندسون مهرة، وكنت اصطحب فى ذلك شقيقى الاصغر «ياسر» عليه الرحمة، وانادى عليه وانتهره كما يفعل المعلمون الكبار مع صبيانهم «يا ولد مد لى مفتاح عشرة وزردية»!! ولم يتعد عمرنا آنذاك عشرة أعوام، ومن حينها اعشق «المعافرة والهبيش» فى الكهرباء، ولكن مع مرور الزمن ودخول الكبر وتشبث الإنسان بالحياة والحرص الزائد والخوف من الموت، لجأت أخيراً للاستعانة بعمال يقومون بما احتاج له في داري او بيت الحاجة الكبير.. واظل «اتشالق واتشوبر» لدرجة مضايقة احسها فى عيون الفنى الذى احضره، وفى بعض الاحيان اخرج للبحث عن عامل يكمل لى ما أريد من تغيير لمبات او أعمال سباكة او خلافه، واقرب مكان لتجمع العمالة بالنسبة لسكنى هو محطة المهداوى بشارع الوادى، فأجد مجموعة من الشباب يجلسون مجموعات، ويصلون لذلك المكان بعد العاشرة صباحاً!! ووقفت فى ذلك اليوم عند احدهم لأسأل عن عامل بعينه، ونفس العامل الذى أسأل عنه كان يجلس امام ست الشاى يتسامر ويحتسى كوب الشاى الحار، وأمامه صحن لقيمات!! انتظرنه حتى خلص وندهت عليه.. يا أخى انت ما شايفنى؟ فرد بفتور يا عمك لسع الدنيا صباح!! ورددت عليه: كيف صباح وزمن الصلاة قرَّب؟؟ طلب منى ان اذهب وسيلحق بى فى المنزل بعد قليل، وغادرت المكان وانا فى قمة الاستياء من هذه الطريقة الغريبة وهذا الكسل والخمول، وانتظرنه حتى حان موعد الصلاة ولم يصلنى وخرجت للصلاة، وانا اخرج من مسجد الرحمن بنفس المحطة شاهدته فى نفس المكان وبنفس الجلسة والطريقة، وتوجهت اليه غاضباً وقلت له: ما جيت مالك يا شاب؟ وبكل برود اجابنى: والله جاتنى شغلة فى بيت قريب مشيت عليها وطلعت مصاريفى، وقلت أفطر وأجيك بعد داك!! نظرت له بحرقة وغادرت الى سوق الرابعة بالشنقيطي، وكما هو الحال هناك مجموعة من الحدادين والكهربجية والسباكين جميعهم فى حالة فوران ونقاش حاد عن فوز المريخ بكأس سيكافا!! لم يكترثوا لحضورى ولم يتجاوبوا معى فى طلبى!! فالقضية عندهم أكبر واعظم من سعيهم للرزق.. رجعت الى دارى بخفى حنين وفى ذهنى شريط الذكريات لتلك الأيام السعيدة التى كنا فيها بدول المهجر، وبدأت أقارن بين تلك العمالة وهؤلاء الكسالى الذين تكتظ بهم التجمعات وميادين ومواقف المواصلات، وتجدهم فى المحطة الاسطى بأم درمان وتحت شجرة بحرى الشهيرة وامام سوق ستة وفى قلب العاصمة خلف ميدان ابو جنزير وفى ميدان المولد بالسجانة.. اعداد وشباب فى مقتبل العمر ليس فيهم مكسر او أعمى او معاق، بل جميعهم أصحاء مثل الحصان، ولكنه كسل وخمول وعدم رغبة فى الشغل تجعلك فى حالة إحباط، اما ما يلفت الانتباه أن بعضهم لا له علاقة بالصنعة التى يروج لإنجازها عبر أدوات العمل التي يضعها امامه، فتجد الواحد منهم يضع الجردل والفرشة والروول كأنه نقاش ماهر، ولكنه لا يجيد اى شيء ويتسبب لك فى خسارة بخلط الألوان بدون دراية، وتحضر معك أحدهم لتصليح ماسورة او خرطوش او مكيف، فيتلف لك الموجود ولا يصلح لك المقصود. فالقضية يا جماعة الخير هى قضية مهمة، فالعمالة عندنا فى السودان عمالة غير مسؤولة وتمارس كثيراً من الاتكالية والكسل وعدم تجويد الصنعة، والحكاية «مفكوكة» بلا رقيب او حسيب، ولا تجد جهات اشرافية تقوم بدور رقابى ودور تأهيلى لهؤلاء العمال، ونحن فى حاجة ماسة لكثير من تلك الصيانات، فالاستهلاك الذى يطول كل أجهزتنا الكهربائية او اجهزة التكييف والثلاجات والبوتجازات يحتم علينا القيام بكثير من المعالجات والترميمات، خاصة أن الحياة اصبحت صعبة، ومن الصعب ان نرمى او نستغنى عن تلك الاجهزة، لذا لا بد من ان نراقب اداء هؤلاء العمال، وان نفسح المجال للعمالة الأجنبية للدخول في سوق العمل السودانى لمثل هذه المهن، وبالتالى نكون قد ساهمنا فى ايجاد البديل الجاد النشط، وأشعلنا حماس هؤلاء فى وجود منافس يقوم بالدور على وجه المطلوب، وعلى الإخوة الصنايعية مراجعة انفسهم، فالكسل وعدم الرغبة فى الانجاز يحيط بسمعتكم، ويجب عليكم تطوير خبراتكم بكثير من التأهيل والتدريب والاستعانة بمن هم ادرى واعمق معرفة منكم فى كل المجالات والحرف التى تقومون بها، ودعونا نلجأ لكم برغبة كاملة ولا تجبرونا على أن نفتش الماضى و «نتشالق» وننجز ما نحتاجه دون احترافية طالما انكم عمالة سودانية يُرجى منها الكثير.