حتى أواخر ستينيات القرن الماضي كانت مكانة هذه المدارس الثانوية الثلاث في القمة. وقد أسسها جميعاً الاستعمار البريطاني أواخر الأربعينيات وأول الخمسينيات، وكان الجميع يتطلعون إلى الالتحاق بها، فقد كانت مدخلاً مضموناً لجامعة الخرطوم والكلية الحربية وغيرهما من المنشودات وفي النصف الأول من الستينيات حدثت طفرة معتبرة في التعليم الثانوي على يدي وزير التربية والتعليم في حكومة الفريق إبراهيم عبود وهو اللواء محمد طلعت فريد. فقد أنشئت مدارس ثانوية أخرى منها مدرستا كوستي وسنار وغيرهما، وقد تفوقت هذه المدارس أكثر من مرة على المدارس الثلاث الشهيرة طقت وحنتوب ووادي سيدنا. وأصبح غالبية طلاب هذه المدارس الثانوية التي أنشئت في الستينيات في زمن الفريق عبود يدخلون بكل جدارة جامعة الخرطوم، وفي دفعتنا مثلاً التي جلست لامتحان الشهادة الثانوية في مارس1970 بمدرسة كوستي الثانوية كان رابع وسابع السودان من مدرستنا هما محمد عبد الرحيم عبد العال وعبد الرحمن عثمان محمد، إضافة إلى العشرات الذين دخلوا جامعة الخرطوم. ثم تكرر المشهد وبصورة أجمل فى العام التالي، ففي امتحان الشهادة السودانية عام 1971م حصل على المركز الأول طالبان وكانا من مدرسة كوستي الثانوية هما عبد الله الصادق وأحمد عبد القادر ودخل معهما جامعة الخرطوم أيضاً عدد كبير من خريجي كوستي الثانوية. وكانت للمدارس الثانوية الأخرى التي أنشئت في عهد الفريق عبود، صولات وجولات فى امتحان الشهادة الثانوية، ولكن كان للمدارس الثانوية الثلاث التي أنشئت أيام الاستعمار التي هي طقت وحنتوب ووادي سيدنا، رنين وبريق ودوي إلى درجة أنني أذكر حرصي أيام كنت مقبلاً على الدراسة الثانوية عام 1966م على التقديم إلى مدارس وادي سيدنا وحنتوب ثم كوستي، ولم أفكر قط في أن أقدم لمدرسة خور طقت على جلالة قدرها، وكان السبب غريباً وهو أن المدرسة الكبيرة الشهيرة أي طقت الثانوية كانت بعيدة عن النيل. ومدرستا وادي سيدنا وحنتوب أقدم من مدرسة خور طقت، لكننا قدمناها عليهما لأن فكرة هذا العمود نبعت مما كتبه أخيراً البروفيسور محمد عبد الله الريح الذي تلقى تعليمه في طقت، وكان من المستجيبين لنداء إعادة مدرسة طقت إلى ما كانت عليه في أيامها الزاهيات، ونتمنى أن نوفق جميعاً في تحقيق ذلك وليست طقت وحدها، وإنما معها حنتوب ووادي سيدنا والأهلية والمؤتمر والخرطوم وود مدني وكوستي وسنار ونيالا والفاشر وعطبرة، فقد كانت كلها مدارس كبيرة محترمة قدمت للوطن الكثير الكثير.