يبدو أن مؤتمرات شورى حزب المؤتمر الوطني التي شارفت على نهاياتها اضحت منابر لتذكير القواعد بضرورة رفع سقف الاداء والاتقان في العمل الحزبي وتطوير نظام الشورى واعتماده كمنهج والدليل على ذلك التصريحات التي أطلقها ممثلو الحزب بضرورة محاسبة النفس قبل محاسبة الاجهزة. وتقويم النفس اذا خرجت عن الطريق ودعمها ان مضت في الطريق الصحيح، فالحزب بعد مرور ربع قرن على حكمه البلاد مواجه بجملة من التحديات والتعقيدات السياسية والاقتصادية، وكأن مؤتمرات الشورى هذه بمثابة احماء للانتخابات التي تفصلنا عنها شهور معدودة الامر الذي يتطلب ضرورة محاربة المتفلتين من قواعدها خاصة بعد قضايا الفساد التي خرجت للسطح وكثر الحديث عنها. فهناك من يرى أن الحزب غير راضٍ عن قواعده المنتشرة لحد الترهل والتفلتات المتكررة من بعض منسوبيه هنا وهناك بيد انه سعى اكثر من مرة الى تعديل لوائح الحزب في شأن المحاسبة والاعضاء وامكانية ضبط المتفلتين من قواعده. وتاريخيا ظلت الاحزاب السودانية بعيدة عن فقه محاسبة منتسبيها او ممارسة الفصل في حقهم الا بسقوطها تلقائيا عبر الدستور، فحزب الأمة طوال تاريخه الممتد لم يصدر قرار فصل لأي من أعضائه المتفلتين، وحتى الذين (فرزوا عيشتهم) وأسسوا أحزاباً خاصة بهم سقطت عضويتهم وفقاً لدستور الحزب ومنهم مبارك الفاضل وأحمد بابكر نهار وعبد الله مسار والزهاوي إبراهيم مالك وغيرهم، ولم يحلق حزب الاتحادي الأصل بعيداً عن سماء الامة فبرغم الانقسام الذي شهده وتشرذم إلى حوالى ستة أحزاب الا انه لم يقم بفصل أي من عضويته لمفارقة خط الحزب السياسي أو لوائحه، فربما الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي الأصل، يسيّران شؤونهما التنظيمية تحت فضاء لافتة الأحزاب التاريخية وفي هذا الفضاء العريض تتحرك محاسبة عضوية الحزب المتفلتة كما تصفها اللوائح وسط اتهامات بالمحسوبية في إجراءات المحاسبة داخل الأحزاب. لكن الثابت برغم الحديث عن المحاسبات العضوية الدائمة وحتى المحاسبات التي تمت في حق بعض العضوية في الاحزاب التاريخية تمت في حق نفر من باب حفظ الوجه وتأديب الأعضاء الذين يتجرأون على توجيه انتقادات لأداء الزعيم ويُؤخذ على اللجان أنها تحاول الانتصار لذات زعيم التنظيم وحفظ ماء وجهه الذي أُريق بسبب النقد. وفي العام 2002 نفد صبر حزب الأمة القومي الذي يتزعمه الصادق المهدي تجاه التصريحات التي أطلقها رئيس القطاع السياسي بالحزب مبارك الفاضل المهدي وقرر تجميد عضويته لمدة عام. وجاء القرار على خلفية مطالبة مبارك الفاضل بتجديد القيادة في حزب الأمة وتنحى الصادق المهدي عن مناصبه، بعد أن أمضى نحو أربعين سنة كرئيس للحزب وكذلك تم تجميد عضوية آدم مادبو لذات السبب. وقام الاتحادي الأصل بفصل علي محمود حسنين وإنذار التوم هجو. وبرغم الحديث الذي ساقته القيادية بالوطني سامية أحمد محمد بان الوطني انتهج لنفسه خط بعيد عن الاحزاب التاريخية بانتهاجه لمبدأ المحاسبة بقولها ان حزب المؤتمر الوطني لم ولن يكن حزباً فاسداً ومن الظلم ان يوصف حزبها السياسي بالفساد مشيرة الى انه في كل مجتمع هنالك من تحدثه نفسه الى ارتكاب أخطاء بجهل إداري او بسوء قصد مؤكدة ان كل من ادى اداءً جيداً سيذهب الى الامام وكل من تقاعس سيغادر موقعه وكل من أخطأ وأفسد فإن الأجهزة العدلية هي التي ستحاسبه. فيما يرى مراقبون أن هناك (خيار وفقوس) في محاسبة المتفلتين من القيادات بدليل ضلوع اسماء قيادات حزبية كبرى في قضايا فساد، ولم يتم محاسبتهم كما أن اللوائح الحزبية تحتاج الى التعديل لمن يشقون عصا الطاعة عن الحزب. وأقر مصدر مطلع بالوطني بوجود مخالفات من أعضاء، تتم معالجتها بالتحذير التنظيمي وتجميد العضوية أحياناً، والتوبيخ تارة أو منع الشخص من التصريح، وأشار إلى أن الإجراءات في الغالب تتم بعيداً عن أجهزة الإعلام ولكنها تحدث قطعاً. ويرى أن بعض الإجراءات غير المباشرة تتم في حق العضو كعزله من منصب رفيع كالوزارة أو الولاية. وأوضح المصدر أن شكل المحاسبة في الحزب يتم عبر لجنة بلوائح دستورية محددة، ونفى أن تكون هنالك محسوبية في الشأن التنظيمي لكنه قال إن الخطأ في بعض الاحيان يمكن تجاوزه وأحياناً يكون من الصعب تخطي فعل العضو دون محاسبة مما يبدو للناس أن هنالك تفرقة في الشأن المحاسبي. ومن أبرز الشخصيات التي أصدر الحزب احكام بفصلهم مؤسسي حركة الاصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين وحسن رزق وفضل الله احمد عبد الله فقد تم تكوين لجنة محاسبة برئاسة أحمد إبراهيم الطاهر، وتوصلت اللجنة إلى قرار بتجميد عضويتهم القيادات البارزة ثم أوصي مجددًا مجلس الشورى بفصلهم، فيما يرى المحلل السياسي بروف الساعوري أن من المفترض تكون هناك ضوابط لسلوك الأفراد والقيادات داخل الحزب مؤكدا أن وسائل الأعلام حمت تصريحات من الوطني بنيته محاسبة بعض المتفلتين وأعلن عن لائحة للمحاسبة سوف تطولهم وكذلك حدى حزب الأمة ذات الاتجاه ولكن لم ينفذ عقوبة المحاسبة غير حزب واحد، واقر الساعوري بوجود مبدأ المحاسبة داخل دساتير الأحزاب ولكنها بصورة عامة لم تثبت جدواها، موضحاً أن المحاسبة مرتبطة بنوع الجرم الذي ارتكبه العضو فيمكن أن تصل إلى مرحلة التوبيخ أو الإنذار أو الفصل إذا كان الجرم كبيراً أو الإقصاء إذا كان هناك صراع داخل بين أعضاء الحزب.