في إطروحة من إطروحاته قدم السيَّد الصادق المهدي إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة قراءة لواقع المنطقة من خلال النظر إلى تجربة الإسلاميين في السلطة في مصر والسودان وتونس وتركيا وأطلق على التجربة السودانية والتجربة المصرية اسم التجارب الطاردة فيما أثنى على التجربتين التركية والتونسية لكون التجربة التركية استطاعت التعايش مع العلمانية التي أسسها كمال أتاتورك والتجربة التونسية ممثلة في حركة النهضة التي يقودها راشد الغنوشي انصهرت في التعددية السياسية. وبالنظر إلى تجربة الحركة الإسلامية السودانية فإن الإمام الصادق المهدي قد حصرها في تجربة حكم الإنقاذ 1989م إلى الآن ولم يشر إلى ما حدث خلال العقد ونصف من الزمان من عهد الإنقاذ من تحولات وتبدلات بلغت درجة الانشقاق أو المفاصلة الشهيرة التي حدثت بين حزب المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي كما انه لم يشر إلى الحوار الذي يجري الآن وآلية 7+7 وإعلان أديس أبابا الأخير الذي وقعته آلية الحوار مع الوساطة الإفريقية بقيادة الرئيس الجنوب إفريقي الأسبق ثابو أمبيكي كما وقعت مع الوسيط الإفريقي الجبهة الثورية التي تتبنى إعلان باريس الذي وقعه معها الإمام الصادق المهدي لقد قصد السيد الصادق المهدي أن يتجاهل كل هذا الحراك وهو جزء منه ويقول إن المخرج للسودان في إعلان باريس وإعلان باريس وحده دون غيره من الجهود الوطنية في مجال الحوار الوطني... ومن نافلة القول بأن الحوار الذي يجري الآن هو إدراك لأهمية وضرورة التغيير والاستجابة لأجندة الحوار الوطني المتمثلة في وقف الحرب وتحقيق السلام وإصلاح الاقتصاد ووضع الدستور الدائم للبلاد وإصلاح العلاقات الخارجية والنظر في أمر الهوية وغيرها من القضايا المطروحة على طاولة الحوار الوطني. وكانت الدعوة للحوار من قبل رئيس الجمهورية وقبلت بالدعوة كافة القوى التي اتفقت على أن يكون الحوار مفتوحاً للجميع ولا يتم إقصاء جهة من الجهات أو حزب من الأحزاب أو حركة من الحركات، فالقول بأن الحركة الإسلامية السودانية قد اتخذت من الانقلاب العسكري سبيلاً للسلطة هي مقولة قديمة ومردود عليها من واقع الحال السودان الماضي والحاضر ونرجو أن لا يكون المستقبلي فلم تكن الحكرة الإسلامية بدعا في هذا الأمر فقد سلم حزب الأمة السلطة للفريق إبراهيم عبود وأتي الحزب الشيوعي السوداني بنظام جعفر نميري وكان حزب البعث في سباق للانقضاض على السلطة. وما ترتب على الانقلاب العسكري من استبداد وفشل في مجال الاقتصاد التي ذكرها السيد الصادق المهدي في توصيفه للحركة الإسلامية السودانية وكل هذه القضايا الآن قيد النظر من خلال الحوار الوطني الذي ربما أتى بمكاسب للسودان أفضل مما حققه الحوار التونسي لتونس حيث أقصى الفرقاء التونسيين حركة النهضة من الحكم ورفضوا السماح لها بإكمال الفترة التي قررها الدستور التونسي. ومن الممكن أن يؤدي الحوار السوداني إلى فترة انتقالية تتحقق فيها مكاسب وطنية أهمها وقف الحرب وتحقيق السلام والمساواة بين كافة القوى السياسية لبناء نظام ديمقراطي قائم على الحرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان.وبالنظر إلى التجربة الأخرى التي سماها الإمام الصادق المهدي بالتجربة الطاردة وهي تجربة الأخوان المسلمين في مصر فإن هذه التجربة لم يسقطها الشعب المصري ولكن الذي أسقطها هو انقلاب عسكري بقيادة وزير الدفاع وقائد الجيش المصري المشير عبد الفتاح السيسي الذي صار بموجب هذا الانقلاب رئيساً للبلاد والسيد الصادق المهدي لم يقم بإدانة هذا الانقلاب على الديمقراطية في مصر وهذا هو نهج الكيل بمكيالين الذي عرف به الإمام فهو يدين التجربة السودانية الإسلامية الإنقلابية لأن الذي وقع في حقه الانقلاب هو الإمام الصادق المهدي نفسه ولكنه لا يدين الانقلاب في حق الآخرين بل يشايع انقلاب السيسي في مصر وهو الأخطر لأنه جاء ضد حكومة منتخبة من قبل الشعب المصري وضد ثورة من ثورات الربيع العربي التي أطاحت بنظام دكتاتوري هو نظام حسني مبارك فالثورة المصرية والديمقراطية المصرية التي قضى عليها الانقلاب العسكري في مصر بلا شبهة ولكن الديمقراطية في السودان كانت فيها شبهة وهي مذكرة القوات المسلحة التي رفعها القائد العام الفريق فتحي أحمد علي وفض بموجبها ائتلاف حكومي كان يقوده الصادق المهدي رئيس الوزراء. أما كون المصريين انتخبوا رئيس خاضع للمرشد العام للأخوان المسلمين في إشارة للرئيس المصري المعزول الدكتور محمد مرسي فماذا لو انتخب الشعب السوداني رئيساً للسودان (من حزب الأمة) غير الإمام الصادق المهدي فهل يكون هذا الرئيس خاضع للإمام أم هو رئيس للسودان. وما علاقة الشعب المصري بالانقلاب على الديمقراطية حتى لو خرج في مسيرة ضد الرئيس المنتخب هل من أطاح بالرئيس مرسي هو الشعب المصري أم هو الانقلاب العسكري أم الاثنان معاً وأيهما المتآمر على الديمقراطية وعلى ثورة 30 يونيو في مصر هل هو الجنرال السيسي أم الشعب المصري المغلوب على أمره والذي خرج في خمسة استحقاقات انتخابية منذ نجاح ثورة الربيع العربي بهدف تثبيت دعائم النظام الديمقراطي ولكن كانت النتيجة هي انقلاب عسكري أعاد عقارب الساعة إلى الوراء عشرات المرات بل آلاف المرات.