الطفلتان (أشجان) خمس سنوات و(إشتياق) ثماني سنوات تعرضتا لواحدة من أفجع المخاطر والانتهاكات التي يمكن أن يتعرض لها أطفال، في مثل هذه الأعمار، ولعل قصة الطفلتين قد عمت الأرجاء وعلمها الداني والقاصي إلا أنها تظل قضية يرتكز محورها على معرفة مقاصد الشريعة والقانون والأعراف، وبالتالي فإن أزمة الطفلتين تعتبر أزمة معرفة وإدراك، فالطفلة أشجان زُفّت للزواج وهي في الخامسة من عمرها وقضت المحكمة ببطلان هذا الزواج إلا أن (إشتياق) تزوجت قبل ثلاث سنوات وأنجبت طفلة، فصارتا يحملان لقب أصغر زوجة وأصغر أم في السودان وقد تكون هذه الألقاب على مستوى العالم. إشتياق.. مأساة المخاض عقد مركز سيما لتدريب وحماية حقوق المرأة والطفل، شمعة مؤتمراً نوعياً، بمقر المجلس القومي لرعاية الطفولة والأمومة، واستضاف الطفلتان (أشجان) و(إشتياق)، بعد أن قضت المحاكم ببطلان (تزويجهما) وكان ذلك في سياق الاحتفال بيوم الطفل العالمي الذي جاء تحت شعار: (معاً من أجل انهاء العنف ضد الطفلات). وقالت والدة الطفلة إشتياق: أن ابنتها التي عانت من مشكلات صحية لا أول لها ولا آخر في الحمل والولادة، وأصيبت بتشنجات كادت تؤدي بحياتها ما أدخلها في نوبة غيبوبة استمرت (17) يوماً متواصلة، بجانب عذابها الروحي الذي استدعى خضوعها لجسات علاج نفساني لدى المختصين. وأضافت: (طفلتي إشتياق، فشلت في إرضاع طفلتها (أمل)، لأنها تعتقد بأن رضيعتها ستعضّها في ثديها)! وتداركت الأم الكبيرة مأساتها وقالت: (إشتياق بتّي عايزة تكمل تعليمها وتصل أعلى المناصب)، لكنها لم تبرر كيف تم زواج صغيرتها، أمّا الطفلة أشجان، وهي أيضاً في الثامنة من عمرها، تمّ إبطال (تزويجها) وهي في الخامسة من عمرها لرجل أربعيني، بقرار قضائي، لأن الزوج.. (تراجع عن الاتفاق الذي أبرم بينه وبين عائلتها والذي يقضي بتسليمها إليه عند بلوغها 15 سنة)! ربما للدفاع عن (مظلمتها) المتراكمة، رأت أشجان أن تدرس المحاماة في مقبل أيامها الخضراء، أو كما قالت. مطالبة بالتجريم من جهتها دعت مديرة (مركز سيما)، أ. ناهد جبر الله، لاطلاق حملة (واضحة ومحددة) للقضاء على زواج القاصرات. وأشارت إلى أن الأمر لا يحتمل (المماطلة) من المشرعّين القانونيين، ورأت أن الحل لا يقتصر على رفع سن الزواج، بل المضي قدماً في تجريم زواج الطفلات، ولفتت إلى عدم وجود أية عقوبات قانونية تطال المأذون والأب والزوج وأطراف الزواج كافة. ونوّهت ناهد، إلى ما أسمته ب (التهيّب) الذي يلازم فتح باب النقاش حول زواج القاصرات، وألقت باللوم على ما رأته (تقصيراً من الدولة والمجتمع ومنظمات المجتمع المدني)، وأكدت على خصوصية ضحايا العنف، وقالت: (نحن لا نستبيح كشف المعلومات وصور الضحايا، وقرار عرض الصور جاء وفقاً لتوصية من الاختصاصيين النفسانيين والاجتماعيين والنشطاء القانونيين، والقضية لا تحمل أية وصمة اجتماعية تجاه الضحايا، وقرارنا بنشر الصور لا يهدف للمتاجرة والشهرة، بل حماية لطفلات أخريات، قد يرميهن حظهن العاثر في ذات المصير). توعية المجتمع من جانبها طالبت رئيس لجنة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل د. عطيات مصطفى، بتطبيق المواد القانونية بقانون الطفل، وتوعية المجتمعات بمثل هذه القضايا، مؤكدة على دور الإعلام والتعليم في التوعية بالقضايا ذات الصلة، مشيرة إلى أن قضية الطفلة (إشتياق)، دليل على الجهل المتفشي في بعض المجتمعات، داعية للتوسع في تعليم البنات، مؤكدة على أهمية تحديد سن الزواج، لافتة لحاجة القوانين المحلية للدراسة والموائمة مع القوانين الدولية التي صادق عليها السودان. وشددت د. عطيات، على رفع المستوى الاقتصادي للأسر، وقالت ان الفقر يشكل واحدة من دوافع زواج الطفلات. في السياق أشارت محامي الدفاع في قضية الطفلة أشجان المحامية إيمان المك، على تعدد حالات زواج القاصرات، غير أنها لا تصل للمنافذ القانونية. وأضافت: (لا يمكن تطوير القانون، دون الارتقاء بوعي المجتمع، ولا توجد في القانون سابقة واحدة يستند إليها عن زواج القاصرات).