حققت القوى العلمانية انتصاراً في الانتخابات البرلمانية التونسية على الإسلاميين الذين تقبلوا الهزيمة بصدر رحب، ويعتقد رئيس موقع وإذاعة القسم العربي في «دويتشه فيله» راينر زوليش أن تونس تقدم بذلك نموذجاً واعداً تفتقر إليه حالياً دول أخرى في المنطقة العربية المضطربة. تبدو الصورة مفزعة بعد مرور نحو أربعة أعوام على ما عرف ب«الربيع العربي» فإرهاب تنظيم الدولة. صدقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عندما وصفت هذا البلد الصغير ب«بقعة الضوء» في المنطقة. فتونس كانت نواة موجة الثورات العربية، وهي الآن البلد الوحيد في المنطقة الذي يسير بخطى ثابتة على طريق تحقيق الديمقراطية ودولة القانون، ويتجلى التقدم الذي تحرزه تونس من خلال السلاسة التي ميزت مسار الانتخابات التشريعية والمشاركة القوية للمواطنين فيها، رغم التخوفات من وقوع هجمات إرهابية، وهو أمر لا يمكن معه سوى تقديم التهنئة للتونسيين. تعاني تونس من غياب الآفاق الاقتصادية كما أن معدلات البطالة بها مرتفعة، علاوة على المشكلات المرتبطة بقيادات من النظام القديم وبالأطياف المختلفة للإسلاميين أيضاً، لكن الطبقة السياسية عرفت حتى الآن كيف تحل هذا الكم الكبير من الصراعات بطريقة سلمية من خلال أكبر قدر ممكن من التوافق. فعلى العكس من النموذج المصري الذي تم فيه إسقاط الاخوان من السلطة بطريقة عنيفة، نجد أن العناصر الإسلامية المعتدلة في تونس والقوى العلمانية تعاونت سوياً بطريقة مثالية بهدف حماية البلد من الانقسام بسبب الصراعات السياسية أوعدم العودة به بعشرات السنين الى الوراء. النتائج الأولية وردود الأفعال على الانتخابات تعزز الآمال بشأن استكمال تونس لهذا النهج. وتشير النتائج إلى فوز «نداء تونس» الذي يتعاون فيه ممثلو النظام السابق سياسياً مع قوى علمانية أخرى. أما حزب النهضة فحل هذه المرة في المركز الثاني. الحزب المحسوب على الإخوان المسلمين تقبل الهزيمة على الفور، كما هنأ الفائز وهو أمر يشير لقدر من الحكمة والثقافة السياسية التي يفتقدها المرء في دول أخرى بالمنطقة في الوقت الراهن. ثمة سيناريوهات مختلفة لمستقبل تونس كما أن الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها الشهر المقبل قد تغير من التوازنات السياسية. إلا أنه من الواضح أن حزب «نداء تونس» سيضطر لتشكيل ائتلاف إما مع الإسلاميين المعتدلين في حزب النهضة أومع أحزاب علمانية صغيرة أخرى، إن تجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي تواجهها تونس هي مسألة مهمة لمستقبل هذا البلد، غير أن العمل على الاستمرار في دمج الإسلاميين في العملية السياسية في البلاد والحيلولة دون حدوث تطرف لديهم من الداخل، هي أيضاً مسألة ليست أقل أهمية، وهذا بالضبط نواة «التجربة التونسية».