المشروع الأمريكي عن الوصاية الدولية على دولة الجنوب الشقيقة، بإعادة العمل ب«اتفاقية مجلس الوصاية» للعمل من جديد بعد إنهاء مهامه وحله عام 1994م يدعوني - مجدداً- للتنبيه لما سيعنيه فرض الوصاية على دولة جنوب السودان المستقلة حديثاً إذا تمت، من تهديد مباشر لوطننا السودان - حسب تحليلي المتواضع لمحاولة فهم الهدف السياسي الإستراتيجى لمماطلات رئيس وفد «قطاع الشمال» ياسر عرمان في المفاوضات مع وفد الحكومة الذي يريدها مقتصرة على المنطقتين «جنوب كردفان والنيل الأزرق»، بينما يصر رئيس وفد القطاع عليها شاملة لقضايا السودان، أو «ضم دارفور» إلى المفاوضات -، بمخالفة متعمدة منه لإفشال مفاوضات الجولة السابعة بالقفز أو التنكر لكل ما تم الاتفاق عليه في «6» جولات سابقة للتفاوض، وفي الجولة السابعة الأخيرة - فيما جاء في الأخبار- تعمد ياسر عرمان كعادته في كل جولة مفاوضات، وخاصة الأخيرة «التشويش» على الرئيس ثابو أمبيكي، كما تأكد-حسب نتائج أعرب عنها محللون سياسيون تابعوا سير مفاوضات الجولة السابعة، أن ياسر عرمان لا يفاوض من أجل السلام، فله أجندته التى تملي عليه من فريق المستشارين الأمريكيين الذين لا يغادرون أديس أبابا إلا بعد أن تنتهي المفاوضات إلى هدفهم، وهو الفشل، فقد منع هذا الفريق الأمريكي ياسر عرمان من التوقيع على اتفاق إطاري مع وفد المفاوضات الحكومي، ووراء فشل المفاوضات هدف أمريكي سياسي إستراتيجي تم التمهيد له بالفعل بمشروع القرار الأمريكي أمام مجلس الأمن الذي يدعو لوضع دولة جنوب السودان تحت وصاية الأممالمتحدة لمدة عامين، بدعوى حمل حكومة جوبا ومعارضيها على وقف الحرب بينهما، فاجأ ياسر عرمان وفد الحكومة ومواطني جنوب كردفان والنيل الأزرق بمطالبته ب« الحكم الذاتي، وهو مطلب أيدته وطالبته به واشنطن للمنطقتين» وبالطبع فإن التأييد الأمريكي للمطلب الذي أعلنه ياسر عرمان، يؤكد أنه يفاوض الحكومة السودانية بالوكالة عن الأجندة الأمريكية المتعلقة بمصير للسودان كله! لنا مثل سوداني حكيم يقول: «كلام قصير ما بتسمع»! ويمكن عقلاً ومنطقاً في ضوء السياسة الأمريكية الشديدة العداء والكيد للسودان فهم الوصاية على الجنوب أنها تنطوي على تهديد للسودان بوصاية دولية مماثلة على المنطقتين وربما على دارفور. ما دعاني لقراءة ما عبر عنه وكيل وزارة الخارجية السفير عبد الله أزرق يوم الجمعة 28/ محرم/1436ه- 25/ نوفمبر/2014م أمام السفراء المعتمدين لدى السودان، وكذلك المنظمات العاملة في السودان من «أن شيئاً ما يدبر ضد السودان في مجلس الأمن» على أنه يوافق ما ذهبت إليه من تنبيه سابق لما يمكن أن تدبره السياسة الأمريكية ضد السودان لتفتيته بصنع جنوب آخر، كما قال ياسر عرمان بذلك في أكثر من تصريح صحفي، وأقول الآن حكمة المثل السوداني القديم «كلام قصير ما بيسمع» لأن ما قلته في ذلك المقال: «لم يكن من قبيل الهواجس السياسية» ولكنه - وبدون إدعاء - كان قراءة متأنية ذات مرجعية سياسية وإعلامية لتاريخ السياسة الأمريكية الكيدية التي لم تهدأ ضد السودان لتركيع حكومته ذات التوجه الإسلامي، أو إزالتها من الحكم، خصوصاً في زمن الحملات السياسية والإعلامية والأمنية على الإسلام والمسلمين دون تفريق بين أبرياء ومتطرفين. ولفشلها في التركيع أو الإزالة لجأت واشنطن إلى إحياء «اتفاقية مجلس الوصاية الدولية على دول مستقلة وذات سيادة وطنية، ودون اعتبار لهذه السيادة بدعوى تحقيق الأمن والسلام للعمل من جديد بالقفز على قرار مجلس الأمن الدولي الصادر عام 1994م بإنهاء مهام هذا المجلس بعد أن تم تحقيق الاستقلال للكيانات الإقليمية السبعة التي كانت تحت إدارته، حين أوصى أمين عام الأممالمتحدة الأسبق المصري الدكتور بطرس غالي في أواخر عام 1994م بإنهاء العمل باتفاق إنشاء مجلس الوصاية بعد تنفيذ آخرالوصايات الإحدى عشرة الأصلية وهي عن: إقليم جزر المحيط الهادئ المشمول بالوصاية «بالاو»، الذى كانت تديره الولاياتالمتحدة، وقد حصلت جميع الأقاليم المشمولة بالوصاية على الحكم الذاتي أو الاستقلال، إما كدولة منفصلة أو بالانضمام إلى بلدان مجاورة مستقلة».