ما من أحد إلا وينتسب الى قبيلة، وما من قبيلة الا وتنتمى الى شعب. وهكذا نسق الحياة الاجتماعية الذي اراده الله تعالى، واشار اليه في قوله عز وجل: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» الحجرات الآية «13»، والمقصود بالتعارف في الآية هو التمييز بين الشعوب كل شعب باسمه، كالشعب الأفغاني والشعب الطلياني، والتمييز بين الناس بقبائلهم، فلو تكلم متكلم عن «محمد» ولم يعرف من هو محمد، لوجود اكثر من شخص يحمل هذا الاسم، ثم قال لهم «محمد الحساني» لتعرفوا على الشخص المقصود. إذن فالشعب والقبيلة هما معلمان لتحديد الاشخاص ليس إلا. وكعادة البشر في اساءة استخدام الاشياء، فقد اساءوا استخدام القبيلة التي هي موضوع حديثنا. فمن الناس من يسير على هوى قبيلته في الحق والباطل، لاغياً بذلك شخصيته التي يجب أن تتحرى الحق والصواب لتكون معه، ويلخص هذا المذهب الخاطئ الشاعر الجاهلي دريد بن الصمة بقوله: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد ومنهم من جعل القبيلة سبباً للاستعلاء العرقي، وهو ما ابطله الاسلام بنص قرآني «إن أكرمكم عند الله اتقاكم» «الحجرات - آية 13»، وقدم اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الأنموذج العملي لهذا المفهوم الجديد على العالم، ففي لحظة شجار بين ابي ذر الغفاري وبلال الحبشي، تسربت الى نفس الاول روح الازدراء العرقي للثاني، فخاطبه بلفظ «يا ابن السوداء»، ولأن العبارات العنصرية لم تكن موجودة في قاموس الصحابة، فقد طارت هذه الكلمة حتى وصلت مسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فعاتب ابا ذر قائلاً: «أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية» ولم يجد ابو ذر ما يكفر به عن زلة لسانه إلا أن يضع خده على الأرض، ويطلب من بلال ان يطأ برجله على خده الآخر!! وسيدة عظيمة من أشرف نساء قريش هي هالة اخت أغنى اغنياء قريش عبد الرحمن بن عوف، قدمت درساً لادعياء الاستعلاء العرقي بزواجها من بلال الحبشي المعتوق من الرق!! ويحفظ التاريخ حروباً نشبت بين القبائل لأسباب تافهة، وتطاولت لعقود بأمر العصبية القبلية وبدعوى الاخذ بالثأر الذي هو دائرة مغلقة لا نهاية لها. وبعد أن طوى التاريخ صفحة حروب قبلية كحرب البسوس بين قبيلتي بكر وتغلب، واختها داحس والغبراء بين عيسى وذبيان، إذا بنا في السودان نسترجع تلك الصفحة القاتمة من التاريخ، ونبدأ باستنساخ تلك الحروب ولكن بالأسلحة النارية بدلا من السيوف. فيا ليت العقلاء يهبوا لإخماد نار الفتن التي تتقد بين القبائل، ويا ليت المتقاتلين يسألون انفسهم عن ماذا كسبوا من الاقتتال؟ هل الثأر لاحبائهم الذين قتلوا يعيد لهم الحياة؟ ام يجعلهم سعداء في قبورهم؟ وثالثة الأثافي أن القبلية باتت تهدد الامن القومي، فالولاء للقبيلة اصبح مقدماً على الولاء للوطن، والولاة يستقوون بقبائلهم، وهو ما كان سيحدث شرخاً في النسيج الاجتماعي، فكانت النتيجة ردة مفاجئة عن النظام الاتحادي والعودة الى تعيين الولاة. والقبلية الجانية على الفدرالية سببها خلل في الحزب الحاكم الذي سمح لها بالتغلل داخل مفاصله، فالولاة الذين أساءوا ممارسة الحكم الفدرالي ينتمون إلى المؤتمر الوطني، فيجب على الحزب كنس العصبية القبلية من داخله، ثم اعادة النظام الفدرالي لأنه الانسب لحكم السودان. وأخيراً دعونا نستمسك بالوطنية وننبذ العصبية القبلية، ولننشد مع الشاعر مصطفى التني: نحن للقومية النبيلة ما بندور عصبية القبيلة تربي فينا ضغائن وبيلة تزيد مصائب الوطن العزيز ومع إبراهيم العبادي جعلي ودنقلاي وشايقي ايش فايداني غير خلاف خلت أخوي عاداني نبقى أولاد رجل يسري نبانا للبعيد والداني يكفي النيل ابونا والجنس سوداني