وصلني فيديو بالواتساب يظهر فيه شيخ مصري اسمه خالد الجندي يتحدث عن الخمر وتحريمها وتحليلها، ومن الحديث الذي نطق به أيقنت أن علم خالد الجندي بالدين لا يتعدى علم نادية الجندي في هذه الباب، وإليكم بعض أقواله: قال: «إن الحرام هو السكر وليس الخمر نفسها!!!»، وهذا ما دلني على جهل الرجل وفساد عقله وضعف فهمه للألفاظ ومعانيها المعجمية والشرعية، فلفظة خمر في المعجم تدل على الشراب المُسكِر، جاء في لسان العرب لابن منظور: «خامَرَ الشيءَ: قَارَبَهُ وَخَالَطَهُ؛ وَرَجُلٌ خَمِرٌ: خَالَطَهُ دَاءٌ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: أَحارِ بْنَ عَمْرٍو كأَنِّي خَمِرْ، ... ويَعْدُو عَلَى المَرْءِ مَا يأْتَمِرْ وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِي خَامَرَهُ الدَّاءُ. رَجُلٌ خَمِرٌ أَي مُخامَرٌ والخَمْرُ: مَا أَسْكَرَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ لأَنها خَامَرَتِ الْعَقْلَ، وَسُمِّيَتِ الْخَمْرُ خَمْرًا لأَنها تُرِكَتْ فاخْتَمَرَتْ، واخْتِمارُها تَغَيُّرُ رِيحِهَا؛ وَيُقَالُ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ. وَرَوَى الأَصمعي عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: لَقِيتُ أَعرابياً فَقُلْتُ: مَا مَعَكَ؟ قَالَ: خَمْرٌ. والخَمْرُ: مَا خَمَر العَقْلَ، وَهُوَ الْمُسْكِرُ مِنَ الشَّرَابِ، ففي هذه المعاني لكلمة الخمر دلالة على إضعاف العقل والصحة، خاصة دلالتها على الداء في بيت امرئ القيس الذي استشهد به ابن منظور، ومنها دلالة الكلمة على المشروب الذي يذهب العقل، فإن كان المحرم السُّكر، فإن مسببه حرام. قال خالد الجندي إنه لم يجد نصاً يحرم الخمر، مستدلاً بلفظة «اجتنبوه» التي جاءت في آية تحريم الخمر، «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ». وقد فسر أصحاب العلم هذه الآية تفسيراً واضحاً مستصحبين الجوانب اللغوية بذكر دلالة كلمة «اجتنبوه» التي تعني التحريم المطلق للخمر، فقد فسرها الطبري في كتابه «جامع البيان» بقوله: «اجتنبوه»، يقول: فاتركوه وارفضوه ولا تعملوه لعلكم تفلحون»، يقول: لكي تنجَحُوا فتدركوا الفلاحَ عند ربكم بترككم ذلك». وفسرها الزمخشري في كتابه «الكشاف» بقوله: «أكد تحريم الخمر والميسر وجوهاً من التأكيد، منها تصدير الجملة بإنما، ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام «شارب الخمر كعابد الوثن» فالاجتناب هنا تعني الترك والإقلاع، وهو المعنى الذي جهله خالد الجندي، والحديث الذي استدل به الزمخشري على حرمة الخمر وتشبيه شاربها بعابد الوثن جاء في كتب الأحاديث الصحاح بروايات عديدة منها رواية الإمام أحمد في مسنده «حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُدْمِنُ الْخَمْرِ إِنْ مَاتَ، لَقِيَ اللهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ». ومن عجائب جهالة خالد الجندي أنه أنكر الحديث الشريف «لعن الله الخمر....» وضعَّفه، وفي كتب الأحاديث الصحاح رد شاف على جهالة هذه الرجل، فقد جاء الحديث في مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة وسنن أبي داود، وسنن الترمذي بروايات مختلفة لكنها تدل على معنى واحد وهذه رواية الترمذي «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالمُشْتَرِي لَهَا، وَالمُشْتَرَاةُ لَهُ». ثم إن الإسلام حرم تجارة الخمر بحديث شريف جاء في صحيح البخاري «حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي الرِّبَا، «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المَسْجِدِ فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَرَّمَ تِجَارَةَ الخَمْرِ». ادعى شيخ الجهلاء الجندي أن القليل من الخمر ليس حراماً إذا لم يُسْكِر شاربَه!! والرد على هذا الادعاء يكون بالحديث الشريف الذي يحفظه كل مسلم، ونص الحديث مذكور في مسند أحمد وسنن النسائي وسنن ابن ماجة، والمعجم الكبير للطبراني، وسنن البيهقي، وكتب أخرى «حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: » مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ». وفي صحيح البخاري حديث يدل على أن الإسلام أمر بالتخلص من الخمر وإبادتها وتخليص المجتمع الإنساني منها ونص الحديث «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلاَ إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ.....». وجهل خالد الجندي أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخمر من نواقض الإيمان، فقد جاء في الصحيحين «البخاري ومسلم»: «حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»، وَعَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ «إِلَّا النُّهْبَةَ». وجاء في صحيح البخاري أيضاً ما يدل على خطورة الخمر، وهو من أحاديث الإسراء والمعراج، وفيه دلالة على تقبيح الخمر وتحريمها على الناس تحريماً سماوياً، لما فيها من أسباب الضلال لتغييبها العقل، ونص الحديث في البخاري «حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: «لَقِيتُ مُوسَى، قَالَ: فَنَعَتَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، قَالَ: وَلَقِيتُ عِيسَى فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ يَعْنِي الحَمَّامَ ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ، قَالَ: وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ، أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ». ثم أفرط الجاهل خالد الجندي في جرأته على الدين فادعي أن الإسلام لم يضع عقوبة على شارب الخمر، ولكنه لو قرأ الأحاديث الواردة في هذا الشأن لعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، أقام حداً على شارب الخمر ومثله فعل أبوبكر الصديق رضي الله عنه، وذلك بنص الحديث الذي جاء في صحيح البخاري: بروايتين: الأولى: «حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كُنَّا بِحِمْصَ فَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ سُورَةَ يُوسُفَ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ، قَالَ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَحْسَنْتَ» وَوَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الخَمْرِ، فَقَالَ: أَتَجْمَعُ أَنْ تُكَذِّبَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَتَشْرَبَ الخَمْرَ فَضَرَبَهُ الحَدَّ» والثانية تحدد العقوبة تحديداً دقيقاً: «حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فِي الخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ». وهذا هو الحد الذي يطبق على شارب الخمر اليوم في كثير من البلاد الإسلامية. العجب شياخة خالد الجندي، والعجب الأكبر ممن يدعونه شيخاً وهو يجهل هذه النصوص جميعاً، وهي نصوص تدل على حرمة الخمر ومعاقبة شاربها، وهو بجهله هذه يرد على الله ورسوله والعياذ بالله وينقض أحكاماً دينية معلومة بالضرورة. إن من يشرب الخمر ويقر بحرمتها أفضل من خالد الجندي الذي يحلل شربها ما دامت لم تُسْكِرْ، فهل سمعتم أن رجلاً سكر بالماء أو اللبن أو غيره من المشروبات؟! ********* نادرة في الخمر تشبه فهم خالد الجندي للدين، جاءت في كتاب التذكرة الحمدونية لابن حمدون «اجتمع محدث ونصراني في سفينة، فصب النصراني من ركوة كانت معه في مشربه، وشرب، وصب فيها وعرضها على المحدث، فتناولها من غير فكر ولا مبالاة، فقال النصراني: جعلت فداك، إنما هو خمر، فقال: من أين علمت أنها خمر؟ قال: اشتراها غلامي من يهودي وحلف أنها خمر. فشربها بالعجلة وقال للنصراني: أنت أحمق؛ نحن أصحاب الحديث نضعف سفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، أفنصدق نصرانياً عن غلامه عن يهودي؟ والله ما شربتها إلا لضعف الإسناد».