منذ انفصال الجنوب في 2011 وفقاً لاتفاقية نيفاشا الشهيرة ظلت الاتهامات المتبادلة بشأن دعم وإيواء الحركات المسلحة هي اللغة السائدة بين الدولتين، فبينما ترى جوبا بان الحكومة السودانية تدعم قوات المتمردين ضدها في اشارة الى قوات المتمرد ديفيد ياو ياو التي تخوض حرباً ضد جوبا في ولايات جونقلي وقوات المتمرد رياك مشار، تجزم الخرطوم بدعم الاخرى للجبهة الثورية التي تضم في داخلها حركات دارفور وقطاع الشمال بالحركة الشعبية، حيث لم تتمكن الحكومتان من خلال مفاوضات السلام برعاية الاتحاد الإفريقي من الوصول لاتفاق سلمي بشأن الأجزاء المتنازع عليها من الحدود التي يبلغ طولها «1800» كيلومتر برغم وانه سبق وأن وقع الطرفان على اتفاقية أمنية هدفت إلى تفادي نشوب صراع مسلح بين الجانبين، ونصت الاتفاقية على ضرورة احترام كل منهما لسيادة الآخر ووحدة أراضيه وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ورفض استخدام القوة والمصالح المشتركة والتعايش السلمي، ولكن حكومة الجنوب ظلت على الدوام تعمل على دعم المتمردين بحسب تقارير ووثائق تحصلت عليها الخارجية السودانية، كشفت تورطها في دعم حركات دارفور والحركة الشعبية قطاع الشمال وتمثل الدعم في الأسلحة الثقيلة ومضادات الطائرات اضافة الى الدعم المالي والتكتيكي بجهة أن بعض المنظمات العالمية المحت الى تلك العلاقة الخفية، والتي ظلت جوبا تتعامل معها كهدف استراتيجي فقد قامت بالتعاون مع يوغندا بتوحيد الحركات المسلحة لحركات دارفور وقطاع الشمال تحت مسمى الجبهة الثورية وتقديم الدعم اللوجستي والتدريب وتوفير المتحركات والسلاح، وفتحت معسكراتها لحركة العدل والمساواة في مناطق بحر الغزال وغرب الاستوائية في عدد من المعسكرات وتدريب أفرادها وتسليح قواتها ودفعهم الى مناطق دارفور ومساندة قوات الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الازرق، ولم تكتف دولة الجنوب بذلك بل قام جيشها بحملات واسعة للتجنيد واستقطاب عناصر من قبائل الزغاوة والمساليت حيث انضمت آنذاك مجموعة منشقة من حزب التحرير والعدالة التجاني السيسي الى قوات حركة العدل والمساواة، وبالامس القريب تصاعدت وتيرة الاتهامات مجدداً على اعقاب انهيار المفاوضات في جولتها التاسعة بسبب الزج بقضايا بعيدة عن قضايا المنطقتين، حيث حذر جهاز الامن من أي تحركات عدائية من أراضي دولة الجنوب قائلاً إن أي توغل من جانب قوات المتمردين سيتم التعامل معه على أنه اعتداء من جانب جوبا معتبراً دعمها للتمرد زعزعة لاستقرار البلاد وطالبها بسحب السلاح من الحركات. وليست هي المرة الاولى التي ترسل الحكومة تحذيراتها الى جوبا فقد سبق وأن طالبتها الحكومة اكثر من مرة بإبعاد حركات دارفور من اراضيها بهدف الحفاظ على علاقات البلدين، بعد تكرار شن الثورية هجمات على الاراضي الحدودية، وشكلت قضية فك الارتباط واحدة من القضايا الجوهرية التي عملت الحكومة على ربطها بالمفاوضات حيث لم تتمكن اللجنة المشتركة بين البلدين والخاصة بترسيم الحدود في اجتماعها الاخير من الاتّفاق على النقاط الجوهريّة في ما يتّصل بترسيم الحدود وتحديد المنطقة الصفرية ونقاط العبور، التي تحرص الخرطوم على تحديدها، وسبق أن ربطت تنفيذ اتفاقيات التعاون التسع بها باعتبارها تشكّل قضيّة رئيسيّة في مراقبة الحدود والحدّ من تحرّك المتمردين وانطلاقهم من جوبا بجهة أن الحكومة ظلت على الدوام تتهم جوبا بالمماطلة في تنفيذ ذلك البند، فيما أكّدت اللجنة الخلاف على ترسيم «80%» من الحدود بين البلدين فضلاً عن وجود خلافات على ترسيم خمس مناطق,وبحسب محللين فان تهديد الخرطوم بملاحقة المتمردين داخل أراضي الجنوب ربما يُعدّ تمهيداً لتنفيذ عمليات عسكريّة داخل العمق الجنوبي عبر استغلال الوضع الهشّ موضحين أن الخرطوم تعتقد أنّ أيّ تحوّل سيتمّ في الجنوب خلال الفترة المقبلة من شأنه أن يصعّب مهمتها، لافتين إلى أنّها تخشى أن تعمل جوبا بعد تسوية الحرب هناك إلى الاحتفاظ بالحركات المسلحة كورقة ضغط عليها مشيرين الى أن تلك التصريحات قد تضع الخرطوم في مواجهة مع المجتمع الدولي لا سيما وان الاعتداء على أراضي دولة أخرى يُصنّف دولياً بمثابة عدوان , فيما يرى الخبير الامني حسن بيومي في حديثه ل«الإنتباهة»، أن كل القراءة بعد انفصال الجنوب كانت تشير الى امكانية اندلاع حرب اهلية في الجنوب وعزا ذلك للنزعه القبلية المنتشره في الجنوب، اضافة لكثرة المليشيات وتوفر السلاح، وقال بيومي ان سلفاكير منذ استلامه زمام الامور في الجنوب صرح بعدم تخليه عن قطاع الشمال مشيراً الى تكوين الثورية والذي لعبت جوبا دوراً كبيراً في تكوينها ونبه بيومي الى ان جوبا اضحت دولة مستقلة وذات سيادة، لذلك من الصعب الاستهزاء بامكانياتها وقدراتها العسكرية وقال يمكن ان يحتل السودان جوبا ولكنها قد تستعين بدول ليست للسودان القدرة على مواجهتها، لذلك يجب أن يدير القائمون بالامر القضايا بشيء من الاستراتيجية، ولكنه عاد وقال قد لا تستطيع جوبا الالتزام بالاتفاقيات لقلة خبرتها في الحكم، ولذلك من الصعوبة بمكان طلب منها اكثر مما يجب . الاتهامات بين الدولتين ظلت ديدن الحكومات فهل تفلح الاتفاقيات في كبح جماح الحركات؟.