السودان كغيره من الأمم يعيش في ظل أوضاع عالمية سريعة الإيقاع. وقد انعكس ذلك في الكم والكيفية التي واجهنا بها قضايا التعليم العالي التي برزت إلى السطح نتاجاً حتمي لمجابهات المتطلبات الحضارية اليوم. وقد تمحورت هذه المعضلات في خطين أساسيين: 1/ إما أن نظم التعليم الجامعي القديمة لم تعد قادرة على توظيف التعليم العالي في جميع الدول وليس في السودان وحده توظيفاً يستوعب هموم العصر، مما جعل الدول تتجه إلى البحث عن استراتيجيات مرنة لها القدرة الذاتية الكافية على إحداث التغيرات المتطلبة وامتصاص احتمالات المستقبل بشكل فاعل وفقاً لما ذكره الدكتور الفين توفلر «1981م» في كتابه «صدمة المستقبل» قائلاً: «إن الذين يدفعون بأولادهم للمدارس فإنهم يفعلون ذلك بدافع أن يجدوا مكاناً لأولادهم في المستقبل... ويجب علينا طبقاً لذلك أن نحدد أهدافنا واستراتيجيتنا من منظور يلائم المستقبل ويأخذه في اعتباره»، وقد شكل ذلك المستقبل الهاجس الكبير للمخططين التربويين. 2/ وإما أن التعليم الجامعي نفسه استناداً على الفلسفات القديمة تحول إلى عنق زجاجة لا يتسع للأعداد الهائلة من الطلاب الناجحين الذين يفشلون في الحصول على أماكن وسط ذلك «الماراثون» الثقافي الهائل الذي يقام سنوياً قبل الدخول للجامعات. وقد انحصرت معظم الدراسات التي أجريت في معالجة المشكل الأول، وذلك برسم أهداف جديدة للتعليم الجامعي، ومحاولة ربط التعليم بخطط التنمية القومية في سبيل استخلاص مبرر اقتصادي للتعليم الجامعي، في وقت ارتفعت فيه تكلفة البرامج الدراسية الإجمالية ارتفاعاً كبيراً. وللتغلب على المشكلة من وجهها الثاني لجأت الدولة إلى التوسع الهائل في الكم التعليمي، وذلك لاستيعاب ما يمكن استيعابه من ناجحين في الشهادة الثانوية، فأنشأت الجامعات والكليات الجامعية، ووضعت خططاً للتعليم الأهلي والأجنبي للدخول في هذا المشروع القومي الكبير. إن كل تلك المؤشرات تستدعي إحداث تغييرات جوهرية في الركائز التعليمية لمستقبل متغير بصورة ديناميكية نحن لا نستطيع أن نقف على رصيفه متفرجين غير آبهين بما يحدث حولنا. وقد جاء في مقال نشرته الدكتورة باريرا بيرن مديرة البرنامج العالمي في جامعة ماستشوست بالولايات المتحدة تحت عنوان: «اتجاهات في التعليم» في مجلة انكاونتر1974م» «إن الوظيفة التقليدية للتعليم العالي لتدريب الصفوة، وذلك للعمل في الجامعات كأساتذة وللبحوث ولملء الوظائف الأكاديمية أصبحت عقيمة». وإزاء هذه الظروف التي تلقي بمتطلباتها على التعليم العالي ولا يمكن تجاهلها، يأتي دور الكليات في المراجعة المستمرة لتنفيذ وتخطيط البرامج التعليمية على أساس التميّز والتفرد حتى تخدم مجتمعها الخدمة الفاعلة، وأن تصمم مناهجها وفقاً للتوجه العالمي في ربط التعليم العالي بالاحتياجات الفعلية للعمالة في المجالات التقنية الرفيعة JOB ORIENTED CURRICULA دون أن تتسبب في عطالة واضحة وعطالة مستترة. كما يجب أن يكون إعدادنا للكوادر المدربة مرتبطاً بعلوم المستقبل كما نادى بذلك الدكتور الفين توفلر. ولذلك فإن برامج الكليات التي تقوم عليها الجامعة في جامعة المغتربين، خطط لها أن ترتبط ببرامج متميزة تسد فراغاً في التخصصات التي تحتاج لها البلاد. وتم التخطيط لها منذ البداية على فلسفة ورسالة واضحة مبنية على إستراتيجية تحدد الرؤية والأهداف والوسائل. والمراد لم يكن أن تكون جامعة تساهم في زيادة عدد العاطلين الجامعيين، وإنما تسعى منذ البداية إلى التميّز الذي يجعل الطلاب من أبناء المغتربين ومن غير المغتربين يتقدمون لها وهم مقتنعون بأنهم سينالون تعليماً نوعياً يجعلهم في قمة المنافسة مع خريجي الجامعات الأخرى. إن جامعة المغتربين وهي تخطط لبرامجها الأكاديمية حددت أن تتبع نهجاً عالمياً منذ البداية تطل به على تجارب الجامعات العالمية العريقة، وأن تربط نفسها بها في تواصل مستمر، وأن تهيئ لطلابها الإدراك التام بأنهم جزء من حراك التعليم العالي المتطور في البلدان الأخرى، سواء في كلياتها الحالية الأربع الطب والهندسة الإليكترونية بأقسامها الثلاثة والعلوم الإدارية بأقسامها الأربعة واللغات، أو في الكليات الجديدة المقترحة مثل كلية تقانة البيئة وكلية الهندسة الكهربائية بشقيها طاقة وقدرة، وكلية الفندقة والسياحة. وكل تلك الكليات خطط لها أن تعمل ببرامج غير تقليدية.