استجلاب هذا العدد الضخم من البصات يتناقض مع صميم التوجه الاقتصادي للدولة، حيث أنها تسعى بصورة جادة للتخلص من الشركات الحكومية، لأنها دائماً تتعرض لخسائر كبيرة ولا تفي بالغرض والهدف الذي من أجله أنشئت، ويعتبر القطاع الخدمي المجال الرئيس للقطاع الخاص، حيث تتنافس فيه رؤوس الأموال والتنافس يولد التجويد في الخدمة المقدمة للمواطن، فالخرطوم تعتبر من العواصم النامية لا تمتلك ميادين ومحطات لتجمع البصات، فالفرد في سبيل قضاء حاجته يستخدم أكثر من خط مواصلات، وهذا بالطبع يتطلب مواعين خفيفة للنقل على غرار «الميكروبص»، وهذا يضمن سرعة الوصول للمستخدم. وكما أسلفنا فإن تجارة النقل شركة محتكرة للقطاع الخاص، والسبب يعود لحاجتها لإدارة قوية ومنضبطة، وهذا بالتأكيد لن يتوفر للحكومة، لأننا نعرف مشكلات قطاع الترحيلات، ولذلك كان ينبغي على حكومة ولاية الخرطوم أن تقيِّم أولاً تجربتها عبر ال «200» بص الفائتة، من حيث الربح وكم نقلت، علاوةً على انتشارها عبر المحطات ومساهمتها في فك الاختناقات، فالمعروف أن الخرطوم عانت خلال الفترة الماضية أزمة مواصلات خانقة، كما أن البصات نفسها قد تتسبب بصورة غير مباشرة في أزمة المواصلات بسبب احتياجها لما يزيد عن اربعين راكباً فضلاً عن أحجامها الكبيرة التي لا تتوفر لها الأماكن المناسبة، كما أن المواقف مصممة لحافلات نقل صغيرة، وفكرة تمليكها لأصحاب الحافلات نعتقد أنها غير صائبة لأنه من غير المبرر أن ينافس صاحب الحافلة نفسه، فضلاً عن أن أصحاب الحافلات كانوا يشكون من التمييز ضدهم بعد ظهور هذه البصات، حتى في استخدام الكباري والمواقف، فليس من المتصور أن تنجح هذه الفكرة في تسهيل حركة التنقل وتحقيق أرباح بالصورة التي تغري أصحاب الحافلات، فهم في الوقت نفسه ساهموا عبر نقابة أصحاب الحافلات في الدفعة الأولى من البصات. وقد تنجح هذه الفكرة في النقل الخارجي ما بين المدن، غير أنه من غير المنتظر أن تنجح في مدينة كالخرطوم لا تملك خطوطاً دائرية، وفوق ذلك كله مؤسسات الدولة المرتبطة بخدمة المواطن محصورة في قلب الخرطوم. والحل في اعتقادي يتمثل في وسائل المواصلات العصرية مثل الميترو، فهي ضرورة تفرضها الزيادة المطردة للسكان بالخرطوم والتمدد الأفقي للعاصمة الذي لا تتبعه خدمات، فأية وسيلة مواصلات غير رخصية الكلفة وسريعة في نفس الوقت لن تكون الحل الأمثل لمشكلة المواصلات، بل ستتفاقم الأزمة تبعاً لزيادة العدد في البصات الكبيرة، وستكون ناجعة فقط في الطوارئ، حيث تستطيع تفريغ المواقف، ولكن باعتبارها وسيلة نقل فهي غير ناجحة، فحتى الطائرات تم تقليص المقاعد فيها لتستوعب عدداً قليلاً من الركاب. فالمطلوب من حكومة ولاية الخرطوم التخلي عن هذا الأسطول وتمليكه للقطاع الخاص ليعمل في الخطوط السفرية، لأننا لا نعتقد أن تجربة الأسطول الأول كانت ناجحة من حيث الربح وتسهيل التنقل. ويجب الاتجاه نحو مشاريع البنيات التحتية الكبرى لفك اختناقات النقل .