تربطني علاقة أسرية بالرقيب أول عبد الله بشرطة المرور، وهو من الشباب الواعدين الذين يأملون في العيش الكريم وينظرون للحياة بمنظار المتفائل بالسعادة والرضاء في الدارين.. وهو أيضا من الموهوبين بمهارات أخرى اكتسبها منذ الصغر، إذ لا يستطيع أحد منا مجاراته في مباريات كرة القدم ولا سباقات الدراجات التي كنا نستأجرها من عم خليل، وكان يراهننا بأن من يسبقه سوف يدفع عنه سعر الأجرة لساعة أخرى، وكان يكسب رهانه، فالرجل رياضي مطبوع، ويتمتع ببنية جسمانية مثالية أتاحت له التنافس في ميادين الشرطة، وكان من الذين يضرب بهم المثل في اللياقة البدنية وحسن الخلق. وللحق أقول إنني لم اتصل بأخي عبد الله منذ فترة، وسمعت أنه طريح الفراش بمستشفى الشرطة، ووجدت حينها شخصاً آخر غير الذي أعرفه، وداعبته بعبارات جعلت من صدره الممتلئ بدخان العوادم يضمر ويتسع حتى تكاد لا تفرز صوت سعاله من ضحكاته، فقلت له إن شاء الله أجر وعافية يا راجل الحكاية شنو؟ فقال كنت اعاني في البداية من البرد، ثم من ارتفاع الحرارة الشديد التي وصلت 40 درجة مئوية، ثم بدأت في السعال المصحوب بقشعٍ عديم اللون، أو محتوٍ على دم في بعض الأحيان. كما أنني أتألم جداً وأسال الله ألا يصيب حبيباً بهذا الداء، وقد صادفنا في تلك اللحظة وجود الدكتور إبراهيم الذي كان يمر على المرضى وسمع شيئا من النقاش، وقال إن أنسجة الألم الوحيدة الموجودة في الرئة تقع على سطحها في المنطقة المعروفة باسم الجَنَبَة، إلا أن ألماً في الصدر قد يحدث إن وصل الالتهاب إلى الجَنَبةِ الخارجية. عندها سيكون «الألم الجَنَبيّ» حاداً، خاصة عند أخذ نفس عميق. في حالات أخرى من التهاب الرئة، قد يستغرق ظهور الأعراض وقتاً، حيث يزداد السعال سوءا، وكذلك الصداع، وألم العضلات، وتكون هذه الأعراض هي ما يظهر على المريض فقط. والسعال ليس بالضرورة مؤشراً رئيسياً على الإصابة بالالتهاب عن بعض الأشخاص، لأن الالتهاب قد أصاب أماكن في الرئة بعيدة عن المجاري التنفسية الأكبر. ويتغير لون بعض المصابين بالالتهاب، فيصبح قاتماً أو أرجوانيا «وتعرف هذه الحالة باسم الزُّراق» نتيجة لنقص ارتواء الدم بالأوكسجين. نظر عبد الله للسماء وقال: الحمد لله على كل حال وتبسم، وقال كلما يضيق بي الحال أنظر لمن حولي في العنبر وهم زملاء كرام فأنسى مصيبتي، والغريب أن معظمهم من شرطة المرور، فهم يعملون في ظروف قاسية وبالغة التعقيد، حيث يستيقظون مع الفجر ويعملون في كل الظروف المناخية المتقلبه من ارتفاع شديد في درجات الحرارة واثناء زمهرير الشتاء وتحت وابل الأمطار، ودون مراعاة لهذه المهنة الحساسة التي تتطلب تقييماً مهنياً أسوة بتلك التي تراعي البدلات الغذائية والمادية والمعنوية، وهذا محمد، وأشار للمريض الذي على يمينه وقال إنه يعاني من مرض الدوالي الذي كثيراً ما يصيب الساقين، وهو عبارة عن توسع في الأوعية الدموية السطحية والشعيرات الدموية، ومن أهم أسبابه عند الرجال الوقوف المستمر، أما عن يسار عبد الله فيرقد طريح الفراش أحد منسوبي شرطة المرور وهو يعاني زيادة الكربون في الدم، وتجرى له تحاليل في الأنسجة والخلايا المريضة، نسال الله لهم الشفاء. ٭ أفق قبل الأخير فتح محمد عينه وقال إن السرير الذي بجواره خال لأن زميله ياسر «مرور بحري» قد تم نقله للعناية المركزة، وقال ساخراً: «رابطين ليهو رادار «24» ساعة. ٭ أفق أخير: اقترح أن تنشئ مستشفى الشرطة عنبراً تطلق عليه اسم «المرور السريع».