وإن من السذاجة الظن بأن على كل مذكرة أن تأتي بجديد كما قال وإلا فهي لا تستحق القراءة، فالأفكار الجديدة لا تحتاج لرفع مذكرات. ويظن بروف عوض أن مثال القضايا التي تستحق ولادة مذكرة تصحيحية هو قضية المناصير! وهذه رؤية أبعد ما تكون عن النظر الإستراتيجي، كما أن قضية المناصير التي قال عنها إنه تم حسمها بقرار شورى الحركة الإسلامية، هي قضية تخص الجهاز التنفيذي بآلياته المعروفة للبتّ فيها وليس الحركة الإسلامية. وعلى البروفسور الكريم أن يفرٍِّق بين الحاءات الثلاثة واختصاصاتها، تفريقًا مميزًا فعلاً لا قولاً. إن المذكرة قد سحبت الأضواء بلا شك من مذكرات أخرى أكثر متانة وسبكًا وتسديدًا في المرمى السياسي والتنظيمي والتنفيذي، ولكن لهذه أجر السبق في الاجتهاد وكسر الحاجز النفسي وإثارة الحراك الفكري والسياسي داخل الأوساط السياسية جميعها. بل إنها قد سحبت الرونق من أحزاب أخرى تتململ من الغيرة السياسية والتنظيمية الآن، لتزيد جاذبية حزب المؤتمر الوطني. قصر بروفسور عوض الحديث الطيب في المذكرة على أنه التطبيل وسرد محاسن الإنقاذ! ثم ذكر أنها متناقضة لأنها تذكر الإيجابيات والسلبيات، ولكن لا يوجد تناقض في ذكرها إنجازات الحكومة والحزب التي لا ينكرها إلا معارض، وذكرها كذلك ما يستحق الإصلاح والتطوير، بل إن هذه رؤية متزنة للشخصيات التي كتبتها، فعليك أن تنظر من كل الاتجاهات لتكون عادلاً ومنطقيًا ومتزن الفكر وواضح الرؤى، دونما اغترار ومنازعة رداء الكبر في الحكم على الأمور. وعلى عكس ذلك، فقد كان بروفسور إبراهيم أحمد عمر عقلانيًا ومخلصًا النية حين ذكر أننا نعبد الله ولا نعبد الأحزاب والتنظيمات، وإنما نعبد الله عبر الحزب، وذكر أن الإصلاح في شأن الحزب والبلد والسياسة وصورة العمل الإسلامي هو الأساس الذي يجب أن نضحّي من أجله. دعا بروف عوض في حواره كاتبي المذكرة التي وصفها بالضعيفة للتحدث عن التجاوزات في النظام الأساسي للمؤتمر الوطني، وفي مكان آخر يذكر أنه كان عضوًا في لجنة تعديل النظام الأساسي الذي تم تعديله! كما ذكر أن مذكرة الهيئة البرلمانية للحزب الحاكم كانت سببًا في تعديل النظام الأساسي، وفي هذا ظلم وتجاهل لتوصيات المؤتمرات القاعدية والمحلية والولائية، ومجهودات مئات الآلاف من الكوادر لتعديل النظام الأساسي وتنظيم العلاقة بين الحزب و الحكومة. وبالنسبة لحديثه عن بعض تفاصيل لجنة واجتماعات تعديل النظام الأساسي، فقد صدق في أن العمل كان شفافًا، ولكنه لم يكن حرًا كما ذكر، فالبروف عوض نفسه قام بإنزال يدي بالقوة عندما اعترضتُ على اختيار المكتب التنفيذي من نفس عضوية الشورى، حيث احتججت بعدم منطقية أن يكون المخطط والمشرع و«المنفذ» والرقيب والمحاسب من نفس الجسم ونفس الوجوه! ولكنه قام وهو جالس على يميني بالصف الأول بمحاولة إثنائي عن الاعتراض ثم بإنزال ذراعي كي أمرر هذه المادة ليجيزها دكتور الجاز!! ويتحدث بروفسور عوض في صحيفة «الإنتباهة» عن أن من نتائج مذكرة اللجنة التي هو عضو فيها، جعل المسؤولية التنظيمية لدورتين فقط وعدم الاحتكار، في حين أنه ساهم في قمعي عندما طلبت إضافة لفظي «بأثر رجعي» لهذه المادة ليكون التعديل حقيقيًا وفوري التنفيذ. ثم يتحدث عن آلية المحاسبة برئاسة أبو قناية، وأنها نتاج إلى مذكرة الهيئة البرلمانية التي هو عضو فيها، وهذا غير دقيق، ويتناسى أو يتجاهل ربما لأنه غير متابع لما يدور بالحزب جهود ولاية الخرطوم ود. مندور المهدي ود. نزار محجوب وأ. عبدالسخي في طرق أمر مفوضية مكافحة الفساد منذ زمن باكر وحتى ساعة الكتابة هذه في يومنا هذا، بل شرعوا في إعداد التصور لها، والتدريب لها، والاستئناس برأي من تم انتقاؤهم لهذا الغرض، منذ ما قبل المذكرة البرلمانية بزمن مقدر. لا يحق لبروفسور عوض أن يتحدث عمّن يخالفهم ولا يعرفهم بهذه الطريقة الاستعلائية الإقصائية والمسيئة «لعضوية معتبرة من الحزب» كما وصفهم بروفسور إبراهيم أحمد عمر، و نعلم أنه لن يقبل بروف عوض أي نقد وهو الذي ضاقت نفسه عن إكمال قراءة المقال المشهور «استراحة المحاربين وإثراء ليالي الفكر»، حيث لم يَرَ فيه إلا الاستراحة والاستقالة والإراحة، ولم يلحظ الإثراء والفكر والاستنارة. ورمى بالمقال بارتباك. ولكن ننصحه بنصيحة بروف بركات الحواتي بقراءة مقال صحيفة المقدمة: «إعادة الهيكلة ومعيقو التغيير 2 2»، قبل أكثر من عام ونصف، وفيها استشراف لما سيأتي إن استمر الأمر كما هو «مشاترا» ومعاكسًا لطبيعة التاريخ وسنة الحياة. أخيرًا فإن بروف عوض حاج علي «الواقف ضد مذكرة العشرة التاريخية التي أطاحت دكتاتورية شيخ حسن» وصف مذكرة العشرة المباركة بأنها كارثية!! وفي هذا طعن في «عدم خبرة» الإسلاميين العظماء الذين كانوا وراءها ولا يزالون على سدة الحكم، وجنحوا بالمسيرة هذا الجنوح الإيجابي. وحسبك يا بروف. يشهد الله إني لست من واضعي هذه المذكرة أو غيرها من المذكرات التي تدور منذ ثورة الشباب في العام الماضي قبل أن يهدئهم رئيسنا بالبندول، ولم أُسهم بالتخطيط لأي مرحلة من مراحلها، ولا أعرف من كتبها. ولكن هذه المذكرة الأخيرة «المنشورة» تحتاج لمعالجات سياسية وليس أمنية، وتحتاج لعدم الانجراف وراء البحث عن كاتبيها خصوصًا بعد تأييد بروفسور إبراهيم أحمد عمر و د. قطبي المهدي لها في الإعلام، ولنعرف أهدافها التي ذكر بروف عوض مرة عدم شكِّه في مصداقية كاتبيها، ويأمل بروف إبراهيم في أخذ كل نقاطها بالجدية ونبحث فيها كما قال وأردف «إن استدعت إصلاحًا نصلحه وإن استدعت خطوات قوية نتخذها». فهذا الحزب المتطور جيلاً بعد جيل هو حزب سياسي وليس عسكريً أو أمنيًا، ويطرح فكرًا سياسيًا و نهجًا تنفيذيًا رغم معيقات المعارضة السودانية والأجنبية. وإن الشعب السوداني عندما أعطى وسيعطي صوته الانتخابي مرة أخرى باقتناع سيتجدد مع تجددنا، وسيكون صوت المواطن للجهاز السياسي أو للحزب وليس للأجهزة النظامية التي لها أدوار أخرى بطبيعة الحال، ليس من ضمنها التدخل في شؤون الأحزاب السياسية، إلا بما يحفظ استقرار وأمن الدولة السودانية «بمجمل مكوِّناتها» في الحاضر والمستقبل. ومثل هذه المذكرات بما عليها من تحفظات تعطي حزب المؤتمر الوطني رونقًا وجاذبية، وتستقطب المزيد من شباب الوطن غير المنتمي المتطلع للحداثة والتطور، للدخول في الحوش الفسيح الوارف الظلال لهذا الحزب الرائد بأفكاره وبمبادراته وتجديداته. فمما أثبتته هذه المذكرات التي تدور هذه الأيام بين الإخوان كتابة أو «شفاهة» أن في الحزب ديناميكية وقدرة على التطور رغم أنف معيقي التغيير الإيجابي، بل وأثبتت ميزة هذا الحزب على التنظيمات «السياسية» الأخرى، وهو الذي لا تملكه أسرة أو قبيلة أو طائفة أو نخبة أصدقاء، بل إن كل عضو في هذا الحزب يمتلك فيه أسهمًا تساوي حصة أخيه وأخته، لا ينقص أجر عضو من عضو شيئًا. نعلم أن هذا الحراك السياسي بالمذكرات على ضعفها الذي يعجب البعض يثير غيرة المعارضة الجامدة الفكر التي ليس لها أجندة سياسية سوى أن تعارض. ولكن هي دعوة للتغيير الإيجابي الشامل والمدروس في كل الأحزاب، المحسوب بعناية وبشفافية، والله خيرٌ حافظًا و هو أرحم الراحمين.