في الساعة الواحدة ظهر الجمعة 27 يناير 2012م، تعرَّض النّائب البرلمانيّ إبراهيم تمساح (عضو المجلس الوطنيّ) لحادث مروري عنيف بمنطقة (الله كريم) بمحليّة الرّهد. حيث اصطدمت عربته بشاحنة. نجم عن الحادث المروِّع وفاة سائق العربة في الحال وتدمير العربة، بينما نُقِل البرلمانيّ إلى مستشفى الأبيِّض للعلاج. تلك الحادثة واحدة من مئات الحوادث، شبه اليومية، المؤسفة في طرق المرور السِّريع، طريق التحدَّي وطريق الخرطوم الأبيِّض وطريق الخرطومبورتسودان وطريق الخرطوم مدني (شارع الموت الأكبر). كل حادثة مروِّعة في طرق المرور السريع السّودانيَّة، تفتح باب حوادث (شارع الموت الأكبر). اشتهر طريق الخرطوم مدني بسمعة مثالية، من حيث الأمن الشخصي على المال والعرض والنفس. حيث يمكن للمسافر وحده خلال الأربع والعشرين ساعة، وهو في أمن كامل لايخشى شيئاً. اشتهر طريق الخرطوم مدني بكرم أهله الذين يبسطون موائد الرحمن على طول الطريق، يستضيفون المسافرين بالبشاشة والألفة والحفاوة وأصالة الأخلاق. كما يشتهر الطريق بالمدن الفاضلة، والخلاوي التي تضئ بنار القرآن في (مسيد ود عيسى) و(ود الفادني) و(الدوينيب) و(الشيخ طه)، وغيرها. يشتهر طريق الخرطوم مدني بالمساجد التي اكتملت والتي لم تكتمل. يشتهر ب (كافتيريا حافظ) التي استضافت الرئيس جعفر نميرى ثم الرئيس رفسنجاني بوفده الثمانيني. اشتهر طريق الخرطوم مدني بعفة مجتمعاته. حيث تبلغ إصابات مرض الإيدز (صفر). ذلك الطريق الذي يُعتبر كتاباً في القيم السودانية الجميلة، عفافاً وأمناً وكرماً، أصبح يشتهر للأسف بأنه (طريق الموت). كيف أصبح أجمل طرق السودان شارعاً للموت، بل أصبح (شارع الموت الأكبر). بدأ تنفيذ طريق الخرطوم مدني بمنحة من الحكومة الأمريكية. حتى مايو 1969م كانت قد اكتملت سفلتة الطريق في مسافة الخرطومالحصاحيصا. ثم اكتملت مسافة الحصاحيصا ودمدني في عهد الرئيس جعفر نميري. ذكر المهندس طارق كبَّارة (جامعة هاوارد واشنطن) أن تصميم طريق الخرطوم مدني، قد تمّ حسب متطلبات الحرب الباردة. إذ عندما بدأ تنفيذه كان صراع القطبين الأمريكي الروسيّ في ذروته. حيث تمَّ تصميم الطريق بحيث يصبح في أجزاء منه صالح للاستخدام، عند الضرورة، كمهابط للطائرات (الحربيَّة). كانت فكرة الطريق وتصميمه يختصان بحركة المرور بين عاصمة السودان (الخرطوم) وعاصمة السودان الثانية حينها مدينة (ودمدني). كان ذلك قبل أن تتصاعد حركة المرور في طريق (الخرطوم مدني)، لتضاف إليها حركة المرور الناشطة في طريق (الخرطومبورتسودان) وطريق (الخرطوم سنار سنجة الدمازين). إضافة إلى بعض حركة المرور القادمة من كوستي والقادمة أيضاً من منطقة (المناقل) وغرب وشمال الجزيرة. لم يواكب ذلك الفيضان المروري تطوير لمسار طريق (الخرطوم مدني) الذي هو عبارة عن مسار واحد. أي شريط أسفلت يسع سيارتين فقط، واحدة ذهاباً وواحدة إياباً. ولم تُضبط حركة الطريق كما ينبغي بالتقنيات الحديثة و(رادارات) السرعة والدوريات المرورية المنظمة والعقوبات الفورية بالغرامة وسحب الرخصة والقوانين الرادعة لمخالفات السائقين الذين يتجاوزون السرعة، ويستخدم معظمهم الأنوار الكاشفة الطويلة ليلاً عند القيادة. كما لا يخلو الطريق من أعداد من السيارات والشاحنات التي لا تستوفي المطلوبات القانونية مثل الأنوار الحمراء الخلفية. كما تغيب عن الطريق اللوحات التى تذكِّر بالسرعة القانونية واستخدام الإضاءة العادية وتنبِّه إلى وجود مدرسة أو قرية أو منعطف. كما أن بعض البصات السفرية (السياحية) لا تتوفر بها مخارج السلامة في حالات الطوارئ. كانت النتيجة الطبيعية لتلك الاختلالات، وفقاً للإفادات الرسمية، هي أن (60%) من حوادث وفيات المرور في السودان، أصبح مسرحها شارع (الخرطوم مدني). الذي أصبح يستحق تسمية (شارع الموت الأكبر). علماً بأن عدد الذين يقضون نحبهم في حوادث المرور في السودان، يزيدون عن عدد الذين يقضون نحبهم في حوادث المرور في مصر أو السعودية. هذا الطريق (الخرطوم مدني) بحاجة إلى إدارة مرورية جديدة حديثة جيّدة التدريب. هذه الأعداد الهائلة من الوفيات هي نتيجة أخطاء الإدارة المرورية وأخطاء وزارة الطرق التي ما زالت تعتمد مساراً واحداً لفترة خمسين عاماً، منذ بداية تشييد الطريق. آن الأوان لطي صفحة كتاب الموت في هذا الشارع الذي ينبض بأجمل عادات السودان وتقاليده. عدد كبير من حوادث وفيات طريق (الخرطوم مدني) هي قضايا (مسؤولية تقصيرية) كان ينبغي أن تنظرها المحاكم ضد وزارة الداخلية ووزارة الطرق. ينبغي في وزارة العدل إنشاء نيابة جديدة هي (نيابة الطرق)، لتلعب دورها في الحفاظ على أرواح المواطنين الضائعة في الطرق السَّريعة السَّفرية، بسبب الأخطاء الإدارية للجهات المختصة. ينبغي استقدام دار استشارية محترمة أو (بيت خبرة) مختصّ ليقول كلمته، بعد أن يقوم بمراجعة المواصفات والمقاييس في طريق ينوء بحمل ذلك الحجم الهائل من حركة المرور، بما يتجاوز بمراحل كثيرة طاقته الافتراضية. شرطة المرور الاتحادية تقدّم عملاً نافعاً، إذا نشرت قائمة بأعداد وأسماء الموتى الذين استشهدوا في هذا الطريق منذ تشييده، ليعلم الناس أن أرقام الضحايا الذين فقدوا أرواحهم في شارع (الخرطوم مدني) ينافس أرقام الضحايا الذين قتلوا في بعض الحروب الأهلية الداخلية أو الخارجية. بناء مسار جديد في شارع (الخرطوم مدني) أصبح أولوية لا تحتمل التأجيل. بتلك الحزمة من الإجراءات، ستحلّ السلامة والحياة محلّ الخطر والموت في شارع (الخرطوم مدني). وزير الطرق السابق السيد/ المهندس عبدالوهاب محمد عثمان اهتمَّ بقضية مسار جديد في شارع (الخرطوم مدني)، غير أن تنفيذ ذلك المسار على الواقع ظلّ حبراً على ورق، إلى أن غادر السيد الوزير إلى موقعه الجديد وزيراً للصناعة. هناك الآلاف من شهداء الطرق السريعة وحركة المرور في السودان، منهم الدكتور مجذوب الخليفة وشقيقه الخواض الخليفة والدكتور عمر نورالدائم والدكتور عبدالنبي علي أحمد ورجل الأعمال صلاح قاضي. على تلك الخلفيات هل سيصبح شارع (الخرطوم مدني)، شارع الموت الأكبر، شارع الموت الأحمر حيث (60%) من وفيات حوادث المرور في السودان، هل سيصبح وغيره أفضل حظّاً في عهد وزير الطرق الجديد؟.