عندما يفقد الإنسان شيئاً عزيزاً لديه فإنه يتفجر غيظاً أو حزناً أو شعراً.. وإذا كان شاعراً فإنه يتفجر من كل تلك النواحي.. وعندما فقد الفنان الشاعر المرهف احمد عبدالله البنا «الفرجوني» كلبه ذات نهار عندما دهس سائق مسرع ذلك الكلب أمام منزل الشاعر بود البنا، لم يحتمل الفرجوني ما حدث لكلبه السلوقي الذي وُلد على شاكلة الكلاب السلوقية التي قال فيها شاعر السودان الأستاذ عبدالله البنا طيب الله ثراه «والد الفرجوني»: يكفيك من دنياك كلب صيد يكون للغزلان مثل القيد فكتب الفرجوني مرثية لذلك الكلب أصبحت «مضرب تمثال» كما يقول أحد الأصدقاء. قال الفرجوني في أحد مقاطع القصيدة والحرقة تشوي كبده: دقشك لوري؟ ينشل يمين السايقو حتى النفس تعدم عليهو طرايقو متل ما تف زورك قندراني يضايقو ويتفّو تفيف ملاح ما يلقى زولاً يلايقو ونجتر هنا تجربة مماثلة لشاعر سرق «شلنه» أبو خمسة ونحن على موعد بعد تغيير العملة من الدينار إلى الجنيه إلى مصافحة الشلن أبو خمسة مرة أخرى. نعم أبو خمسة وليس أبو ستة أو أبو عشرة . أبو خمسة وحده يكفي. وأبوخمسة هذا ليس أبو خمسة أولاد أو أبو خمسة تركترات بل أبو خمسة قروش. في الزمن السمح كان القرش يمثل ركناً هاماً في الاقتصاد السوداني، فكل مليم من مليماته العشرة كانت تفعل شيئاً تعجز عنه دينارات هذا الزمان.. ولهذا عندما تجتمع خمسة قروش «حتة واحدة» وتكون ذلك الأبو خمسة فإن ذلك يعتبر من اجتماعات القمة.. إن حياً كاملاً خطط في مدينة الأبيض وأطلق عليه أسم «أبو خمسة» وذلك لأن قطعة الأرض فيه بيعت بخمسة قروش، فهل هناك من يداني طيب الذكر «أبو خمسة»؟ في اجتماع ضم بعض أهالي العيلفون وقد كان بمناسبة زواج الماحي الحسين الماحي أحد أبناء العيلفون قام بعض شباب الحي بسرقة «أبو خمسة» أو الشلن، وهذا اسم الدلع «لأبو خمسة» من الشاعر أحمد محمد الشيخ المدلع بالجاغريو «تصور هذا اسم دلع أيضاً».. وبما أن ذلك الشلن كان ذا شخصية اعتبارية فقد «حرق» الشاعر جداً فنظم بعض الأبيات التي توزع الاتهامات على أولئك الشباب: قال الجاغريو: فضل المولى ماسك الدفة وانفرج العرق ما جف الجيلاني شالو وكف وقالوا أبو خمسة حق السفة حمد اللي جنابو مشادي شال شلني وطفش بالوادي ما بطرى أم خديدا نادي وما حصلتو بس بي جوادى *** ود ماندي قلب اكليمو ويوسف باقي ليهو كليمو ضاع أبو خمسة كيفن ليمو رابع المستحيل تسليمو *** يا يوسف عملت الفرقة وياتلت القزارة الزرقة برس سوى حيلتو المرقة وهو الكان السبب في السرقة واليوم هل تجود قريحة أي شاعر إذا سرقت منه خمسة ملايين جنيه؟ لا أعتقد لأن الخمسة ملايين هي في حد ذاتها مشكلة كبيرة لأنها كسيحة لا تقوى على النهوض لشراء أي شيء معتبر.. فهي مثلاً لن تشتري قطعة أرض في حي أبو خمسة في مدينة الأبيض … تلك الأرض التي كانت تأتي طوعاً أو كرهاً خلف أبو خمسة إلى أن يتم تسجيلها وانتقالها إلى مالكها.. فكيف لا تحرق الشاعر الجاغريو تلك الخمسة قروش فتصبح قصيدة تؤرخ لأول حادثة من نوعها تهز اقتصاديات العيلفون.. يؤرخ ويوثق ويخلد فيها الشاعر أسماء المتهمين وتصبح ذكراها على كل لسان. أما الشاعر الفنان المرهف صلاح ابن البادية فقد كتب قصيدة عصماء بعنوان: «السراق السرق البيت» والحمد لله إنها جات في البيت ولم يسرق منه السراق أغنية أو مدحة مثلاً: السراق السرق بيتي ومرق بالراحة ما يضوق السرور في الدنيا يلقى الراحة تجيهو الطعنة وآلاماً علاجا جراحة والقلق الشديد، تضيق بيهو الوسيعة براحا السراق الحقير شبه البينبح غادي دخل البيت سرق تلفزيون مسجل ورادي سألت الله وندهت الصالحين وبنادي تجيهو الخوفة والمرض الخطير ويعادي ونأتي للأستاذ عوض بابكر عندما فقد عوده الذي يعزف عليه بينما يدندن بأغاني الحقيبة الأثيرة الى نفسه. فاستعان بصديقه الشاعر شمس الدين حسن الخليفة ليكتب مرثية لذلك العود التراثي على لسانه.. فأقام الشاعر شمس الدين مأتماً لينشد فيه المرثية العصماء لأنه لا يمكن أن يكتب مرثية دون أن يكون هناك مأتم.. وقد تكفل شمس الدين بجميع مصاريف المأتم بينما استلم الأستاذ عوض الكشف. تقول المرثية: الشال عودي ما يتهنى بي نغماتو يهضرب وإيدو تنشل وتطول أناتو يجري عليهو دفار ياخدو في عجلاتو نسمع بيهو هسه يذيعوا ضمن الماتوا *** دا أنيسي الملازمني وصديقي الوافي رنة وترو بتْبقِّي العليل متعافي بزيل همي وبجيب لي الفرح من مافي ما ناديتو يوم ولقيتو نافر وجافي **** يا حليلو الحنين الما خذل إنسان بطرب كل زول ويفرح الحزنان لا ناكفني يوم لا ضن بالألحان أغيب وارجعلو يتلقاني بالأحضان **** الشال عودي ما ممكن يكون فنان كيف فنان حرامي؟ دا حتى ما إنسان شال روحي وتركني أغالب الأحزان يقطع لي كبدتو ويهرد المصران **** يا حليلو عودي نغمو الحالي كم أشجاني «وشو» علي سمح في الوحدة كم آساني الما جاني في فقدي العظيم عزاني في بكا والدو ما بمشيلو... ما يرجاني **** وين الليلة أمسيت يا أعز صديق؟ كنت معاي مكرم وما بتحس بي ضيق السرقك خسيس مجرم لئيم وصفيق عاقني أريتو بالنار التحرقو حريق **** فراقك يا العزيز داخل علي واجعني وبعدك عني حارق مهجتي ملوِّعني بلاك لا ببتسم لا بلقى شي يمتعني مالَي منية غير ما الله بيك يجمعني أما أنا فعندما سرق موبايلي وحيث إني لا أملك فصاحة هؤلاء العمالقة نظمت بيتاً واحداً كان كافياً ليشفي غليلي فقلت: الشال موبايلي بس يكمل رصيدو تجيه الصاقعة وسط الناس تصيدو