المؤتمر الوطني على لسان الأمين السياسي للحزب نفى علمه بتفاصيل لقاء برلين بين النائب الأول لرئيس الحزب "علي عثمان محمد طه" والقيادي في المؤتمر الشعبي د." علي الحاج" رغم أن نصف الشعب السوداني علم بتفاصيل اللقاء المثير جداً بين رجلين على طرفي نقيض منذ سنوات طويلة.. وقيمة الحوار في الأصل أن يبدأ بين النقائض وليست المتشابهات، و"علي عثمان" و"علي الحاج" تجمعهم فكرة واحدة ومنبت ثقافي مشترك، ولكن (فرقتهم) مقاعد السلطة فأصبح "علي" قائداً سياسياً في الدولة، وأصبح "علي" الآخر لاجئاً في المنافي البعيدة، يعيش (الغربة) والوحدة والشوق لوطنه وعشيرته وأسرته. لقاء "علي عثمان" و"علي الحاج" له ما بعده، لما يمثله الرجلان من ثقل في الساحة الإسلامية والحزبية، ولبصائرها في رؤية الملعب السياسي بلا غشاوة في الأبصار.. وقد لاذ "علي عثمان" بالصمت ورفض إعطاء أية تفاسير لأسباب اللقاء، وما جرى فيه، بينما تحدث د."علي الحاج" بتحفظ شديد، الشيء الذي زاد من غموض ما جرى وربما مسألة وقت وتتكشف أبعاد اللقاء، بعد عودة النائب الأول "علي عثمان محمد طه" للخرطوم من أجازته السنوية.. و"علي عثمان" لا يقدم على خطوة كلقاء ندّه "علي الحاج" قبل استشارة الرئيس "البشير".. خاصة إذا كان اللقاء سياسياً. الراجح أن لقاء (العليين) بدأ اجتماعياً بمبادرة من د."علي الحاج" الذي تأثر كثيراً بسنوات الغربة الطويلة، وأخذه الحنين لأبناء وطنه وإخوته، وقد هفا قلبه من قبل للقاء الراحل بروفيسور "أحمد علي الإمام" في مشفاه بالعاصمة الألمانية برلين.. كما التقى آخرين من قيادات حزب المؤتمر الوطني، بعيداً عن دائرة الضوء! لكن لقاء "علي عثمان" حدث كبير جداً في الساحة السياسية، بالنظر لهوّة الخلافات العميقة بين الحزبين الوطني والشعبي، وفشل كل محاولات التعايش بينهما، ولكن حينما (يكسر) "علي عثمان" طوق العزلة، ويقدم د."علي الحاج" بقلب مفتوح لحوار مع أخيه "علي" فإن ذلك من شأنه فتح صفحة جديدة في التاريخ الذي يصنعه الرجال. لماذا كل الاختراقات الكبيرة في السياسة السودانية، والاتفاقيات والمصالحات والتفاهمات التاريخية مسرحها في الغالب العواصمالغربية والأفريقية.. وقد كان أكبر اختراق في الجدار المسدود بين الإنقاذ وحزب الأمة القومي مسرحه في سويسرا بين د."حسن الترابي" والسيد "الصادق المهدي" وأهم حدث سياسي في القرن الماضي كان اتفاق (فرانكفورت) بين "علي الحاج" ود."لام أكول" بإقرار مبدأ حق تقرير المصير لجنوب السودان، ثم اتفاق (بيرقن) لوقف إطلاق النار ونيفاشا واتفاق القاهرة وأسمرا والدوحة وأبوجا وأديس أبابا، في كل عاصمة عربية أو أفريقية أو أوروبية للقضية السودانية حضور وذكريات واتفاقية ومعاهدة.. فهل يفتح لقاء (العليين) الباب لمصالحة وطنية بين الفرقاء السودانيين؟ أم تضع لبنة في بناء اتفاق ينهي دورة العنف الحالية في دارفور حيث "لعلي الحاج" نفوذ وأثر ودور فيما يجري بدارفور من عنف ضد الحكومة والمجتمع، و"لعلي عثمان" نفوذ داخل الحكومة والحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، يجعله الرجل الذي يصنع الحدث، ومركز الثقل الذي مهما تعرض لسهام ونصال على ظهره وجنبيه يظلّ العقل المدبّر للحركة والحكومة. أفصحوا عن الذي جرى في برلين حتى (لا تتكاثر) طحالب الشائعات وتنمو فطريات الأكاذيب.. إن كان اللقاء اجتماعياً فقد يفتح (خشم البقرة المسدود)، وإن كان سياسياً فذلك هو المطلوب!