تقرير - محمد إبراهيم الحاج ثمة قائل إن الخطوة التي أقدم عليها أمير قطر الشيخ "حمد بن جاسم" - (61) سنة - بتسليم السلطة إلى نجله وولي العهد الشيخ "تميم" - (31) سنة - تأتي متسقة تماماً مع توجه الدولة الخليجية في دعم ومساندة الثورات التي انتظمت المنطقة العربية خلال الفترة السابقة، وأن النزوع نحو التغيير وضخ دماء جديدة في أوردة سياسات الحكم العربي هي ما حفزت الشيخ "حمد" على التنازل عن السلطة طائعاً مختاراً.. وقطر، الدولة الصغيرة مساحةً والكبيرة بطموحاتها وإنجازاتها المادية والاقتصادية والإعلامية والرياضية، يقول الخبراء المتابعون لسياستها إن لها هدفان أساسيان طويلا المدى، أولهما أن يبرز دور الدوحة كلاعب أساسي على الساحة الدولية، والآخر هو الظهور أمام جيرانها الأكثر قوة، وبخاصة المملكة العربية السعودية وإيران، كدولة قوية لها سيادة في المنطقة ولديها القدرة على حماية ثروتها. { تنصيب ومسؤوليات صبيحة أمس، أعلن الشيخ "حمد" أن (الوقت قد حان لفتح صفحة جديدة في مسيرة الوطن يتولى فيها جيل جديد مقاليد السلطة). وأضاف: (لقد أثبت شبابنا في السنوات الماضية أنهم أهل عزم وعزيمة يستوعبون روح العصر ويساهمون فيه). كما أعرب عن أمله في أن يكون قد وُفق في القيام بمهمته، قائلاً إنه يعلم أن الشيخ "تميم" جدير بالمسؤولية. وقال أيضاً موجهاً كلامه للشعب القطري: (إني على يقين راسخ بأنكم خير سند له.. وأنا على يقين أيضاً أن "تميم" سيضع مصلحة الوطن نصب عينيه). وأضاف: (ها هو المستقبل يا أبناء الوطن أمامكم إذ تنتقلون إلى عهد جديد ترفع الراية فيه قيادة شابة.. تعمل دون كلل أو ملل). { لا تغيير متوقع في الأدوار ورغم الانتقال السلس للسلطة في قطر، إلا أن ثمة تساؤلات مهمة تطرح نفسها بقوة على الساحة الآن حول مواصلة قطر لدورها المحوري والمفصلي في القضايا السودانية عموماً والقضية الدارفورية على وجه الخصوص.. المحلل السياسي "عبد الله آدم خاطر" قال إن أمير قطر تنحى عن السلطة لجيل أصغر منه، والقضية مجرد تحويل المسؤوليات لابنه الأمير "تميم". وتوقع خاطر في حديثه ل (المجهر) أمس عدم حدوث تغييرات كبيرة خلال المرحلة القادمة، لأن كل الأطراف مدركة للتحول الذي تم عن رضا تام.. واتفق معه في ذات الأمر د. "عمر عبد العزيز" أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري، الذي أكد أنه لا يتوقع أي تغييرات على مستوى السياسات الكلية، لأن الانتقال كان سلساً ولا يحتوى على تغييرات في السياسة الخارجية، وقد يلجأ الابن خلال هذه الفترة إلى إحداث تغييرات على مستوى السياسات الداخلية مثل تخفيض الضرائب ك (عربون مودة) لقطع الطريق أمام أي تحفظات محتملة قد تظهر من معارضي توليه الحكم. وأضاف "عبد العزيز" في حديثه ل (المجهر) أمس: (في العادة الانتقال السلس لا تكون فيه أي صراعات، وأتوقع أن تستمر قطر في ذات نهجها الدولي المرسوم في علاقاتها مع السودان وإيران وإسرائيل). وأشار إلى أن الأمير "تميم" معروف بتقاربه مع الفرنسيين والأمريكان الذين قد تظهر بصماتهم واضحة خلال الفترة القادمة. { قطر وسلام دارفور الدور القطري تجاه قضية دارفور يأتي في سياق اضطلاع الدولة ذات المساحة المحدودة بقيادة مبادرة سلام دارفور عبر مفاوضات - برعاية مباشرة منها - بين الحكومة والحركات المسلحة منذ عدة سنوات.. وتحتضن العاصمة الدوحة توقيع تلك الاتفاقات التي ساهمت بقدر كبير في تخفيف حدة التوتر في الإقليم، بالإضافة إلى مبادرتها المعلنة عام 2010م بإنشاء بنك لتنمية دارفور برأس مال قدره مليار دولار. وتعهَّدت دولة قطر، أيضاً، في مؤتمر المانحين الذي استضافته بنصف مليار دولار، ضمن مبلغ (3.69) مليار دولار أمكن جمعها فيه. ولم تكتفِ قطر بالدعم المالي، فحسب، بل ألقت بثقلها الدبلوماسي، أيضاً، لتضمن للمؤتمر مشاركة (400) مندوب من (40) دولة، فضلاً عن عدد مقدر من المنظمات المانحة والهيئات الدولية. وأشار د. "عبد الله آدم خاطر" إلى أن علاقة قطر قائمة على الاستثمار في العمل الإنساني والطيران والرياضة، وفي نفس الوقت العمل على نشر الديمراطية بالتعاون مع المجتمع الغربي، والسودان بلد كبير من ناحية الاستثمارات وواعد للتحولات السياسية، ودخول قطر إلى السودان في دارفور نوع من المحاولة المبكرة للاستثمار في السودان على نطاق واسع، واصفاً السياسة القطرية تجاه السودان بالمستقرة. وعن استمرار الدور القطري تجاه قضية دارفور أوضح "خاطر" أنها ستستمر في دعم سلام الإقليم بل إنها قد تمضي إلى أن تضغط أكثر لإنهاء النزاع القائم، لأن فقدان قطر للمبادرة تجاه قضية دارفور سيفقدها الكثير في حال تم استكمال السلام خارج أراضيها، عاداً دور قطر في دارفور بمثابة (الشيء الوحيد) الذي لن تفرط فيه. ومضى د. "عمر عبد العزيز" في ذات ما افترعه "خاطر" بتأكيده أن قطر لن تدع مبادرة دارفور تفلت من بين يديها، لأن مؤسسات الدولة ستستمر على ذات النهج الذي بدأه والده الشيخ "حمد". { دولة صغيرة وأدوار كبيرة كتب "جين كينينمونت"، كبير الباحثين في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بمركز (تشاتام هاوس)، في صحيفة ال(أوبزرفر)، وحاول البحث في مصادر ودوافع الدور القطري على المستوى العالمي الذي بزغ منذ منتصف التسعينيات على خلفية إقصاء الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني" لوالده عن الحكم في 1994م، وقال: وبينما يعد البعض أن قطر تمارس أدواراً تفوق حجمها الجغرافي والسكاني، فإن آخرين يرون أن تلك الدولة الصغيرة اختارت لنفسها أدوات الكبار سواء تعلق الأمر بكرة قدم أو حتى دعم فصائل بالسلاح، فليس غريباً أن يوقع لاعب كرة القدم الإنجليزي "بيكهام" عقداً مع فريق (باريس سان جيرمان) المملوك لهيئة الاستثمار القطرية، بينما اشترت قناة الجزيرة القطرية فضائية (Current TV) الأمريكية، في صفقة قاربت ال(500) مليون دولار، وذلك لإطلاق قناة (الجزيرة أمريكا). أما في بريطانيا، فيملك المستثمرون القطريون، ومنهم بنك قطر الوطني، ما يقرب من (80%) في برج (The Shard) في لندن، الأعلى في أوروبا، علاوة على تنظيم قطر مونديال كرة القدم في عام 2022م. ثم تولى الشيخ "حمد" مقاليد الحكم في دولة قطر يوم 27 يونيو 1995م. وساهمت السياسة التي انتهجها منذ توليه الحكم في تغيير معالم دولة قطر التي تحولت إلى دولة عصرية، كما ساهم في تدعيم صورة بلاده ولعبها أدواراً مهمة محلياً وإقليمياً ودولياً على المستويين الاقتصادي والسياسي. ومع اندلاع ثورات الربيع العربي، وقف أمير قطر إلى جانب الشعوب العربية، واتخذت بلاده مواقف متقدمة في دعم بلدان الربيع العربي، خاصة على المستوى الاقتصادي. أما الشيخ "تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني" فقد عُين ولياً للعهد في الخامس من أغسطس 2003م، ومنذ ذلك الحين برز على الساحة المحلية والإقليمية والدولية، حيث شارك ومثّل بلاده في عدد من المؤتمرات حتى تم تنصيبه أمس أميراً على دولة قطر.. هذه الإمارة التي قد يراها البعض منصباً تشريفياً لأمير هو في ميعة الصبا بحسابات السياسة وطرقها الوعرة.. ولكن لحساسية الدور الذي تلعبه قطر سواء أكان على محيطها الإقليمي أو الدولي ستكون سنوات إمارة الشاب "تميم" محفوفة بكثير من التحديات والتقلبات