بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    لجنة تسييرية وكارثة جداوية؟!!    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    المريخ يتدرب بالصالة    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفكرة الأسبوع - د. مصطفى عثمان اسماعيل - وزير خارجية السودان الاسبق - استاذ العلوم السياسية – جامعة افريقيا العالمية
نشر في المجهر السياسي يوم 09 - 03 - 2016


الحلقة السادسة
مفكرة الأسبوع
في رحاب ذكرى رحيل الشهيد المشير الزبير محمد صالح
)مواقف ومشاهد) 2
د. مصطفى عثمان اسماعيل*
في الأيام الاخيرة قبل استشهاده كانت الترتيبات تجري لعقد المؤتمر العام التأسيسي لتأسيس التنظيم السياسي الذي انبثق منه المؤتمر الوطني ، كان الراحل الزبير يرأس اللجنة العليا للمؤتمر وكنت مسئولا عن الداعوت الخارجية ، في هذا الاثناء تقرر ان يقوم سيادته بزيارة لجمهورية ايران الاسلامية وكنت بحكم عملي وزير دولة برئاسة الجمهورية او وزير دولة بوزارة الخارجية تقع علي مهمة الترتيب لزياراته الخارجية ومرافقته ، في طريق العودة من ايران مرت الطائرة كما هو مخطط فوق الاجواء السعودية ولما اقتربنا من المدينة المنورة اعلن كابتن الطائرة ذلك ، فنادى الراحل لمندوب المراسم وطلب منه ان امكن ان تزل الطائرة في مطار المدينة المنورة لكي يزور المسجد النبوي ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ارتبك مندوب المراسم ماذا يفعل والسلطات السعودية لم تخطر مسبقا والراحل ليس ضيفا عاديا بل هو النائب الاول لرئيس الجمهورية وما يتطلبه ذلك من اذن واستقبال وبروتوكول ، جاءني مندوب المراسم يستنجد بي في ان اثني الراحل عن هذه الفكرة . تحدثت معه بصعوبة الامر واننا يمكن ان نرتب له زيارة بعد العودة الى السودان .كانت حجته ببساطة انه لايريد لا بروتوكول ولا استقبال فقط يريد ان يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اقنعته في نهاية الامر باستحالة ذلك والافضل ان يتم ذلك بعد العودة للسودان . عدنا الى السودان سافر الراحل لأداء العمرة وبعد عودته كانت الترتيبات قد قطعت شوطا بعيدا لعقد المؤتمر التأسيسي ، في هذا التوقيت قرر ان يقوم بزيارته الاخيرة للجنوب وكنت ضمن الوفد المرافق له ، طلب مني الاخوة في القيادة امكانية تأجيل رحلة النائب الاول للجنوب الى مابعد المؤتمر حتى يعكف هو على متابعة اعمال اللجنة العليا واتابع الدعوات الخارجية . ذهبت اليه في المنزل ونقلت له رغبة الاخوة في التأجيل غير اني وجدته قد تهيأ تماما للزيارة وعندما اكثرت له من الحجج باغتني بمقترح شبيه بالقرار وهو ان اتخلف انا واتابع تحضيرات المؤتمر ويسافر هو ووفده الى الجنوب وعلى ذلك افترقنا ، قبل الموعد المحدد لسفر الراحل الى الجنوب بيوم او يومين مررت على صديقي الاستاذ علي محمد عثمان ياسين وزير العدل الاسبق وكان وقتها وزير الدولة بوزارة الحكم الاتحادي التي كان على رأسها في ذلك الوقت الدكتور على الحاج محمد رد الله غربته ، وجدت الاستاذ علي محمد عثمان ياسين على غير عادته مهموما ، فبادرته مابك رد علي بان زوجته على الوضوع وهو يشتكي من ارتفاع السكر وهو ضمن الوفد المسافر مع النائب الاول للجنوب .قلت له لماذا لا تعتذر .قال : لا . لا اريد ان اعتذر واجد في ذلك حرجا شديدا . أدرت قرص الهاتف فرد علي من الطرف الاخر النائب الاول مباشرة ، حكيت له وضع الاخ علي ياسين واقترحت عليه ان يعفيه من هذه الرحلة للظروف التي يمر بها ، قال لي الراحل انت لا داير تمشي لا تخلي الناس يمشوا ؟ مازحته قائلا ( يا سعادتك انت على يسن بشبه الجنوب ماتسوق الناس البيشبهوا الجنوب) قال لي زي منو؟ قلت له زي الطيب ابراهيم وموسى المك كور وكثيرين امثالهم ، خلاص عفينا على يسن من الرحلة دية وودعتك الله ابقى عشرة على المؤتمر ، ما كنت اعلم ان هذه ستكون آخر الكلمات بيني وبينه ، نجا على يسن من تلك الرحلة ودائما ما اقول له لقد كنت سببا في انقاذك من موت محقق ، فأنت لاتعرف العوم فإن نجوت من الطائرة كانت ستتخطفك التماسيح في نهر السوباط.
نهار يوم 12 فبراير كان يوما ثقيلا ً علي فبحكم عملي وزير دولة بالخارجية والاستاذ على عثمان وزير الخارجية حيث كان دائما مشغولا بقضايا اخرى سياسية وأمنية كنت مسئولا عن معظم العمل الاداري والمالي في الخارجية ، حوالي منتصف النهار رن جرس الهاتف وابلغوني بأني مطلوب فورا لدى الاخ الرئيس بمكتبه بالقصر الجمهوري قلت اكمل بعض الاعمال بسرعة فاذا بهاتف ثاني يستعجلني في الحضور لمكتب السيد الرئيس تحركت على الفور ولم يدر بخلدي ابدا ان النبأ هو ما سيبلغني به الأخ الرئيس ، وجدت الناس وجوماً حول الاخ الرئيس فتوجست فبادرني الاخ الرئيس بالخبر حاول ان يخفف علي وقعه لكني كنت قد فقدت وعيي وحملت الى غرفة مجاورة في احد مكاتب القصر ، بعد مدة عاد الى وعيي فاسترجعت الله وارسلت دموعي وعبراتي ثم غسلت وجهي وتوضأت وصليت واستغفرت الله ..ودعوت للراحل بالرحمة وللسودان بالحفظ والصون ثم بدأنا في الترتيب لاستقبال الجثمان وترتيبات العزاء .
رحم الله الشهيد الزبير محمد صالح رحمة واسعة واسكنه علياء الجنان فقد كان اخا كريما سمحا رقيقا في محل الرقة قويا في محل القوة ، من لايعرفه يهابه لكنك عندما تقترب منه تجد نفسك امام رجلا حنونا، ودودا ، عطوفا، كلماته عفوية تدخل القلب بلا اسئذان ، سأحاول في هذا المقال والمقالات القادمة أن اتعرض لبعض من هذه المواقف والمشاهد التي كنت شاهدا عليها والتي تعكس بعضا من صفاته وسأبدأ بزيارتين من زياراته العديدة لليبيا حيث كانت تربطه بالقيادة الليبية في عهد العقيد معمر القذافي وخاصة باللواء ابو بكر يونس جابر وزير الدفاع والمشرف على شئون السودان علاقة وثيقة ، الزيارة الاولى كانت تلبية لدعوة من العقيد القذافي للرئيس البشير للمشاركة في احتفالات الفاتح من سبتمبر وكان العقيد القذافي يرغب بشدة في مشاركة الرئيس البشير شخصيا الا انه اعتذر وكلف نائبه الاول الراحل الزبير لينوب عنه ، وصلنا الى ليبيا ( الجماهيرية في ذلك الوقت ) ثم ذهبنا لمنصة الاحتفال حيث يجلس العقيد القذافي وسط ضيوفه سلم عليه الراحل فرد العقيد التحية قائلا ( مرحبا يا زبير لكن كنا عايزين البشير ) معبرا عن امتعاضه بعدم حضور الرئيس البشير ، ذهلت من هذا الموقف وهذه التحية غير الدبلوماسية من العقيد القذافي ، وانتظرت انظر كيف سيتصرف النائب الاول فإذا به وبعفويه وابتسامة وبرود يرد ردا يضحك الجميع بما فيهم القذافي قال له ( يا قائد انا جيت قول الحمد لله البشير كمان بيجي) ، الزيارة الثانية كانت اعجب حيث كنا في حاجة ماسة الى شحنات من النفط ، ترددت على العاصمة الليبية طرابلس عدة مرات التقيت خلالها القذافي وكان في كل مرة يضع امامي مزيدا من الالتزامات التي يزعم اننا لم نلتزم بها . وفي اخر زيارة قدم دعوة للدكتور حسن الترابي لزيارة ليبيا لأنه يود مناقشته في قضايا اسلامية وفكرية . ليبيا كانت تحت الحصار الاممي بعد حادثة لوكربي ، الاجواء الليبية ممنوع الطيران فيها ، قبل ذلك حدثت حادثة اختفاء الامام موسى الصدر المتهم فيها النظام الليبي ، قابلت الدكتور الترابي ونقلت له الدعوة وفي ذهني شحنات النفط الليبية ، ( ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير ) لم يأخذ مني الدكتور الترابي وقتا طويلا فهو معروف بالشجاعة والتوكل لدرجة يحسبه البعض مغامرا وافق على الزيارة علها تكون سببا في الافراج عن شحنات النفط وطلب مني الاعداد للزيارة ، ذهبت للرئيس البشير وقصصت عليه القصة والدعوة فرفض رفضا قاطعا سفر الدكتور الترابي الى ليبيا ، في ذهنه طبعا اختفاء الامام موسى الصدر ، وحقيقة له كل الحق في منع سفر الدكتور الترابي خاصة وانه مستهدف وقد استهدف من قبل عند زيارته لكندا ، لجأت للراحل الزبير وطلبت منه ان يفاتح الرئيس ويراجعه في هذا الامر وقد فعل ، لم يستطع تغيير موقف الاخ الرئيس . ظللت اتردد على الاخ الرئيس وبدفع من الدكتور الترابي اُوسط شخصيات لتليين موقف الاخ الرئيس دون جدوى واشتدت الازمة والموسم الشتوي على الابواب ونحن في أمس الحاجة الى شحنات النفط الليبية اخيرا وافق الاخ الرئيس على سفر الدكتور الترابي ولكن بشروط محددة فما هي هذه الشروط وكيف تمت الزيارة وكيف كانت نتائجها هذا ما سنتعرض له في الحلقة القادمة..

*وزير خارجية السودان الاسبق ، استاذ العلوم السياسية – جامعة افريقيا العالمية



الحلقة الخامسة
مفكرة الأسبوع
في رحاب ذكرى رحيل الشهيد المشير الزبير محمد صالح
)مواقف ومشاهد( 1
د. مصطفى عثمان اسماعيل*


تمر علينا هذه الايام الذكرى الثامنة عشر لاستشهاد الراحل المقيم المشير الزبير محمد صالح وصحبه الميامين وذلك نتيجة حادث اليم ادى الى سقوط الطائرة المقلة لهم في نهر السوباط في اعالي النيل وغرقها في الثاني عشر من فبراير 1998.
هذه الذكرى التي اتخذتها مؤسسة الزبير الخيرية مناسبة سنوية لأحياء ذكرى رحيل الراحل الشهيد الزبير محمد صالح تعدد فيها مآثره وجلائل اعماله بمشاركة واسعة من أطياف الشعب السوداني وطوائفه واسرة الراحل المقيم وفي مقدمة هؤلاء الايتام والآرامل والفقراء وذوي الحاجات الذين ترعاهم المؤسسة والتي قام على تأسيسها نفر كريم بعد استشهاده .
كان الاحتفال بإحياء الذكرى هذا العام محضورا وقد اعدت له المؤسسة اعدادا جيدا من خلال المعرض الذي يحكي مسيرة المؤسسة خلال ثمانية عشرة عاما من تأسيسها ويبين نشاط المؤسسة في مجال كفالة الايتام ، ورعاية الارامل والفقراء والمساكين ، في مجال الاغاثة في دارفور وجنوب كردفان وشرق السودان، وخارج السودان مع مسلمي اراكان في بورما ، في سيريلانكا ، وفي البوسنة والهيرسك ، في اندونيسيا وفي افريقيا ، في مجال السقيا في داخل السودان وخارج السودان ، وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات . ومن خلال الفيلم الذي اعدته المؤسسة عن حياة الراحل المقيم ومجاهداته من اجل السلام وفي مناطق العمليات وزيارته المتكررة للمواطنين في ولاياتهم . ومقاطع من خطبه وكلماته التي هي من القلب الى القلب دون تكلف الشيء الذي جعل حبه في قلوب الناس كل الناس صغيرهم قبل كبيرهم فقيرهم قبل غنيهم ضعيفهم قبل قويهم . ومما ميز الحفل هذا العام حضور ممثلي الولايات وتوقيعهم لإتفاقيات مع المؤسسة لتنفيذ عدد من المناشط الانسانية اما الاطفال الايتام والنساء الارامل الذين ترعاهم المؤسسة فقد اضفوا على الحفل لوحة انسانية تكافلية بديعة .
كان لوجود سفير دولة فلسطين بالسودان اشارة بليغة حيث تنشط المؤسسة في العمل الانساني في فلسطين في غزة وغيرها من اماكن تواجد الفلسطينيين فعبر عن مدى ارتباط الشعب السوداني بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني . المرأة واتحاد عام المرأة السودانية واتحاد المرأة بولاية الخرطوم والمنظمات النسائية المختلفة كل هؤلاء كانوا حضورا ولعل هذا يذكرنا بالراحلة المقيمة الاستاذة ليلى خالد رحمها الله رحمة واسعة حيث كانت مسئولة عن النشاط الاجتماعي للمؤسسة بجانب رئاستها لاتحاد المرأة ولاية الخرطوم ، الحضور الرسمي كان مشرفا ومتنوعا ومعبرا من البروفسير ابراهيم الدخيري وزير الزراعة الاتحادي الى الفريق اول ركن يحيى محمد خير نائب رئيس هيئة الاركان ، الى الفريق ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين والي ولاية الخرطوم والوزراء والولاة من ولايات السودان ، المؤسسة لبست حلة زاهية ممثلة في امينها العام ابراهيم عبد الحليم ونائب الامين الاستاذ المحامي طارق عبد الفتاح وكوكبة من اهل الولاية الشمالية ومحلية القولد ممن تربطهم صلات قربى او صداقة بالراحل الزبير على رأس هؤلاء معتمد محلية القولد مهدي بيرم ومعتمد محلية البرقيق ابن القولد امير فتحي وآخرين .
كرئيس لمجلس امناء مؤسسة الزبير الخيرية خاطبت الحضور وجاء في كلمتي :
الان نقف مشدوهين وفي العيون وان تطاولت السنوات بقايا دمع ثخين ، وفي القلب حزن دفين وفي النفس اشتياق لأحبة رحلوا عنا كنسمات عابرة تركت فينا شذاها و نسيمها الطيب وذكراها العطرة .
اني اقف الآن في محراب من محاريب الحزن والوفاء لأنسان كان فينا ملء السمع والبصر حضوراً وألقا كما النجم الساطع في حالكات الليالي ، أخ تتقاصر الكلمات عن وصفه وتتقزم المرثيات في بكائه وصفوه بالطود العظيم ووصفوه بالشهيد الامة وانه لكذلك... ثمانية عشر قد مرت على الرحيل... ذلك الرحيل المر بطعم العلقم .. ولم تزل تلك الغصة تعتلي الصدور فإن الجرح كان ولم يزل بليغاً والمصاب كان جلل والصدع كان عميقا والفقد كان مهولا .. تساقطت السنوات الثمانية عشر كما تساقطت الدموع عليه ...وكما تساقطت هيبات الجلال من على وجوه الرجال فكم من جَلدٍ خَرَّ باكيا وكم من شيخ خضلت لحيته جاريات الدمع الهتون ، وارتجت الدور بالعويل والبكاء ..فراق الحبيب الزبير كان حدثاً تضعضع امامه ثبات الرجال وصبر المؤمنين ...فقد كنت أخي الزبير كبيرا محبوبا وسط زملائك في السلطة التي لم تفرح لها ولم تحفي بها كأنك قد أعددت نفسك لهذا الرحيل ..وقد كنت محبوبا من كل زملائك ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة وقد كانت زياراتك لهم بمثابة الاعياد ... توقر كبيرهم وتعطف على صغيرهم فقد كنت نعم الاخ ونعم الاب ونعم الابن ... وفي الحرب كان خبر وصولك لارض العمليات اشد على الاعداء من الف جندي وكان وقعه على جنودنا دعماً وقوة توازي جيشاً بحاله .. وكذلك كنت وسط اهلك حنوناً عطوفا طيبا مواسيا مواصلا مجاملا باذلا معطاء .
وقد قالت فيك خنساء السودان الشاعرة البارعة روضة الحاج مرثية لهي لسان حالنا جميعا :
فبمن نلوذ وقد مضي من كان سيدنا وراح
وبمن نلوذ وقد مضي من كان يمنحنا العزيمة والشكيمة والسلاح
وبمن نلوذ وقد ترجل ثم القي رحله ثم استراح ولمن سنهرع بالجراح من الجراح
يا سيد الشهداءِ يا رجلاً بقامة كل أبنوس الجنوب وكل نخلات الشمالْ
يا سامقاً كالطود فرداً فوق أعناق الرجالْ
يا أيها المنسوج وحدكَ من دماء النيلِ من سعف النخيل..
ومن هوي التاريخ من حجب الجلالْ
يا يا ايها الرجل القضية يا قويما في هوي السودان قال :
(يا اخوانا هوي عشم البلد داير التماسيح البتخطف في الدميره وداير الفي القيد
يناتل للسلام او للكتال)
يا ايها الرجل الجلال او ما تذكرت الملايين التي خرجت اليك
تبث اشواق الذي سيكون في يوم قريب؟؟
اوما تذكرت الصبايا النائحات وعبرة الاطفال في اليوم المهيب
اوما تذكرت المساجد والخلاوي اوما سمعت نداؤنا ان عد الينا لا تعجل
وانتظرنا يا اخا الدرب الرهيب واخترت عند المصطفي رفع التمام
وتركتنا زغب الحواصل مثل افراخ الحمام
ومضيت مثل النور مؤتلقا ومبتسماوضيئا عند عرش الله يا هذا الهمام
بشري لمن وقفوا علي الفردوس ينتظرون ان تاتي اليهم هكذا في كل عام
لكأنني بوجوههم....هذا علي ثم ذاك محمد وابن الشريف وابو دجانة والعبيد وذاك يا ويحي انا عبد السلام
لكأنني بك سيد الشهداء صرت امامهم : انعم بوجهك من امام
ومضيت عنا سيد الشهداء ابشر لن تضام ولن نضام
ستظل حيا في القلوب وفي خطوط النار في الاحراش في سبل السلام
الله يرحمك يا حبيبنا الزبير ويوسع عليك قبرك ويجعله روضة من رياض الجنة واهنئك ... عشت فينا كبيرا وفي وفاتك شامخاً كالطود فالكل يذكرك ويذكر مواقفك الطيبة النبيلة ... قال تعالى:(( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً ))
ولم ينتهي ذكرك برحيلك المأسوف وانما كان ميلادا لك فينا من جديد ، فقد كان رحيلك ميلاداً لمؤسسة قوية بقوتك سخية بسخائك ، فاصحبت مؤسسة الشهيد الزبير الخيرية وأنعم به من اسم شامخة كالطود فكأنما سقيتها من دمائك الذكية ، سخية تكفل الايتام وتواسي الارامل وتمسح دموع المعتازين وتسكن آلام المرضى ، ظلت تعمل بكل كد وجهد وجد طوال ثمانية عشرة عاما مرت كانت فيها عضدا وسندا لكل محتاج ، وقد بلغت من التميز مبلغا كبيرا فتقاطر عليها الخيرون من كل حدب وصوب وكل منهم يمني نفسه بالبذل تحت هذا الاسم الكبير الخالد ، لتكون مرفدا لكل ذي حاجة وقد افلحت خلال هذه السنوات ان تبلغ مبلغا عظيما من الصيت والتميز الذي مكنها من ان تحتل باسمها مكانا مرموقا وسط المؤسسات الخيرية في بلاد الاسلام ، وما كان هذا ليكون لولا ان كان خلفها من الرجال والنساء الذين جعلهم حبهم للشهيد الزبير يبذلون كل جهدهم وعرقهم من اجل ان يروا هذا الصرح مناطحا لسموات التميز والنجاح .
ومن هذا المنبر ادعو نفسي وكل الاخوة القائمين على امر المؤسسة واعضائها ومجلسها الموقر على جعل هذه الذكرى منطلقا لرحاب اوسع ومشاريع اكبر ، فلنشخذ الهمم ولنكن في حالة عصف ذهني لنبتكر ونفجر الافكار من اجل مشاريع جديدة وريادية نضاهي بها الذكرى المضيئة لشهيدنا الأمة .
وقبل ان اغادر لابد لي ان اترحم على روح اول رئيس لمجلس امناء المؤسسة الاخ عز الدين السيد الذي انتقل من دنيانا منتصف العام الماضي وعلى روح الراحلة الفاضلة الاستاذة ليلى خالد رئيس القسم الاجتماعي بالمؤسسة ورئيس اتحاد المرأة بولاية الخرطوم ، وعلى درب الابداع والابتكار الذي دعوت له يسرني أن أعلن الآتي:
اولا: تأسيس جائزة الزبير الدولية للسلام ، يتنافس عليها اولئك الذين ادوا دورا مهما في سبيل السلام وتحقيقه من داخل السودان وخارجه وستشكل لجنة خاصة بهذه الجائزة التي ستبرز حب اهل السودان للسلام وتجاربهم في السعي لتحقيق السلام .
ثانيا : جائزة الام المثالية للأيتام ، وستكون هذه الجائزة لأفضل ام ادت دورا في تربية الايتام ورعايتهم وستعمل الجائزة على ترسيخ قيم كفالة اليتيم وذلك بالتنسيق مع المنظمات العاملة في هذا المجال .
ثالثا : نعلن عن المؤتمر العربي للأيتام في السودان هذا العام ، تدعى له كل المؤسسات والمنظمات العربية العاملة في مجال رعاية الايتام ..
أخيرا نكتفي بهذا القدر ونعود للمفكرة وسنواصل خلالها في اعدادنا القادمة ونتطرق لبعض المواقف والمشاهد للراحل المشير الزبير محمد صالح في الداخل وفي الخارج التي كنت شاهدا عليها .

*وزير خارجية السودان الاسبق ، استاذ العلوم السياسية – جامعة افريقيا العالمية

الحلقة الرابعة
مفكرة الأسبوع
التحية للكويت في ذكرى تحريرها
د. مصطفى عثمان اسماعيل*

أيام قلائل وتمر علينا الذكرى الخامسة والعشرين او اليوبيل الفضي لتحرير الكويت كان ذلك تحديد في يوم 26 فبراير 1991 . فالتحية لشعب الكويت الأصيل في عروبته ، الأصيل في اسلامه ، الأصيل في كرمه وسخائه ، فقد شهدنا على ذلك السخاء هنا في السودان ووقفت أنا على هذا العطاء المتدفق من خلال دعم القضية الفلسطينية والتي كانت فيها الكويت بمثابة الداعم الأكبر مع دول اخريات ، والتحية لقائد الركب الرجل الحكمة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير البلاد .
إن مابين غزو واحتلال الكويت وتحريرها لقصص وعبر وتبقى دروساً باقية ليس فقط لشعبي الكويت والعراق بل لأمتينا العربية والاسلامية لا... بل لكافة شعوب العالم الحرة الساعية للأمن والإستقرار والرفاهية كحق أصيل لكل إنسان ، فالأمن من حقوق الإنسان التي كفلها له القانون الدولي ومن قبل ذلك كفلها له الله سبحانه وتعالى القائل في كتابه الكريم ( والذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ).
يقول الشاعر
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه **إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
وللأوطان في دم كل حرٌ*** يدٌ سلفت ودينٌ مستحقُ
إستلهاما من الأبيات السابقة هب الشعب الكويتي لحماية أرضه وعرضه ، شعبٌ أُخذ على حين غرة ، شعبٌ مسالم متواصل مع غيره من شعوب العالم لكنه رغم ذلك ورغم قلة العدد والعدة والعتاد إلا انه صمد وقاتل وضحى فإنتصر بعون الله وإرادته الغلابة :
الله اكبر ياكويت ****** الفرحة عانقت كل بيت
والتهنئة موصولة بهذه المناسبة السعيدة لسعادة الأخ السفير طلال منصور الهاجري سفير دولة الكويت لدى السودان وطاقم سفارته الكرماء ..
بعد هذه التهنئة المستحقة نواصل الكتابة عن زيارتي للكويت العزيزة ، في المقال السابق تعرضنا لزيارتي للكويت بعد انقطاع دام لاكثر من ثمانية سنوات ، زيارةٌ كانت محفوفة بالمخاطر والفشل فكتب الله لها النجاح ..ودون شك فكل نجاح وراءه رجال فكان هناك من ساهم في هذا النجاح ، فمن الجانب الكويتي تحدثت عن الشيخ صباح الرجل السمح الصبوح اطال الله في عمره (امير الكويت الحالي) و أيضا أعضاء الوفد الشعبي الذي زار السودان أيام الغزو الحزين ، أذكر منهم الأستاذ مبارك الدويلة عضو مجلس الأمة الكويتي في ذلك الوقت وسعود العصيمي وزير الدولة بوزارة الخارجية الكويتية والسيد محمد مساعد الصالح رئيس تحرير جريدة الوطن الكويتية وعبد الباقي عبد الله النوري عضو مجلس الأمة ، ولا أنسى ايضاً ممثلي المؤسسات الخيرية الذين لم ينقطعوا عن الأتصال بالسودان وعلى رأس هؤلاء النفر الطيب.. الشيخ عبد الله المطوع ( أبو بدر) والدكتور عبد الرحمن السميط وعبد الله الزميع والحمضان والشيخ يوسف الحجي (أبو سعيد ) وغيرهم . الشيخ عبد الله المطوع (أبو بدر) رحمه الله رجل خير وإحسان وإنفاق أذكر له من حسناته وأفضاله عندما جاءت الأنقاذ في 30 يونيو 1989، كانت خزينة الدولة خاوية من النقد الأجنبي ( العملة الصعبة ) وتعاني البلد من إنعدام السلع الضرورية كالدقيق والسكر والمشتقات البترولية والوقود بأنواعه إتصلنا على الشيخ عبد الله المطوع وكانت هناك سفينة في في عرض البحر تحمل شحنة دقيق فدفع ثمنها كاملاً وحول مسارها الى السودان ليساهم في فك الضائقة عن شعب السودان... وله غيرها أفضال كثيرة على السودان وغير السودان وكان من الداعمين للقضية الفلسطينية رحمه الله رحمة واسعة وجعل كل ذلك في ميزان حسناته ، ومن الجانب السوداني فالجالية السودانية في الكويت خاصة الذين صمدوا وبقوا في الكويت فقد لعبوا دورا هاما في ذلك ...وفي السودان كانت الرؤية واضحة للرئيس البشير سنداً ودعماً فقد اوصاني قائلا (( الكويت جرحت جرحا عميقا ،.. مهمتنا ان نساعد في الاسراع ببرء الجرح) .. جمعية الاخوة السودانية الكويتية بالخرطوم كانوا في مقدمة المحتفلين بتحرير الكويت وأعدوا مهرجاناً ضخماً بعنوان الكويت في عيوننا ، وآخرين من أمثال المشير عبد الرحمن سوار الدهب كان لهم اسهام واضح . سفراءنا ودبلوماسيينا وطاقم السفارة الذين تعاقبوا على العمل في سفارتنا في الكويت بدءاً بالوزير المفوض عبد الله عمر ، السفير عبدالمنعم مبروك ، السفير يوسف فضل ، السفير ايراهيم ميرغني والسفير يحيى عبد الجليل ثم السفير الحالي محيي الدين سالم ، ولا ننسى سفير الكويت في الخرطوم إبان الغزو السفير عبد الله السريع الذي كان يلقب بعبد الله جوبا والذي خدم في السودان فترة ليست بالقصيرة ترك فيها بصمات واضحة خاصة في جنوب السودان .كل من ذكرت كان لهم إسهام واضح في نجاح زيارتي وفي عودة العلاقات بين البلدين الشقيقين .
بعد الزيارة الإولى الناجحة تتابعت زياراتنا للكويت وبدأت العمالة السودانية تعود إلى الكويت وعقدنا اللجنة الوزارية المشتركة برئاسة وزيري الخارجية في والكويت ، كان وقتها وزير الخارجية الدكتور محمد الصباح وأصبح الشيخ صباح رئيسا للوزراء ، من الذين رافقوني في وفد اللجنة الوزارية الأستاذة إشراقة سيد محمود وكانت تشغل منصب وزير الدولة بوزارة التعاون الدولي بعد الإجتماعات دعاني د.محمد الصباح وزير الخارجية الكويتي والاستاذة اشراقة لمأدبة غداء ، في صبيحة اليوم التالي جاءت عناوين الصحف الكويتية وزير الخارجية يولم (من وليمة ) للسيد وزير خارجية السودان والسيدة حرمه ( في الصورة وزير الخارجية الكويتي وشخصي والوزيرة اشراقة المقصودة بحرمي ) ، في الصباح الباكر دق جرس الهاتف فإذا بالوزيرة اشراقة: يا دكتور عاوزاك ضروري جداً قلت لها تفضلي جاءت وهي تحمل الصحف منزعجة جداً وقالت لي يا دكتور لازم تطلع بيان وتنفي هذا الكلام قلت مازحاً يا استاذة ينفي الإنسان المتضرر أنا لست متضرراً عادت لغرفتها وهي غاضبة مني ومن مزحتي لكن يبدو أن تلك المزحة عجلت بزواج الأستاذة إشراقة فبعد عودتنا للخرطوم ماهي إلا أسابيع ووصلتنا الدعوة لحضور مراسم زواجها .
بعد التوقيع على أتفاقية سلام شرق السودان مع جبهة الشرق في أسمرا أكتوبر 2006 تلك الإتفاقية التي جلبت لشرقنا الحبيب سلاماً إستمر حتى الآن وهذه هي السنة العاشرة منذ توقيع الاتفاقية و لم يعكر صفوه شيء ولم تطلق رصاصة واحدة ...سلامٌ حول الشرق من منطقة حرب وإقتتال وتنازع الى واحة طيبة ومنطقة جاذبة للاستثمار والتنمية ، بعد توقيع السلام فكرنا في مؤتمر يهدف إلى تنمية شرق السودان وتفاكرنا في الدولة التي يمكن أن تحتضن مثل هذا المؤتمر وبعد اسئذان الأخ الرئيس البشير حملت رسالة منه إلى سمو الأمير الشيخ صباح ، فإستقبلني ببشاشته المعهودة فسلمته الرسالة فإطلع عليها ثم طرحت عليه فكرة إستضافة الكويت للمؤتمر فرد علي قائلاً : يا دكتور ونحن نقدر نرفض لكم طلب ، في المؤتمر كانت الكويت في المقدمة حيث تبرعت بمنحة بخمسين مليون دولار للتعليم والصحة والمياه والمأوى ثم نصف مليار دولار تسهيلات من الصندوق الكويتي للطرق وتأهيل المشاريع الزراعية وشبكة الكهرباء والصرف الصحي في ولايات الشرق الثلاثة ...وكل هذه المشروعات الآن قيد التنفيذ ولله الحمد ، بلغت جملة الإلتزامات في المؤتمر أكثر من ثلاثة مليار دولار يشرف على تنفيذ المشروعات صندوق تنمية وإعمار شرق السودان .
الكويت أفضالها على السودان كثيرة لاتحصى فهي من أكثر الدول تقييماً وتقديراً للخبراء السودانيين الذين ساهموا في بناء وإنجاز نهضمة وإعمار دول الخليج ويذكرون ذلك في كل ملأ .
.
*وزير خارجية السودان الاسبق ، استاذ العلوم السياسية – جامعة افريقيا العالمية

مفكرة الاسبوع
آه يا بغداد
د. مصطفى عثمان اسماعيل*
بغداد يابلد الرشيد *** ومنارة المجد التليد

كانت ولم تزل بغداد منارة ورمزا للقوة والصمود فإن كانت ارض الحرمين هي ارض الاسلام والسلام والقدس تخطب ود كل عربي ومسلم فإن بغداد كانت رمزا للعروبة الاصيلة وعنواناً للصمود فقد كانت مطمعاً لكل من يستهدف الاسلام والعروبة على مر التاريخ فحينما استهدف التتار المغول حصونها لم يكونوا جاهلين بمعناها ومكانتها لبلاد المشرق العربي الاسلامي لذلك فحينما سقطت امام جحافلهم سقط معها الكبرياء العربي فتداعت بعدها كل الامصار سقوطاً وحداً تلو الاخر وهاهو التأريخ يعيد نفسه بإخراج جديد ولاعبون جدد لكن يظل المغزى واحد .
شهران وتمر علينا ذكرى احتلال الامريكان للعراق ذلك الاحتلال الذي كشف الوجه الكالح للاستعمار التقليدي للولايات المتحدة لأول مرة بعد هزيمتها في فيتنام .وهو الاحتلال الذي خلف كل المصائب والمآسي التي يعيشها العراق اليوم من تمزق وتشتت ودمار واقتتال على الهوية الطائفية بل استطيع ان اقول ان كل المشاكل التي تعاني منها المنطقة العربية اليوم من جراء هذا الاحتلال .
صحيح ان الاحتلال جاء بعد الغزو العراقي للكويت ، الذي فتح المنطقة العربية للتدخلات الاجنبية .فالكويت التي كانت من اكثر الدول العربية انخراطا في العمل العربي المشترك ودعما للقضية الفلسطينية والشعب الكويتي هو الذي احتضن منظمة التحرير الفلسطينية و منظمة حماس وغيرها من المنظمات الفلسطينية . وجدت الكويت نفسها لأول مرة ان امنها ووجودها مهدد لا من الخارج ولا من العدو الصهيوني بل من الجار العربي الذي من المفترص ان يكون حامي الحمى .
مهما قال البعض من أسباب ومسببات لذلك الغزو فقد ضرب مسمارا قوياً ان لم يكن الاخير في نعش الوحدة العربية والتي كنا نحلم بها والأمن القومي العربي الذي كنا ننادي به ، ايام الغزو العراقي الكويت كنت امينا عاما لمجلس الصداقة الشعبية العالمية بعد تحرير الكويت جاءنا وفد شعبي من دولة الكويت برئاسة الأخ الدكتور غانم النجار وطلب منا التدخل لدى العراق لإطلاق سراح الأسرى الكويتيين الذين تم اسرهم اثناء الغزو .
تحدثت مع الأخ رئيس الجمهورية وحملت رسالة خطية منه للرئيس العراقي صدام حسين وسافرت للعراق عبر الاردن ومن الاردن بالطريق البري حوالي عشر ساعات حيث الحصار المطبق على العراق بواسطة مجلس الامن الدولي . ثم استقبالي على مشارف بغداد وفي اليوم التالي حدد الموعد لمقابلة الرئيس صدام حسين . دخلت عليه قبل الظهر بقليل ، استقبلني بترحاب شديد وسأل عن احوال السودان وعن الرئيس البشير فرددت عليه التحية ونقلت له تحيات الرئيس البشير ثم حسب البروتكول قمت بتسليمه الرسالة فأطلع عليها بتمعن شديد وببطء ،كنت اُلاحظ مع مرور الوقت تغير في وجهه وبدأ الغضب واضحاً عليه وضع الرسالة جانباً والتفت الى قائلا تفضل يا اخ مصطفى . جمعت كل قواي وبدأت أشرح مهمتي التي وضح لي من تغير وجه الرئيس صدام انها مهمة صعبة . بعد انتهائي من الشرح والتوضيح مع استدلالي بالحجج والبراهين صمت الرئيس صدام قليلا ثم قال : تعرف يا أخ مصطفى قبل اسبوع كان يجلس في مكانك هذا الاخ ابوعمار ( الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ) وجاء لنفس هذا الموضوع الذي اتيت انت من اجله وكانت اجابتي له ( ايش دخلك بموضوع الاسرى الكويتيين ) بمعنى آخر ما دخلك او ما الذي يعنيك بموضوع الاسرى الكويتيين وبهذه الاجابة غادر ابو عمار بغداد . فهمت الرسالة تماما وما تعنيه والمفروض حسب البروتوكول ان تنتهي الزيارة عند هذا الحد وان اغادر كما غادر ابو عمار من قبلي . لم استسلم صمت برهة ثم استأنفت الحديث مرة اخرى حول الموضوع واسترسلت فيه ، عندما توقفت نظر الي الرئيس صدام وقال لي أخ مصطفى هل صليت الظهر اجبت بلا وفهمت الرسالة مرة اخرى قال لي هيا نصلي الظهر معاً، في القاعة المجاورة صلى بي الرئيس صدام اماماً صلاة طويلة يركع فيها حتى اقول متى يرفع ويسجد حتى اقول متى يرفع من السجود وبعد الفراغ من الصلاة والباقيات الصالحات رفع كفيه الى السماء ودعى دعاء طويلا وهذه الصلاة ذكرتني صلاة أخرى في صنعاء بعد الانتصار في حرب الوحدة اليمنية وكان يؤمنا الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس المجلس الاعلى في اليمن بعد الوحدة ومن بين المصلين الرئيسين عمر البشير وعلي عبد الله صالح ، الشيخ الزنداني عادته يطيل الصلاة ويؤديها بخشوع وتؤودة ومهلة وعندما انتهى من الصلاة وسلم صاح فيه الرئيس على عبد الله صالح قائلا ( ذبحتنا يا أخي ذبحتنا ) تعبيرا عن قلقه لطول الصلاة .
اعود بكم الى قصتي مع الرئيس صدام حسين فبعد الصلاة عدنا للمكتب وبدأت هذه المرة وبإصرار في طرح كل حججي وكان مما قلته ان هذه الازمة احدثت شرخا كبيراً بين النخب الحاكمة واذا لم نحاصرها فلسوف تنزل لمستوى القواعد والشعوب لا محالة مع التطرق الاعلامي الكثيف والتداول السريع والاحتقان الماثل امامنا وهذه هي الخطورة ، فالشرخ بين الحكام يمكن تداركه اما بين الشعوب فمن الصعوبة ان ينصلح . قال الرئيس صدام اخ مصطفى انت مصر على مواصلة الحديث في هذا الموضوع قلت نعم سيدي الرئيس فهي المهمة التي ارسلت من اجلها ، فنادى على سكرتيره الخاص وطلب منه ان يستدعى وزير الخارجية والمستشار القانوني رياض القيسي وكان رجلاً متمكناً وعالماً بتفاصيل القانون الدولي . لحظات وحضر الرجلان فوجههما ان يستمعا اليَّ وان يتعاونا معي ، خرجنا من عند الرئيس صدام وبدأنا اجتماعاتنا وبعد حوالى اسبوع استلمت قائمة بها حوالى خمسمائة اسم يمكن ان تكون لكويتيين ويمكن ان تكون لغيرهم فهي تحتاج لغربلة وفحص لكنها القوائم الموجودة في بعض السجون المشتبه فيها ثم عدت بها للسودان . في الخرطوم كان الوفد الشعبي الكويتي في انتظاري وكانت الفرحة كبيرة بما تم انجازه وبينما نحن نراجع الاسماء مع الوفد الشعبي ، شن الاعلام الكويتي هجوما شديدا على ما كان يسمى بدول الضد وهي الدول التي اتهمت بالوقوف مع العراق ومن بينها السودان ، بعد التشاور مع القيادة في السودان ورغم الحاح الوفد الشعبي الكويتي على ان اواصل المهمة بنفسي ، حيث كانت تنتظرني زيارة ثانية للعراق الا انه استقر الرأي على ان انقل الملف الى جامعة الدول العربية تحسباً لأي حرج قد يصيب السودان ، ترجاني الوفد الشعبي الكويتي الّا افعل ذلك للحساسية التي كانت موجودة بين العراق وجامعة الدول العربية الا ان الامر كان قد حسم .
سافرت للقاهرة ووجدت الرجل الخلوق عصمت عبد المجيد الامين لجامعة الدول العربية آنذاك في انتظاري ، قصصت عليه القصة وسلمته القائمة المنقحة ودعوت الله له بالتوفيق ، شكرني الدكتور عصمت عبد المجيد وترجاني ان اواصل معه المشوار وان اكون مبعوث الجامعة العربية الى العراق واستخدم كل مهاراته القانونية والدبلوماسية فقد كان ضليعا في ذلك بل طلب مني ان ارتب له لقاء مع الرئيس البشير في الخرطوم ان كان ذلك سيغير في الموقف بشيء الا انني اعتذرت عن كل ذلك فقد كان التوجيه لى واضح وهو الخروج من هذا الملف دون خسائر سياسية .
** حربا الخليج الاولى والثانية والغزو العراقي للكويت والغزو الامريكي للعراق هذه الاحداث هي أُسُ البلايا التي يواجهها العالم العربي اليوم ، تقديري ان خفاياها واسرارها كلها لم تكشف بعد وهذا ما سنحاول ان نتعرض له في الحلقات القادمة من المفكرة .
حاشية :
السودان دولة فاشلة :
مقولة نسبت الي في عنوان عريض بصحيفة الجريدة وعلى الرغم من البيان الصحفي الذي اصدرته نافياً ذلك بتاريخ 16 يناير 2016 وتعرضت له العديد من الصحف ونشرته هذه الصحيفة كاملا ً ، واوضحت فيه انني لم اقل ذلك لا من قريب ولا من بعيد ولاحتى تعريضاً وان هذا افتراء ، بل انني التقيت صدفة مع مندوبة صحيفة الجريدة اليومية والتي غطت الندوة مثار الاتهام وسألتها امام جمهور من الصحفيين في ندوة اخرى بالمركز السوداني للخدمات الصحفية عن هذا العنوان الغريب الذي اوردته صحيفتها فقالت انها كتبت التغطية والخبر ولكنها تبرأت من العنوان المشار اليه وانها لم تكتبه ولم تشر الى ذلك ، رغم كل ذلك ما زال البعض يردد كالببغاء ويحلل بما يروق له ، جهلاً او غباءاً او غرضاً .

*وزير خارجية السودان الاسبق ، استاذ العلوم السياسية – جامعة افريقيا العالمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.