واحدة من أجمل وأروع خصال الشعب السوداني التي يندر أن تجدها في شعب من الشعوب، صفة احتواء واستقبال الآخر تحت كل الظروف وفي كل الأجواء، نحن شعب بيوتنا مفتوحة حتى وقت قريب ولا زالت للبعيد والقريب ثقافتنا وإرثنا أن الضيف مقدس واحترامه واجب وإكرامه أوجب، نحن من اخترعنا وصورنا للعالم فلسفة "بليلة مباشر ولا ضبيحة مكاشر"، لأن كرم البني آدم بحميميته ودواخله الطيبة وليس في موائده الممتدة أو خزائنه المعبأة وحتى وإن تلاشت أو بهتت هذه القيم في صراع المدن المصنوعة، فإنها لا زالت باقية ومتجذرة في إنسان السودان البسيط الجميل في القرى والولايات، وظللت أقول دائماً إن أصحاب "باقة العسل" ليست نكتة تستحق الضحك بقدر ما هي عنوان لناس لا زالوا مترابطين ومرتبطين بحلقات الود والوصل والتراحم الجميل، ولا أتوقع من هؤلاء صرة وش لغاشي درب أو بخل بلقمة زاد أو شربة موية، هؤلاء هم أهل السودان الذين يكرمون الضيف ويحسنون وفادته حتى لو جاء قاصدهم في رقبة يعفوها ويودعونه بالسلام، وقلت الكلام دا ليه، لأن ما حدث من أهل فداسي تجاه وفد والي ولاية الجزيرة "الطاهر إيلا" لا يعبر إلا عن أن هؤلاء الطيبين قد بلغوا الحد ووصلوا الميس بكذب المسؤولين جهاراً نهاراً وتلفيقاتهم البايخة التي تداري الحقائق وتدغمس الراهن، ولو أن الوالي جاءهم معزياً لأحسنوا وفادته وأكرموه رغم ما في صدورهم من مشاعر الغضب اتجاه اللا مبالاة واللا اهتمام واللا اعتبار لإنسانية الإنسان وهو ما ظهر واضحاً وجلياً في حادثة شهداء فداسي، لكن كمان يقيف وزير الصحة ويزيدهم رهقاً على رهق أحزانهم وهو يقشر أمام الوالي بأنه سوا وعمل.. رغم أنه لا سوا.. لا عمل فاضطر الطيبون أن يكشفوه أمام واليه ويهتفون في وجهه كذاب كذاب، وعند الهتاف الصادم كنت أتوقع وفي لحظتها أن ينحاز "إيلا" لجماهيره ولمواطنيه ويعفي الوزير من داخل الصيوان ليبرد حشا الثكالى ويجفف دموع اليتامى الذين تسبب الحادث في فقدهم أعزاء لهم!! منتظر شنو "إيلا" ليعفي وزير الصحة وهو يرتكب غلطتين كل واحدة أكبر من الثانية، الأولى وهو يقصر في واجبه تجاه ضحايا الحادث الأليم، والثانية وهو يكذب ويتحرى الكذب عينك عينك أمام المسؤول وأمام المواطنين ودي جديدة دي، لأننا تعودنا أن يكذب المسؤولون على رؤسائهم بالتقارير المضروبة والإفادات المحبوكة لكن الكذب أمام المواطن العارف كل حاجة دي جديدة دي، فيا سيادة الوالي فوتّ على نفسك وعلينا أن تتخذ القرار الصاح ليصبح سنة يحاكيها المسؤولون في أن تقيل وزيرك وتعفيه جوه الصيوان مش تعمل زعلان وتمرق معاهو. }كلمة عزيزة نفسي هذا الوطن يجد ما يتسحق من المكانة التي هو أحق بها سيداً على بلاد العالمين ولدينا كل شيء الثروة والأرض والرجال والإرادة، شنو الناقصنا لنبني ونزرع ونصنع، يا أخي أقول ليكم حاجة حتى الذين سرقونا وحولوا أموالهم أرصدة في الخارج خلونا نراهن على وطنيتهم وليستثمروا هذه الأموال بالداخل ويجعلوها تدور في عجلة الاقتصاد، وعندها مستعدين نقول ليهم عفيناكم. }كلمة أعز شكراً لكل القراء الذين يراسلونني ويصرون على إفراد مساحة لكتاباتهم وأعدهم بأن تجد طريقها للنشر وللرد كمان.