أكبر مجرم هو الريموت، ذاك العفريت الذي تسلل خلسة إلى حياتنا، فأحدث فيها انقلابا، أو (حركة تخريبية)، جعلته أحد المسؤولين المباشرين، عما بات يحيق بالبشر من أمراض ومحن صحية ! في صبانا، لم يكن للريموت وجود، ولذلك لم يكن الناس كما اليوم خمولا وتكلسا، فالتلفزيون يخضع للمعاملة اليدوية مباشرة، حيث يتم تزويده بالأزرار النافرة الواضحة، والتي يسهل غمزها، لتقفل التلفاز .. أو تفتحه .. أو تزيد من صوته .. أو تكتمه .. أو تتحكم في إضاءته وغيرها ! أي احتياج للتعامل مع التلفزيون، كان يعني أن تتحرك من مكانك، وتبذل طاقة جسمانية بشكل تلقائي، وتعالج ما تريده من الجهاز، ثم تعود إلى مكانك، فتكون قد فقدت سعرات حرارية زائدة، وكسبت عافية وأنت تؤدي مهمة لا تحس فيها بأدنى مشقة . تبخر ذلك الزمان إلى غير رجعة، تماما كما تبخر بترولنا الذي كان، لتأتي الأزمنة العجاف، فجاءتنا القنوات الفضائية، بكل فتنتها وحشمتها ودلالها وسفورها، وكان الريموت قد سبقها محتلا مكانه في خدمتها، ليصبح الراقدون في سررهم الدافئة، والمتكئون في أرائكهم الوثيرة، والجالسون على كراسيهم أو (بنابرهم) أو على الأرض الصلبة أو المكسوة بالموكيت .. ليصبح كل هؤلاء متسمرين في أمكنتهم، حيث يقوم الريموت نيابة عن أجسادهم وسعراتهم الحرارية .. بنقلهم من قناة فضائية لأخرى، ومن درجة صوت لدرجة مختلفة، ومن مستوى إضاءة وتلوين إلى مستوى أوفر راحة للعين والمزاج .. وهكذا ! ترى .. كم من الحركات الجسمانية التي اختزلها هذا الريموت في حياة الناس، وكم من التخريب مارسه فيهم بحجة المزيد من الراحة لمن يتعاملون به ؟! حتى أجهزة التكييف، والستائر، بل وحتى جراجات السيارات وبوابات المنازل .. ارتهنت في جزء منها لسطوة الريموت، وباتت لا تعمل إلا بالريموت ! بل إن تشغيل السيارات بات يتم بالريموت، وفتح القفل أو تأمينه للمركبات أصبح يعمل بالريموت، وشاهدنا في حياتنا كيف أن الريموت قد دخل حتى في العمليات العسكرية والإرهابية والدموية، ورأينا كيف أن المتفجرات قد أصبحت رهنا بالريموت، وكيف أن السيارات المفخخة .. أصبح من الممكن تفجيرها في الوقت المحدد والمكان المطلوب، بضغطة زر من الريموت . المصيبة لم تقف عند هذا الحد، فأخبار الأمس أشارت إلى ما يحير ويبشر بالمزيد من (الراحة الأبدية) لبني البشر، فقد أطلقت إحدى الشركات المتخصصة في مجالات التقنية والبث التلفزيوني تطبيقاً جديداً، يتم تثبيته على الموبايل وكافة الأجهزة الذكية، فيغني المستخدم عن استعمال جهاز التحكم عن بعد- الريموت كنترول- بغالبية أنواعه المعروفة . هذا التطبيق يوفر كل ما تنتظره من الريموت، دون أن تملأ يديك بعدة أجهزة، أحدها ريموت التلفزيون، وثانيها ريموت الرسيفر، وثالثها الموبايل، حيث يصبح الموبايل وحده قادرا على إطفاء التلفاز وتشغيله، ورفع الصوت وخفضه، والتنقل بين القنوات واستطلاع دليل البرامج مع إمكانية تسجيل المفضل منها وعرضها لاحقاً. الريموت جزء أساس من مصائب البشر، فقد تركهم هامدين في أماكنهم، لتتمدد كروشهم، وتتيبس مفاصلهم، وتنغلق شرايينهم، والناس فرحون بالرفاهية والراحة التي وفرها لهم، وهاهو يغنيهم حتى عن حمله .. لينضم إلى موبايلاتهم بتطبيق إلكتروني جديد. مجرم أيها الريموت !