يبدو أن الرئيس المصري "محمد مرسي" قد (داس على البنزين) أكثر من اللازم فزادت سرعة عربة رئاسته في طريق غير معبد يعلوه (الدقداق)، ولا تناسبه تلك السرعة التي توشك أن تقلب عربته المترنحة.. التعديلات الدستورية التي أثارت حفيظة خصومه العلمانيين والمناوئين للإسلاميين سبقه إليها السياسي المحترف "رجب طيب أردوغان" رئيس الوزراء التركي.. "أردوغان" قاد عربته بقدرة فائقة وسط (دقداق) أعقد تضاريس من (الدقداق) الذي يعترض "مرسي".. في تركيا يقدّم "أردوغان" اليوم وحزبه العدالة والتنمية اقتراحاً لتعديل الدستور وإقامة نظام رئاسي بحيث تنحصر كل الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية بما فيها حلّ البرلمان.. ويقال إن هذا المشروع يعدّ ليناسب "أردوغان" رئيس الحزب عندما يترشح لرئاسة الجمهورية عام 2015م، ولكن عبر خطوات ديمقراطية وشرعية.. في واحدة من النقاط السياسية التي سجلها "أردوغان" في مرمى العلمانية؛ في طريق إنهاء الفصل الأخير من الأتاتوركية المتعصبة قبل عامين، وحقق الرجل انتصاراً كبيراً على خصومه العلمانيين والقوميين بكسب نتيجة الاستفتاء الذي أُجري في سبتمبر من العام 2010م على تعديل الدستور التركي.. أراد "أردوغان" بل خطط بذكاء، للحد من سيطرة العسكر باعتبارهم السند الركيز للعلمانية الأتاتوركية.. الذكاء الخارق تبين في أن تلك التعديلات الإصلاحية لا تؤدي إلى تصحيح أخطاء الماضي، وكبح جماح هيمنة العلمانيين العسكريين على دوائر صنع القرار فحسب، وانما إلى تعزيز المستقبل الديمقراطي لتركيا، الأمر الذي يمنع أية معارضة أوروبية أو غربية لهذه التطورات السياسية المهمة في تركيا.. الدرس التركي مقدم للرئيس "مرسي" للتعلّم منه في معركة (كسر العظم) مع عتاة العلمانيين في مصر الذين جعلوا من تعديلاته الدستورية حصان طراودة للنيل من شرعيته الانتخابية. مع ميل ميزان القوة بعد الحرب العالمية لصالح العلمانية في تركيا، اقتضى الحال أن تقدم الحركة الإسلامية أفكارها وأطروحاتها بطريقة جديدة، وظهر ذلك من خلال صعود نجم حزب العدالة والتنمية بقيادة "أردوغان" وقفز اقتصاد تركيا خلال فترة وجيزة إلى المرتبة (17) عالمياً، بفضل سياسة حزب العدالة والتنمية، وبلغت نسبة النمو (9%)، وهي نسبة نمو الاقتصاد الصيني العملاق القادم بقوة.. في العام 2001م كانت تركيا على وشك الإفلاس وأُحبط الأتراك بسبب تزايد معدلات البطالة وانخفاض مستوى دخل الفرد الذي بلغ حينئذ (3) آلاف دولار سنوياً، وفي العام 2012م ارتفع متوسط دخل الفرد إلى حوالي (22) ألف دولار سنوياً (في مصر أقل من ألفي دولار سنوياً)، وصنفت تركيا كثالث أكبر دولة صناعية في أوروبا، واعتبرت شركات المقاولات والإنشاءات التركية هي ثاني أقوى الشركات أداءً على مستوى العالم في أعمال البناء.. خارجياً استطاع "أردوغان" إحداث اختراق في علاقاته مع الشعوب العربية وليس الحكام، عبر مواقفه القوية تأييداً للقضية الفلسطينية وكسر الحصار على قطاع غزة. الجماهير الحاشدة التي خرجت للترحيب والهتاف باسم "أردوغان" في مصر وليبيا، عقب نجاح الثورتين أصابت البعض بفوبيا ما يسمونه بالوجود التركي أيام الدولة العثمانية.. الصورة الأكثر دلالة التي أثارت ثائرة البعض صورة "أردوغان" وهو يشبك يديه بأيدي قادة المجلس الوطني الانتقالي السابق في ليبيا أثناء صلاة الجمعة في طرابلس التي صادفت زيارته الميمونة.. هناك خوف من نجاح "أردوغان" في تسويق تركيا كنموذج إسلامي ديمقراطي ناجح في المنطقة، فالرجل زعيم منتخب يحكم دولة مسلمة، وديمقراطية مزدهرة.. "أردوغان" يصوّر نفسه على أنه في موقع فريد يسمح له بتشجيع الانتقال المنظم والسلس من الأوتوقراطية إلى الديمقراطية.. "أردوغان" ولله دره من قائد فذّ وهمام هو صاحب المقولة الشهيرة: (المساجد ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا والمؤمنون جنودنا).. تعلموا من "أردوغان" أيها الساسة في مصر و(كمان) في السودان. • آخر الكلام: حسناً.. فلسطين عضواً مراقباً بالأمم المتحدة، لكنه (جنى سبعة شهور) يحتاج لحضانة مُحكمة تحميه من أنفلونزا "نتنياهو" القاتلة.. هل تستطيع الحضانة العربية رعاية المولود حتى يجتاز مرحلة الخطر؟!