اللسان العربي مهدد بالذبول لعجز الناطقين بالعربية عن تجديد شبابها، ولعجزهم عن تعلمها، ولاتساع الشقة بين العاميات العربية والفصحى، ولتعذر التوصل الى حلول وسطى بين تلك العاميات على ارضية قريبة من الفصحى، والعيش في منطقة الخليج جعلني ادرك لماذا لن تقوم قائمة للوحدة العربية، ليس فقط لأن الله أكرم من ان يجمع المتعوس وخائب الرجاء، ولكن لأن التفاهم بين العرب شبه مستحيل،.. تقول للعراقي: إن شاء الله تعيش العمر كله مبسوط، فيصيح فيك: إن شاء الله أنت تعيش مبسوط وتموت مبسوط يا ابن كذا وكذا!! مبسوط عندهم عكس مبسوط عند بقية العرب!! يعني تعيس ومبهدل ومضروب بال.......... لا مؤاخذة! ولعلي كتبت اكثر من مرة عن تجربة لي في الترجمة الفورية خلال مؤتمر إقليمي في دبي لمنظمة هابيتات التابعة للأمم المتحدة، والمنظمة معنية بالإيواء الذي هو السكن، وتسعى لتوفير المساكن اللائقة للشعوب الغلبانة، وكما كان متوقعا فإن معظم الوفود العربية اتت للمؤتمر بلا أوراق، وعندما يأتي دور كل بلد عربي يرتجل رئيس الوفد كلاما خارم بارم عن جهود بلاده الجبارة لتوفير السكن للمواطنين، ونجحت الى حد ما في ترجمة معظم الكلام الخارم بارم، بجدارة احيانا، وبالفهلوة والسلفقة في احيان اخرى، ثم جاء دور ممثل المغرب وبدأ يتكلم بطلاقة، ولكن، مسخني الله كائنا يشبه مايكل جاكسون ان كنت قد فهمت حرفا مما قاله، وكنت اجلس في كشك زجاجي أرى منه قاعة الاجتماعات ويراني المجتمعون،.. جلست \"متبكما\" لا انطق بكلمة، ثم رأيت رئيس المنظمة، وكان كنديا، يشير إلي بما معناه انه لا يسمع مني ترجمة ما يقوله صاحبنا المغربي، فقلت عبر المايكروفون انني \"مش فاهم حاجة\"، وضجت القاعة بالضحك، فقد اتضح ان جميع الوفود بما فيها العربية، استخدمت السماعات على امل ان تفهم شيئا مما يقوله ممثل المغرب بالترجمة الانجليزية،.. وضحك ممثل المغرب وقال انه تعمد التحدث بعامية بلاده لأنه ايضا لم يفهم شيئا مما قالته الوفود الأخرى بعاميات بلدانها!! أذكر ان محمد كريشان المذيع في قناة الجزيرة شكا لي ذات نهار رمضاني وكان ذلك بعد ان تعرفنا على بعضنا البعض بايام قليلة في لندن، بأنه يعاني من مرض ما، أرغمه على الإفطار في ذلك اليوم، فقلت له فيما قلت: الله يديك العافية! فغضب كريشان رغم انه دائم البشاشة، وتركني ومضى، فسردت على زميل لنا مغربي ما بدر من لكريشان، فضحك وقال إن ذا الكرشين، اي كريشان، حسبني أقول له ان مصيره النار لأنه افطر في رمضان، لأن العافية في عامية تونس هي النار!! وفي كل الأسواق التونسية تجد لافتات تقول على عينك يا تاجر \"يمنع الانتصاب هنا\"! وتحسب بادئ ذي بدء ان الإباحية في تونس صارت مقننة، وأن الأعمال الفاضحة مباحة في كل مكان ما عدا مواقع محدودة في الأسواق! وتعرف لاحقا ان المقصود بتلك العبارة منع وضع \"النصبات\" ومفردها كما عندنا \"نصبة\" وهي تلك الدكة او المسطبة التي يستخدمها بعض الباعة لتسويق سلع مثل الخضروات والفاكهة. وعندما قدمت الى منطقة الخليج اول مرة كان السؤال \"ايش لونك؟\" يستفزني واكاد ارد على السائل: انت شايف شنو؟ ويسألونك في الخليج: ايش علومك؟ فتقول انك اكملت تعليمك، او ان علومك هي الجغرافيا والفيزياء الخ، وبعد حين تدرك ان السؤال يتعلق باحوالك!! والله لا يوريكم ما جرى لذلك المصري الذي كان يكوي ملابسه فتعطلت المكوة او المكواة الخاصة به فذهب الى جاره الخليجي: الله يخليك ممكن تديني مكوتك؟ فانهال عليه الخليجي ضربا بالنعال، وأخونا المصري يصرخ في ذهول: انت اتجننت يا عم.. انا طلبت منك مكوة وللا حشيش؟ وتدخل الجيران لفض الاشتباك وشرحوا للمصري ان مكوة في العامية الخليجية تعني \"الأرداف\"، وحكى لي بدوي قطري كيف ضربوا مصريا جاء الى قريتهم في الستينيات حتى اشرف على الهلاك!! كان الرجل قد جاء يبحث عن صديق له مصري اسمه عبد الجواد يعمل مدرسا في القرية، ووجد نفرا من البدو وسألهم عن \"عبد القواد\"، فهبوا هبة رجل واحد: حنا ما فينا قواويد يا ملعون،.. وضربوه حتى اتى عبد الجواد شخصيا وازال سوء الفهم. ولماذا نذهب بعيدا ونحن في السودان الذي ارجو ان يبقى موحدا، حتى ساعة نشر هذا المقال لا نكاد نفهم لهجات بعضنا البعض،.. وقبل سنوات كانت قريبة لنا (أي نوبية أعجمية) تريد الذهاب الى حي \"الصحافة\" في الخرطوم، وأوصلها احد أفراد العائلة الى محطة الباصات ووضعها على الباص الصحيح، ونصحها بان تطلب من الكمساري ان ينزلها في اول محطة في حي الصحافة، وبعد ان سار الباص مسافة صاحت السيدة في الكمساري: نزلني في أول امتداد السفاهة، ولسوء حظها كان الباص وقتها يسير بمحاذاة امتداد الحي المسمى بالعمارات، وكان وقتها في معظمه \"سفاهة\"، أي سيئ السمعة، ولكن الكمساري كان ذكيا وحاضر البديهة فقد أدرك ان الالتباس جاء بسبب عجز لغوي وقال لها: حاشاك يا حاجة من السفاهة،.. أنا بوديك حي الصحافة! (عندما نقول في العامية السودانية أن شيئا ما \"راح شمار في مرقة\" نعني أنه لاقى مصيرا سيئا). أخبار الخليج - زاوية غائمة [email protected]