يستخف بالإنسان الغرور أحيانا فيتصور أنه يمتلك مقاليد كل شيء، وأنه يرزق ويعطي ويمنع ،ويبني ويعمر ،ويحي موات الأرض ،ويرفع الإستغلال عن كاهل الناس ،وينشر العدل والخير ،ويغير التاريخ ،، ألا يمتلك العلم الذي ينقل به الجبال ،ويحول مجاري الأنهار ،ويقيم السدود ،وينزل المطر ،ويخضر الصحارى ،ويشفي المرضى ،ويطارد الميكروب ،ويقضي على الفيروس؟ وهو ينخدع في نفسه حينما يرى الظروف تستجيب لإرادته والبيئة المادية تنقاد لمشيئته ،والعجينة الإجتماعية تتشكل في يده وتذل لسلطانه ،، تلك خدعة كانت الخميرة التي خرج منها الجبابرة والطغاة وسفاحو الشعوب ،،- والأمثلة حاضرة أمامكم لا حاجة لذكرها -كل منهم تصور نفسه المحرر والمخلص واليد الخضراء ،وانخدع في نفسه حينما استجابت له الظروف وانقادت البيئة وأسلمت الجماهير ،فرأى نفسه ينجز ويبني ويعمر ،ويقيم المشاريع من عدم ،ويغير الخريطة الجغرافية ويبدل الخريطة التاريخية ،، وادعى كل منهم فلسفة ومذهبا يبرر ما يصنع حينما يحتاج الأمر إلى قتل المئات وسجن الألوف ،،قال كل منهم أنه منقذ ومحرر الشعب ،وأنه يطلق يد الكل في الملكية والإستثمار والإنجار والإثراء دون حدود ،وليتنافس الكل في بحر السوق فإذا أكل السمك الكبير السمك الصغير فهو لن يتدخل ،فهو يحب التنافس الشريف ،وإذا ظهرت حيتان تحتكر الماء والضوء فيمكن لمن يريد أن يصرخ ويحتج ويقول مايشاء ضد من يشاء في البرلمان فنحن بلد حر وأنا حررت الجميع ،، وقال كل واحد من هؤلاء الجبارين أن نظامه ديمقراطي وارتفعت جعجعة الإذاعات بين اليمين واليسار ،يدعي كل نظام أن ديمقراطيته حقيقية وديمقراطية الآخر مزيفة ،، واستمر القتل والظلم والسجن والتشريد في الجانبين ،،وتصور الجالسون على مربع السلطة أن هذا ثمن طبيعي للمنجزات الإجتماعية والتعمير والبناء ،، واستمعنا نحن في خلال عشرين عاما إلى هذه النغمة المخدرة ،نغمة المنجزات والتعمير والبناء والكرامة والحرية ،في حين كان القهر والقتل والسجن وانتهاك العقل وانتهاك الكرامة وانتهاك الحرية هي المأساة التي يعانيها كل بيت على أيدي مراكز قوى لخدمة الجالس على مربع السلطة ،والذي كان يغسل يديه من كل خطية ،معتقدا في براءة شديدة أنه يصنع لنا الحرية والخبز والتقدم ،، ولكن ،، استجابة الظروف لم تستمر ،وانقياد البيئة لمشيئة الجالس على مربع السلطة لم يدم ،ومعجزة العلم الذي ينقل الجبال ويحول مجاري الأنهار ويخضر الصحارى لم تثمر المتوقع منها ،،ماذا حدث؟ هل أخطأت الحسابات؟ لماذا لم يعد القدر يستجيب لهؤلاء القادة العظام كما تعودوا وكما تعودنا منهم؟ السر بسيط ،إن أكذوبتهم قد افتضحت ،فلم يكن أحد منهم في أي وقت يملك مقاليد كل شيء ،ولم يكن الرزاق الوهاب المانع المعطي ،ولم يكن المحيي و المميت، وإنما أجرى الله على يديه ما خدعه لبعض الوقت فظن نفسه محرر الشعوب وصانع الخبز والعدل والخير ومخضر الصحارى،، فلما أصابه الإغترار وتصور نفسه مطلق اليد في الأقدار والرقاب وأنه وحيد عصره لا يُسأل عما يفعل ولا يحاسب نزع الله عنه الخلافة وكشف له عورته وأظهر له نقصه وقصم رايته ،، فالحقيقة أن الحاكم طول الوقت مجرد أداة لمشيئة الخالق ،والأسباب الطيعة في يده مظهر من مظاهر التيسير والتمكين الإلاهي ، فكيف يستطيع حاكم أن يمنح الحرية لشعب وهو عاجز عن منحها لنفسه ،فقد يصحو ذلك الحاكم الجبار فيجد نفسه مشلولا سجين الفراش ، ويقد يفقد بصره في لحظة بإنفصال شبكي فلا يرى طريقه ثم هو يموت في النهاية كالدابة ،، يأيها الناس ، متى تعلمون أن الحاكمية لله وحده ؟ وأنه وحده الذي يرزق ويعطي ويمنح ويبني ويعمر ويخضر الصحارى ويغير التاريخ ويبدل الجغرافيا ،وأنه وحده المحرر والمخلص ،، وأنه خالق الحرية فينا بالأصالة ،وأننا نختار به وبما وهبنا من قدرات على الترجيح والإرادة والتنفيذ ،، وأننا نرزق ونعطى ونمنع ونبني ونعمر بما يمدنا من أسباب ،، وأننا نحكم استخلافا منه وتوكيلا عنه ولا نستطيع أن نفعل هذا إلا بإذنه ومشيئته ،وأنه استخلاف بأجل وميقات ،، لا يستطيع جبار مهما بلغ جبروته أن يمد في حكمه يوما أو ساعة أو ثانية ،وإنما ينجح الحاكم في الإصلاح والتعمير والتغيير وتثبيت قدمه إذا حكم بالموافقة والإنسجام مع القوانين والسنن الإلاهية وإذا أحسن الخلافة والوكالة عن سيده ،، فإذا خرج عن القوانين الإلاهية إلى حكم هواه وشهواته وإذا نسي ختم التوكيل وظن نفسه السيد مطلق اليد في مصائر الناس وإذا أصابه الكرسي بدوار الكبرياء والعزة فقد سقط عن كرسيه وسقطت عنه الخلافة ،وانتهى أمره إلي الإحباط والطرد،، وأخطأ من تصور أن له محررا سوى خالقه فعلق أوهامه بهذه الدمى والعرائس التي تتداول على كراسي السلطة ،،إنما هو ديكور من ورق اللعب ،، وإمتحان يعلم به الخالق توجهات قلوب عباده فلا تعلقوا قلوبكم بأحد سواه ،، واعلموا أنه وحده الذي يحرك العرائس ويضعها على عروشها ثم يسقطها ثم تأتي بغيرها ،وأنه وحده محرر الشعوب ،وصانع المنجزات ،وأن الرخاء يأتي من عنده وأن تخضير الصحارى مشروعه وإلهامه والتكنولوجيا بعض علمه الذي أتاحه لنا ،وأننا لا ندور وحدنا في فراغ ،، وإنما نحن طوافون حوله نتلقى عنه الليل والنهار ذلك هو الله رب العالمين ،، لا إلاه إلا هو له وحده الحاكمية ،، وتلك هي حقيقة كلمة التقوى التي علمها الله جميع أنبيائه ،، لا إلاه إلا الله هنادي محمد عبد المجيد [email protected]