هكذا تكلمت ( أريج )... أتذكر عندما كنت طفلة صغيرة أني وكما كثير من الأطفال أحب دميتي إلى ابعد مدى.. اهتم بها ازينها.. أخيط لها ملابسها.. اعد لها الطعام .. ارقدها في سريرها الذي أجهزها لها لتنعم بالراحة.. هذا ماكان في اعتقادي انها تحس وتشعر .. كنت اعاملها بكل رقة وأدللها وأجملها وأسمحها وكنت أتباها بها امام بقية الأطفال.. كانت الأجمل والأكثر تميزا.. كنت سعيدة فخورة بإنجازاتي تجاه دميتي... مرت الأيام شغلتني الحياة بأشياء أخرى"دراستي,مدرستي,والآن جامعتي" مشاغل الحياة وإلتزاماتها وغيرها... لم يعد لدي شئ يخصني .. اهتم به كما السايق.. وحتى اننا كبرنا فلم نعد نتفاخر بالدمى... كبرت لأنخرط في مجتمعي اكثر.. أعيشه اكثر واكثر... اصبحت أنظر للمواضيع بنظرة شمولية.. اتطلع.. اتحقق... نظرتي تخطت اللعب والدمى.. عندما إمتحنت إلى الجامعة طلبوا مني الجنسية لإخراج رقم الجلوس للشهادة السودانية.. ذهبت مع اخي الكبير ونحن في طريقنا إلى هناك قلت في نفسي انا لا اريد الجنسية السودانية .. انا اريد الجنسية الإيطالية!!! فاللأسف كنت مبهورة بالحضارة الأروبية وبجمال إيطاليا تحديدا.. لم يكن في بلدي ماهو يجذبني .. في تاريخي ماهو يبهرني إلا رأس قردون الذي قطع من قبل الانصار !!! لم اكن ارى الجمال فيه... كنت اشاهد التلفاز واتساءل لماذا لاتوجد هذه الطبيعة في وطني؟؟ لماذا لا توجد هذه المباني في وطني؟؟ لما تبدو مدرستي بهذا المنظر الرث؟؟؟ لما يدرسونا هذه المناهج المملة؟؟؟ انا موهوبة يامعلمتي استطيع الكتابة... لا لست كذلك وتاني ماتجي تقولي لينا قصائد نزار قباني واحمد مطر المنحلين ديل داخل المدرسة... انها ليست قصائدهم إنما انا من كتبها انتي!!؟؟ وتتصل المدرسة بأمي... فترد أمي:دا بدل تشجعوها؟؟؟!! توقفت عن إلقاء اشعاري بالمدرسة لفترة ثم عدت بقصيدة "عرب من ورق". في تلك الفترة لم اكن اعي قضايا وطني جيدا ولكني كنت ارى مايحدث في بغداد وفلسطين وكنت اتألم كثيرا... وفي يوم ألقيت قصيدة للشاعر فاروق جويدة عن بغداد في طابور الصباح..قرأتها بأعلى صوتي حتى ان تلك المرأة الطيبة التي تبيع لنا الإفطار عندما جاء وقت الإفطار سألتني: هل انت من كنت تلقين تلك القصيدة في الصباح؟؟ اجبتها نعم. قالت: "سمعناك وكانت قوية شديد" فقلت في نفسي ولكن هل وصلكم إحساسي؟ وهل ايضا وصلكم إحساس بغداد؟؟ كانت كلمات القصيدة تقول: من قال إنّ النفط أغلى من دمي؟! ما دام يحكمنا الجنون.. سنرى كلاب الصيد تلتهم الأجنة في البطون سنرى حقول القمح ألغاماً ونور الصبح ناراً في العيون سنرى الصغار على المشانق في صلاة الفجر جهراً يصلبون ونرى على رأس الزمان عويل خنزير قبيح الوجه يقتحم المساجد والكنائس والحصون وحين يحكمنا الجنون لا زهرة بيضاء تشرق فوق أشلاء الغصون لا فرحة في عين طفل نام في صدر حنون لا دين..لا إيمان..لا حق ولا عرض مصون وتهون أقدار الشعوب وكل شيء قد يهون ما دام يحكمنا الجنون أطفال بغداد الحزينة يسألون .. عن أيّ ذنب يقتلون وتستمر القصيدة ويستمر الألم... اليوم أقرأها بعد مرور اربع سنوات منذ قرأتها آخر مرة وكنت قد نسيت في بادئ الأمر عن ماذا تحكي القصيدة.. ولكن هذه المرة كنت أرى وطني أمامي وحين يحكمنا الجنون لا زهرة بيضاء تشرق فوق أشلاء الغصون لا فرحة في عين طفل نام في صدر حنون لا دين..لا إيمان..لا حق ولا عرض مصون وتهون أقدار الشعوب وكل شيء قد يهون ما دام يحكمنا الجنون ولكن حين اتممت القصيدة تذكرت أنها بغداد الجريحة وليس وطني الذي بالفعل صار يهون...! ولكنها تشبهه كثيرا والإختلاف فقط انهم أسرى في يد الإسرائليين ونحن اسرى في يد المسلمين!!!!؟؟؟ لم يكن يوجعني وطني كثيرا لم اكن حتى اعرف مامعنى وطن!!؟؟ عندما كنت صغيرة كانت تعمل معنا في البيت ونسبة لإنشغال امي مربية "جنوبية" تدعى ليزا مانت طيبة . جميلة. سمحة الروح . اقسم اني لا أتذكرها الان إلا بفستانها الأبيض الرائع"توفيت وهي تضع مولودها" بكيت بحرقة لفراقها...احببت الجنوبين وعاشرتهم ولم تكن ترضيني الحروب في الجنوب.. سعدت بإتفاقية السلام وحزنت حد التقطع لإنفصال الجنوب!! ترعرعت على مقولة"منقو قل لا عاش من يفصلنا"وكأن الشاعر كان يعلم بقدوم يوم كهذا!! وإنفصلنا وتشتتنا وتشردنا وعاش من فصلنا!! دخلت الجامعة... توسع نطاق "أفقي" ونطاق معرفتي واتيحت لي الفرصة لأرى السودان بصورة اكير... ولكن وجدت ان الصمت يعم المكان وان من يتحدث بصوت عالي يقطع لسانه !! وان الحرية الوحيدة المعطاة هي حرية "العيش" فحمدت الله على نعمته!! وتوكلت ونطقت!!! قررت ان اتبع نفسي فقد رأيت في الكل مظلمة ومظلمت نفسي اهون من مظلمة الغير... في ذلك اليوم ونحن في إفطار جماعي بالجامعة نعد الفطور جاء رجل يستنجد بنا زوجته في مستشفى سوبا في حالة وضوع ومالاقية تأكل.. تأثرت جدا بهذا الموقف فمن المفروض ان الوطن يضمن لك السلامة ومجانية العلاج ولكن هيهات... قررت حينها ان اكون ذلك المولود.. ان اكون مستقبله الذي بإذن الله لن يعيشه ليعيد نفس مشهد والده.. واحنا رجعين وفي نفس اليوم توقفت العربة التي تنقلنا أمام ديوان الذكاة وكانت الساعة متاخرة.. ولكن كان هناك اناس ينتظرون "الذكاة"ناس تاتي في الكراتين والورق ينتظروا ان يرموا إليهم بملاليم وفي النهاية يقولوا ليهم القروش انتهت!!!! رجعت البيت وكتبت ملاحظة هنا في الفيس وأسميتها"بيت مال المسلمين" والذي اصبح يذكي على العاملين عليها فقط!!! قررت حينها نا اكون اولئك المساكين.. انا اعيد حقهم ان اشعر بحاجتهم التي دعتهم لإزلال انفسهم بهذه الطريقة .. في إحدى المرات التي ذهبت فيها الى المستشفى مع امي وحين كنا في إنتظار الطبيب.. دخلت إمرأة تحمل إبنها الرضيع في يديها وتصيح بأعلى صوتها"ولدي ولدي ألحقوني ولدي بموت ولدي بموت ياناس" ومات إبنها في يدها وإرتمت هي على الأرض تبكي... الايوجد ضمير؟؟ اين ملاك الرحمة؟؟ اين المسؤولية؟؟ أتطلق على نفسك لقب طبيب؟؟؟ قررت حينها أن أكون ألمها وطبيبها وشفاءها ... قررت أن اكون ذلك الشاب الجامعي الذي يخرج من منزله وفي جيبه لا يوجد غير حق المواصلات وملاات بقصر!!! يصل إلى الجامعة وليس لديه حق سندوتش طعمية بألف جنيه . يدرس يجتهد لأجل أبيه.. أمه.. أخوته.. يؤلمه حاله.. تؤلمه بطنه!! ولكنه يصمت ليحتفظ بما تبقى من كرامته.... والده موظف بسيط لايكفي راتبه لخمسة أيام في الشهر.. او سائق مواصلات عامة إنقسم ظهره و هو رجل في آخر العمر أو بائع يجلس في الشمس من الصباح وحتى غروبها لأجل أبناءه.. والدته لا حول لها ولا قوة... أو تجدها تكافح الحياة"موظفة,ست شاي.تبيع مافي استطاعتها ان تبيعه" وكل هذا لا يوفي شئ ولكنها تظل تكدح... وفي ظل هذا يظل ذلك الشاب يتألم يريد ان يعيش حياة كريمة لايريد هذا لأخوته الذين خرجوا الي الشارع فمنهم من يبيع الماء في الشوارع منهم من يبيع الليمون في الاسواق... حينها اما ان يعي معاناة اهله ويستقيم واما ان ينحرف وايضا بسبب المعاناة... يتخرج من الجامعة ليجلس عاطلا وتبدأ معاناة جديدة... هذا حال الشباب .. انا هو انا معناته انا احلامه التي اريد بكل قوتي ان احققها.. انا امله.... انا تلك الفتاة التي تجسد نفس معاناة ذلك الشاب خرجت إلى الشارع لأجل اهلها ومستقبلها لتتعرض لكل الاهانات من مجتمع "ممسوخ" خرجت للعمل في ظل الحوجة لا إحترام ولا تقدير ولا حقوق محفوظة .. تنتهك ولا أحد يتحدث!!! انا لست من انصار اؤلئك النساء اللتي يدعين الدفاع عن حقوق المرأة ومن منظوري الخاص "ديل نسوان ماعايشين معاناة المرأة الحقيقية وماعندهم موضوع" انهم مدعيات لا غير... فقررت ان اكون انا المرأة السودانية .. حقوقها.. متطلباتها وكرامتها.... قمت لقيت أن الذي يريد أن يعيش في السودان يجب أن يغترب خارج السودان!!! فإغترب نصف المواطنين ليعيش النصف الثاني... قمت لقيت العالم كلو بيفخر بأوطانه... المصري بقول وبالفم المليان: أنا مصري وابويا مصري..ومصر هي أمي نيلها جوة دمي.. السوري بقول:ربوع الشام بروج العلا تحاكي السماء بعالي السناء.. التونسي بقول:لتدوي السموات رعدها. لترمي الصواعق نيرانها إلى عز تونس إلى مجدها رجال البلاد وشبانها.. والليبي بقول:يابلادي انت ميراث الجدود انت ياليبيا لن نخذلك لن نعود للقيود قد تحررنا وحررنا الوطن قمت لأجد ان معظمنا لايعي معنى الوطن.. لأجد ان معظم الشباب السوداني يخجل لكونه من السودان ويغير إنتماءه إلى بلادان أخرى!! لا يفتخر بسودانه يخجله الوضع.. لا تطور. لا نماء . لا علم. لا إختراع. لا ثقافة. لا شئ... سوداننا يقتل الطموح نعم. ولكن ابيده؟ ام بيدك؟ كل الشباب يريد انا يخرج نعم. ولكن ابيده ؟ ام بيدك؟ رغم هذا انظر حولي أتساءل لماذا لان حب السودان لأنه وطننا ولا وطن لنا غيره.. اتعرفون ماهو الوطن؟؟؟؟ الوطن أرض؟ الوطن حدود؟ لا لا الوطن حالة من الشجن الوطن هو السكن الوطن أم وأب إبن الوطن هو طبع وحب وفرح وحزن الوطن مسؤولية.. يهون لأجله العمر ويرخص كل غالي الوطن مسقط الرأس المكان الذي يحميك ويأويك ويسمح لك بحرية التعبير بدون خوف إلا من الله الوطنإحساس في القلب في الروح الوطن إنتماء هوية لا يمكن لأحد ان يغير وطنه فهو واحد كالأم وربما يكون الوطن فكرة..تعيش فيك وتعيش فيها ولأجلها .. أو حلم تنعم به ولو كان مستحيلا لماذا في مناهجنا لا يدرسونا حب الوطن؟؟؟ لا يزرعوهو فينا؟؟؟ لأنه شئ فطري كما حب الأهل والأصدقاء... عندما رأيت الجميع يتباها بوطنه تذكرت دميتي التي كنت اتباها بها... إبتسمت لأني أخيرا وجدت الذي الشئ الذي سيملأني وجدت كنزي الضائع.. وطني الحبيب إنه ملكي كل هذه المساحات ملكي أنا إنها مسؤوليتي ان اعتني به... ان ازينه.. ان أجمله.. ان أحافظ عليه ولكن الإختلاف هنا انه حقيقي جدا وليس لعبة إنه يتنفس أنه يقرح ويحزن يرضى ويسخط يعطي بلا مقابل كالأم وطني يمثلني وأنا أمثل وطني يحزنني حال وطني الحبيب ولكني من اليوم لن أخذله أبدا سأجعله وطننا أفضل بإذن الله نستطيع ان نجعله وطنا افضل فقط أولا لنحب وطننا لنفتخر ونتفاخر به... أليس كل منا كان في يوم يمتلك دميه أو سيارة لعبة؟؟؟ كان يحبها ويعتني بها ولا يسمح بأن تتسخ؟؟؟ وعندما تتسخ ينظفها بكل حماس "ليظهر جمالها" وكل هذا بدافع الحب... إن السودان من أجمل البلادان وأغناها فقط غطته الاوساخ ويحتاج إلى نظافة!!!؟؟؟ إذا لنحب وطننا أولا وحينها دوافع الحب ستحركنا... لنردد كلنا وبكل حب وبلا كلل أو ملل دائما وأبدا النشيد الوطني السوداني الذي انشد عند إستقلال السودان عام 1955 وهنا سأسرد كل النشيد حتى الذي حزف منه... نحن جند الله جند الوطن إن دعى داع الفداء لن نخن نتحدى الموت عند المحن نشتري المجد بأغلى ثمن هذه الارض لنا فاليعش سوداننا علما بين الأمم يابني السودان هذا رمزكم يحما العبء ويحمي ارضكم نحن أسود الغاب أبنلء الحروب لا نهاب الموت أو نخشى الخطوب نحفظ السودان في هذه القلوب نفتديه من شمال أو جنوب بالكفاح المر والعزم المتين وقلوب من حديد لا تلين نهزم الشر ونجلي الغاصبين كنسور الجو وأسد العرين ندفع العدى نصد من عدا نرد من ظلم ونحمي العلم ..................... هل سألت نفسك يوما لما جعل الله الموت في سبيل الوطن شهادة؟؟؟ ببساطة لانه غالي وأغلى من الروح... فهل أنت تحب السودان بهذا القدر؟؟؟؟ إذا كنت كذلك فقط الآن اكتب زمن القلب انا بحب وطني السوداااااااااااااااان اريج فتح الرحمن مهدي دياب...الخامس من رمضان...24\7\2012 الكاتب الساخر : د.حامد موسى بشير