علمتنا تجارب الإعلام أن البرنامج الناجح هو الذي يكون فكرة من خاطر صاحبه، يجترحه ويخترنه ويحتشد به ثم يتدفق، غير أن حسين خوجلي انهض برنامجا اضطراريا لم يمر بهذه الأطوار لكنه نجح مختزلا التراتب التقليدي لفكرة أي برنامج!!. هذه مشهد يجبرك على كيل الثناء والتقريظ والمشكار لصديقنا الأحب حسين خوجلي المتدفق أبدا. اليوم الذي بدأ فيه هذا "البرنامج الاضطراري" المباغت كنت قد شمرت إحساسي المحتشد بالروائي التركي أورهان باموق وبدأت أقرأ روايته "اسمي أحمر" تلك الرواية التاريخية التي يتناول فيها باموق "الفن التشكيلي الإسلامي" إذ يستمد عنوانها من اللون الأحمر الأكثر استخداما في الرسم الإسلامي، وتعتبر هذه الرواية الصادرة عام 98 من أهم الروايات التي صدرت من القرن الماضي. ورفعت عدد اللغات التي ترجم اليها باموق إلى تسع عشرة لغة. واحتلت المركز الأول واحتلت المركز الأول في عدد مبيع نسخها إثر صدورها. أجبرت هذه الرواية التي صعدت بأورهان- لجائزة نوبل عام 2006م كبار النقاد الأوربيين على إطلاق الثناءات عليه "اورهان باموق روائي تركي شاب يعلم أوربا كيف تكتب الرواية"، وقالت صحيفة كلتورا الأدبية ("اسمي أحمر" هو الخيال الأكمل الذي شهدته المكتبات). أجبرني حسين خوجلي على وضع اورهان باموق في قائمة "القراءة الثانية" لأتابع مسلسله غير البعيد عن "اسمي أحمر" فتلك رواية تناقش الفن التشكيلي الإسلامي، وبرنامج حسين يناقش تجربة الإسلاميين في الحكم وهو واحد منهم. إنها المصادفة النادرة أن تقرأ فصولا من رواية من كتاب، وتشاهد فصولا من نفس الرواية على "شاشة أم درمان" في تناص حي تتداخل فيه أم درمان بأسطمبول!!. الجديد في برنامج "مع حسين خوجلي" أن مفردا بصيغة الجمع يناقش تجربة امتدت لأكثر من عقدين، وحين يصوب سهام نقده الطالعة من كنانتها، يكون نقده حميدا ومتجها نحو مسالك المناصحة بطريقة تجمع السرد والطرفة والحكاوى والأمثال الشعبية والشعارات السياسية العزيزة. استوقفني نقد حسين للأحزاب التي تشارك الإنقاذ مسؤولية الحكم دون أن تشرق بذاتها، وتميز مواقفها، وتحافظ على بصمتها، كأنها تميمة وليست حليفة. مثل هذا النوع من البرامج لا يجودها إلا صاحب تجربة يستند على ركام هائل من المواقف الكبيرة والصغيرة، وصاحب رؤية نقدية تمتد من الغناء حتى "التقاوى"! وتلك برامج تقوم على المحبة لا التجريح، والإضاءة وليس التعقيم وتقوم أيضا على الانطلاق والتوقف. برع حسين في فن الممازجة بين الإرث الثقافي والفعل السياسي وزاوجهما على سنة المواقف ففاض بذرية من المعاني. كان حسين يحبسني في رمضان يوميا، لكنه الآن يحبسني في كل أشهر السنة بما فيها تلك الأشهر الحرم، له التحايا والمودة. أقاصى الدنيا - محمد محمد خير صحيفة السوداني